استمع إلى الملخص
- التدهور الاقتصادي وتجارة الأزمات: الأزمة الاقتصادية في لبنان تفاقمت بسبب العدوان الإسرائيلي وجائحة كورونا، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، واستغلال "تجار الأزمات" للوضع برفع أسعار الإيجارات والعقارات.
- غياب الرقابة وتفاقم الأزمة: غياب الرقابة الرسمية أدى إلى استغلال المالكين للنازحين بفرض شروط جديدة، مع تزايد الطلب على المساكن وتدمير الشقق، مما زاد من تعقيد الأزمة السكنية والهجرة.
استهدف العدوان الإسرائيلي عددًا كبيرًا من المناطق في جنوب لبنان والبقاع، إضافة إلى الضاحية الجنوبية، وسط تحذير السكان بمغادرة قراهم مع بدء الاجتياح البري الإسرائيلي للجنوب. ونتيجة لذلك، نزح أكثر من مليون شخص من مناطقهم إلى بيروت وعدد من المناطق التي تعتبر آمنة خارجها.
وفي حين قدم العديد من اللبنانيين بيوتهم مجانًا لاستقبال النازحين، وعُرض الكثير من المنازل بالأسعار السائدة، إلا أنه في ظل غياب الدولة وغياب القوانين التنظيمية، استغل عدد من أصحاب المنازل في المناطق التي تعتبر آمنة هذه الفوضى لرفع أسعار الإيجارات إلى مستويات جنونية، وسط ظروف اقتصادية وأمنية صعبة يعاني منها المواطنون بعد تهجيرهم من بيوتهم وخسارة مصادر رزقهم.
وذكرت د. أ، وهي نازحة من قضاء النبطية جنوبي لبنان إلى منطقة قبرشمون في قضاء عاليه، أنها تعيش مع عائلتها وأقاربها في منزل وصفته بأنه أقرب إلى قبو. وأشارت إلى أنهم سيدفعون 400 دولاراً شهرياً مقابل الإيجار، وذلك من دون توفير الماء أو الكهرباء، بالإضافة إلى دفعهم ثلاثة أشهر مقدمًا، ما يعني دفع 1200 دولار قبل استلام المنزل.
من جانبه، صرّح نازح آخر يقيم في مجمع بئر حسن في بيروت، وهو صاحب مرآب (ورشة) ميكانيكا في البقاع، بأنه فضّل البقاء مع عائلته في مركز إيواء، رغم قدرته المادية على استئجار منزل. وأوضح أنه اختار الاحتفاظ بمدخراته خشية أن تطول الحرب، لأنه قد يحتاج إليها لاحقًا لاستئجار منزل.
مخاوف من الحصار
وتعيش ساندي مع عائلتها في البترون بعدما نزحوا من الجنوب، حيث يدفعون 1200 دولارًا شهريًا مقابل إيجار شاليه. وأوضحت أن العائلة قادرة على تغطية هذا المبلغ بفضل تحويلات أشقائها من الخارج. ومع ذلك، أعربت عن قلقها الشديد من احتمال فرض حصار على البلد قد يؤدي إلى توقف التحويلات، ما يهدد قدرتهم على الاستمرار في دفع الإيجار.
وقالت رنا إنها كانت تبحث عن مسكن لعائلتها خارج بيروت، إلا أن كلفة الإيجارات خيالية، حيث طلب أحد أصحاب الشقق دفع إيجار بقيمة 850 دولاراً، وفوقه سنة مدفوعة سلفاً، ما يعني 11 ألفاً و50 دولاراً.
فيما طلب صاحب شقة أخرى غير مفروشة 600 دولار إضافة إلى ستة أشهر مدفوعة سلفاً وشهر تأمين، ما يعني 4800 دولار. فيما العديد من إعلانات الشقق تضع أرقاماً غير مسبوقة لا تقل عن 1200 دولار للشقة غير المفروشة ولا تشمل فواتير الخدمات من مياه وكهرباء. وتلفت إلى أن بحثها انتهى بتشتيت أفراد العائلة وتوزعهم على بيوت الأصدقاء إلى حين إيجاد منزل بإيجار معقول.
تجارة الأزمات
وأكد الخبير الاقتصادي باسل الخطيب أن تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان بدأ منذ خمس سنوات مع الأزمة النقدية وتفاقمها بسبب جائحة كورونا وإغلاق العديد من المؤسسات، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة. وأوضح أن كل هذه الأزمات تفاقمت في ظل غياب تام للاستثمارات الأجنبية.
