تسلم الاقتصادي الإيراني، علي صالح أبادي، مقاليد البنك المركزي الإيراني، يوم الأربعاء الماضي، ليصبح محافظه الـ23، بعدما عينته الحكومة الإيرانية في هذا المنصب، خلفا لأكبر كميجاني، الذي لم يبق في منصبه إلا أربعة أشهر في نهاية ولاية الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني. تأخرت الحكومة الجديدة في تعيين محافظ جديد للبنك المركزي الإيراني، أكثر من شهر بعد تشكيلها، وذلك يعود إلى حساسية المنصب وأهميته.
بتعيين صالح أبادي تشكل الفريق الاقتصادي الحكومي بالكامل، بعدما اختار الرئيس إبراهيم رئيسي بقية أعضاء الفريق خلال الفترة الماضية.
ويتولى صالح أبادي إدارة البنك المركزي، في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تواجهها البلاد منذ قرابة أربع سنوات تقريبا، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018، الأمر الذي جعل البنك المركزي والمؤسسات المالية والاقتصادية الأخرى في إيران عرضة لانتقادات كثيرة خلال هذه السنوات، على اعتبار أن سياساتها لم ترتق إلى مستوى تحدي العقوبات.
يتولى أبادي إدارة البنك المركزي، في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تواجهها البلاد منذ قرابة أربع سنوات تقريبا، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018
صالح أبادي البالغ من العمر 43 عاماً، والذي ينحدر من مدينة سبزوار في محافظة خراسان الرضوية التي ينحدر منها الرئيس الإيراني أيضا، انضم إلى الوجوه الشابة بالحكومة، حيث يعتبر الشخص الثالث الأقل عمرا بين أعضاء الحكومة.
وتُعرَف عن صالح أبادي، شخصيته المحافظة، وهو الحاصل على الدكتواره في الإدارة المالية من جامعة الإمام الصادق. هذه الجامعة التي تتبع مباشرة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، ينظر إليها على أنها معقل لتربية "المسؤولين الثوريين" المحافظين لتسلم المهام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ويؤمن صالح أبادي بزيادة الدور الرقابي لجهة توافق العمل البنكي مع الأحكام الاقتصادية الإسلامية وفق المذهب الشيعي، وهو قال بهذا الصدد قبل سنوات إن الاعتماد على قانون الصيرفة من دون الربا وحده لا يكفي، داعيا إلى سد الفجوات من خلال توسيع نشاط المجلس الفقهي.
لدى صالح أبادي حلوله الخاصة لخفض التضخم في إيران، كشف عنها في حوار سابق مع وكالة "تسنيم" الإيرانية، قائلا إن "استقلال البنك المركزي يستدعي عدم إقحامه في تأمين موازنة الحكومة بالعملة الوطنية، هذا مهم للغاية"، وداعيا إلى أن "تكون السياسات النقدية والمالية مستقلة عن بعضها البعض، إذ يعد تداخلها أحد أسباب التضخم".
وأكد أن "الحل الأساسي للتضخم هو عدم الاعتماد على صادرات النفط في إدارة البلاد"، داعيا إلى خفض نسبة التضخم من خلال زيادة نسبة الضرائب وتوسيع القواعد الضريبية، وتعويض عجز الموازنة من خلال نشر الأوراق وبيع الأسهم الحكومية في البورصة، وليس عبر موارد البنك المركزي. كما أن المحافظ الجديد للبنك المركزي الإيراني، من أنصار خفض سعر الفائدة على المدى البعيد، فدعا قبل فترة في حديث مع وكالة "إيسنا" الإيرانية إلى ضرورة خفض السعر لكن ليس بشكل عشوائي بل حسب خطط مدروسة.
كما أشار في مقابلة مع التلفزيون الإيراني، إلى أن أولويته الأولى هي إعادة الهدوء إلى الأسواق الإيرانية، مضيفا أنه "أعددنا آليات وخططا لازمة لتحقيق هذا الاستقرار، ليكون ملموسا خلال الأيام والشهور المقبلة".
لدى صالح أبادي حلوله الخاصة لخفض التضخم في إيران، كشف عنها في حوار سابق، قائلا إن "استقلال البنك المركزي يستدعي عدم إقحامه في تأمين موازنة الحكومة بالعملة الوطنية، هذا مهم للغاية
ومن أولوياته الأخرى، وفق تصريحاته، الرقابة على شبكة البنوك، والتحكم بالقاعدة النقدية ومنع ارتفاعها، ومنع زيادة سحوبات البنوك من البنك المركزي. وبشأن عجز الموازنة الإيرانية، قال محافظ البنك المركزي إنه أعد "خططا بالتعاون مع وزارة الاقتصاد لإدارة هذا العجز وتسديده بطريقة تسمح بالتحكم في التضخم وكبحه".
كما أشار إلى أن أولوياته الأخرى تتمثل في توجيه الموارد البنكية إلى قطاعات الإنتاج والشركات الصغيرة والمتوسطة والسكن وقطاعات أخرى، لافتا إلى مساعٍ لزيادة الموارد بالعملة الأجنبية.