ولفت إلى أن الأزمة الاقتصادية اشتدت بشكل ملحوظ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث تراجعت القدرة الشرائية وانخفضت الرواتب، فيما ارتفعت الأسعار بشكل كبير في السوبرماركت ومحال التجزئة، ما زاد من معاناة المواطن اللبناني.
وأشار الخطيب إلى أن العدوان الإسرائيلي الأخير ساهم في تعميق هذه الأزمة، مؤكداً أنه لا يمكن التوصل إلى حلول من دون انتخاب رئيس جمهورية ووضع خطة حكومية لإعادة الثقة بالبلاد، وإخراج قرار السلم والحرب من أيدي الجهات غير الشرعية لتصبح الأمور في إطار دبلوماسي. كما أضاف أن الدمار الذي لحق بالمنازل والمؤسسات أدى إلى معاناة كبيرة لدى المواطنين.
وشدد الخطيب على أن الأزمة الحالية فتحت المجال أمام "تجار الأزمات" الذين استغلوا الوضع لرفع أسعار الإيجارات. وأوضح أن أسعار العقارات، التي كانت منخفضة، عادت إلى مستويات تقترب مما كانت عليه قبل عام 2019، بفعل ارتفاع الطلب من قبل النازحين وجشع أصحاب العقارات. وأكد أن هذا الارتفاع لم يقتصر على الإيجارات فقط، بل شمل أيضًا أصحاب المتاجر الذين رفعوا الأسعار في ظل تزايد الطلب.
غياب الرقابة
بينما أشار الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن جميع الأسواق تعتمد على العرض والطلب، ومع غياب الرقابة الرسمية، لا تُمكن السيطرة على ظاهرة ارتفاع أسعار الإيجارات. وأضاف أن هناك استغلالًا من قبل المالكين، حيث يفرضون شروطًا جديدة مثل الدفع المسبق من دون عقود رسمية، مستغلين نزوح أكثر من مليون شخص ما يزيد الطلب على المساكن.
وأكد أبو سليمان أن النزوح الحالي هو الأكبر منذ حرب 2006، حيث لم يكن النزوح حينها يشمل إلا الجنوب والضاحية، بينما اليوم يشمل مناطق واسعة، ما فاقم أزمة السكن. كما أوضح أن الإيجارات عادة ما تكون مرتبطة بمؤشرات غلاء المعيشة، ولكن في ظل غياب الاستقرار، يسعى الجميع للاستفادة من الظروف الراهنة.
من جهته، أشار رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو إلى أن لبنان يعاني من فوضى قانونية، حيث تعتمد البلاد على المصالح الخاصة مع غياب الدولة. وأضاف أن البلاد تواجه أزمة سكنية حادة، مع وجود مئات الآلاف من الشقق الخالية أو المتضررة جراء القصف الإسرائيلي، في وقت يتجاوز فيه عدد النازحين مليون نازح.
وذكر برو أن تدمير حوالي 38 ألف شقة خلال حرب تموز 2006 تزامن مع تدفق مساعدات خارجية بقيمة 11 مليار دولار، ما أدى إلى زيادة غير طبيعية في أسعار الشقق، إذ ارتفعت بمعدل خمسة أضعاف.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة تضخمت بشكل كبير بسبب غياب الرقابة والضوابط الرسمية، وأكد أن الأزمة الحالية أكثر تعقيدًا، حيث طالت الحرب على غزة أكثر من سنة، وبدأت تتسع في لبنان، ولا توجد حلول في الأفق. وفي ظل غياب الدولة وسرقة الودائع، يجد المواطنون أنفسهم أمام واقع صعب، حيث تتزايد الهجرة والبحث عن حلول مستدامة للسكن.
وصرح الناشط نور عز الدين بأن مراكز الإيواء في بيروت والشمال أصبحت مكتظة، وخاصة بالنسبة لغير اللبنانيين، حيث إن حوالي 90% من المراكز لا تستقبل غير اللبنانيين. وأوضح عز الدين أن إحصاء العدد النهائي للنازحين صعب بسبب تزايد الأعداد المستمر. وأشار إلى أن هناك عددًا كبيرًا من النازحين يقيمون في مراكز إيواء غير رسمية، مثل الكنائس، الاستراحات، والأبنية الفارغة.
وأضاف أن الناشطين والجمعيات لم يتمكنوا حتى الآن من إجراء إحصاء دقيق للنازحين المقيمين في المنازل، حيث إن معظمهم يعيشون مع أقاربهم أو يعتمدون على الحوالات الخارجية لتغطية إيجارات المساكن.