وقال في هذا الصدد: "إننا نسعى إلى زيادة الصادرات غير النفطية، وهذا يشكل إحدى الأولويات الاستراتيجية للبنك المركزي وسنتخذ سياسات تشجيعية لزيادة هذه الصادرات".
وفيما تواجه إيران صعوبات في إعادة عائدات صادراتها إلى الداخل بالنقد الأجنبي، قال صالح أبادي إن البنك المركزي سيتبع سياسة محددة لإدخال هذه الأموال، مشيرا في الوقت ذاته إلى توجهه لمتابعة الإفراج عن أرصدة إيرانية في الخارج.
وتقدر هذه الأرصدة بأكثر من 40 مليار دولار، جمدت بسبب العقوبات الأميركية، منها 5 مليارات دولار في العراق، و7 مليارات دولار في كوريا الجنوبية.
ويتولى صالح أبادي رئاسة البنك المركزي الإيراني، في ظروف صعبة للغاية، على خلفية الأزمة الاقتصادية التي أنتجتها العقوبات الأميركية المستهدفة مفاصل اقتصاد الدولة وعصبه (النفط) مع سوء الإدارة والسياسات الاقتصادية الخاطئة، وفق مراقبين، فاقمها الانتشار الحاد لجائحة كورونا.
نتيجة هذه الأزمة، يواجه صالح أبادي، تحديات متعددة مرتبطة بمجال عمله، بشكل مباشر أو غير مباشر. فقد فقدت العملة الوطنية (الريال)، 500 في المائة من قيمتها منذ العام 2018.
ا أدى انخفاض العملة الإيرانية إلى تضخم غير مسبوق، يقدر بنحو 58 في المائة، هو الأعلى منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979
وقد أدى انخفاض العملة الإيرانية إلى تضخم غير مسبوق، يقدر بنحو 58 في المائة، هو الأعلى منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، وفقا لتقرير لوكالة "فارس" الإيرانية، الثلاثاء الماضي.
وفي السياق، أشارت وكالة "إيلنا" الإيرانية العمالية، الأربعاء الماضي، إلى أن الأسعار ارتفعت خلال الشهور الخمسة الأخيرة (من مارس/ آذار حتى أغسطس / آب2021) بنسب تتراوح بين 30 و90 في المائة.
أما هبوط العملة الوطنية الإيرانية فهو مرتبط بتراجع حاد في إيرادات البلاد بالنقد الأجنبي خلال السنوات الأخيرة. فقد خفضت العقوبات الأميركية موارد الدولة من 100 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار، حسب محافظ البنك المركزي الإيراني السابق، عبدالناصر همتي، فضلاً عن أن الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني أيضاً تحدث عن أنها أفقدت إيران نحو 200 مليار دولار من عوائدها ومواردها.
كما أن العقوبات سببت هبوط الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بنسبة 57 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية، مما أدى إلى تراجع موقع إيران في الاقتصاد العالمي من المرتبة 26 في العام 2017 إلى المركز الـ51 حالياً، وفقا لتصريحات رئيس غرفة التجارة الإيرانية، غلام حسين شافعي، الأسبوع الماضي.
ويظهر تقرير البنك الدولي خلال يونيو/حزيران الماضي، تراجع الناتج المحلي الإجمالي الإيراني من 600 مليار دولار في العام 2012، إلى 445 مليار دولار في العام 2017، إلى 191 مليار دولار في العام الماضي.
أدى انخفاض موارد الدولة إلى عجز كبير في الموازنة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تحمّل البنك المركزي أعباءه من خلال طباعة النقود وآليات أخرى. فهذا العجز في موازنة هذا العام، يقدر بنحو 300 ألف مليار تومان (سعر الدولار 28 ألف تومان) أي بنسبة نحو 40 في المائة من إجمالي الموازنة.
السبل التي سلكتها الحكومة الإيرانية خلال السنوات الأخيرة لتعويض عجز الموازنات، منها طباعة النقود، زادت نسبة التضخم والسيولة بنسبة كبيرة
السبل التي سلكتها الحكومة الإيرانية خلال السنوات الأخيرة لتعويض عجز الموازنات، منها طباعة النقود وغيرها، زادت نسبة التضخم والسيولة بنسبة كبيرة، فتشير الأرقام الرسمية إلى أن السيولة خلال السنوات الثماني الماضية ارتفعت 8 أضعاف لتبلغ من 4200 مليار تومان عام 2013 إلى 340 ألف مليار تومان في الوقت الراهن.
ويعمل في إيران نحو 30 مصرفاً حكومياً وخاصاً، وتملك هذه المصارف نحو 23 ألف فرع في أنحاء البلاد. معظم هذه المصارف تواجه خسائر متراكمة، بحسب تقرير لوزارة الاقتصاد الإيرانية، نشرته أخيرا بأمر من الوزير إحسان خاندوزي.
وهذه الأزمة تشكل تحديا كبيراً أمام محافظ البنك المركزي الجديد، حيث تقدر الخسائر المتراكمة لخمسة مصارف حكومية، وفق هذا التقرير، بـ81 ألف مليار و869 مليون تومان خلال العام الماضي، ارتفاعاً من 73 ألف مليار و751 مليوناً في العام 2019.