أكد باحثون وخبراء استراتيجيون أنّ اكتشاف الغاز في لبنان يمثل فرصة اقتصادية هامة، لكنها تواجه تحديات جيوسياسية تتعلق بالصراعات الإقليمية فضلاً عن التحديات الداخلية كالخلافات بين القوى السياسية والفساد.
وأكد المشاركون، في ندوة نظمتها، الجمعة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت عبر تطبيق زوم عن الغاز في شرق المتوسط، أنّ اكتشاف الغاز لا يعني مباشرة الإنتاج والتصدير بل ربما يستغرق ذلك وقتاً، كما أنّ الرهان الأوروبي على غاز شرق المتوسط سيستغرق وقتاً، وفي كل الأحوال لن يكون بديلاً كاملاً عن الغاز الروسي.
واعتبر رئيس مجلس أمناء المؤسسة طارق متري، في كلمته للندوة التي عقدت تحت عنوان "الاحتياطات والتحديات الجيوسياسية"، أنّ مسألة الطاقة هي من الملفات ذات الشأن التي تفرض نفسها على فلسطين والمنطقة كلها لترابط عناصر الصراع بعضها ببعض.
وقال رئيس تحرير نشرة "MEES" بيتر ستيفنسون، في محاضرته عبر "زوم"، إنّ "إسرائيل بعد اكتشاف آبار الغاز، باتت دولة مصدّرة لهذه المادة إلى كل من الأردن ومصر".
وأشار إلى أنّ "دولاً أخرى في شرق المتوسط اكتشفت أو يفترض أن فيها احتياطات من الغاز مثل قبرص ولبنان وسورية واليونان، لم تبدأ الإنتاج مطلقاً ولا حتى تجارياً، ومن غير المتوقع أن تباشر قريباً استخراج الغاز وتصديره إلى أوروبا، التي يفترض أنها وجهة التصدير".
وفي وقتٍ يدور الحديث عن أنّ غاز شرق المتوسط يمكن أن يغطي حاجة أوروبا من الغاز بعد أزمة الحرب في أوكرانيا، يرى ستيفنسون أنّ كل ما يمكن تصديره لا يكفي أوروبا، ولا يغطي ما تقدمه روسيا للقارة العجوز، مشيراً إلى أنّ "أهم معوقات تصدير الغاز من شرق المتوسط هو نقص التقنية، علماً بأنّ إسرائيل يمكن أن تبدأ عمليات التصدير قريباً".
معوقات أمام الغاز اللبناني
وحول لبنان، يقول ستيفنسون إنّ "صفقة الحدود البحرية وفّرت قوة دفع لعملية التنقيب والإنتاج، وقد أعلنت شركة توتال الفرنسية أنها مستعدة للتنقيب في حقل قانا، البلوك رقم 9، ولكن يجب التنبه إلى أن هذه المسائل تتطلب وقتاً طويلاً وعقوداً من الزمن، قبل أن يتم إنتاج أي غاز، خاصة إذا تدخل السياسيون في ذلك".
ويعبّر ستيفنسون عن قلقه من أنّ الفساد المستشري في لبنان قد ينسحب على الملف، "إذ ممكن أن يستغل المسؤولون ثروات البلاد الطبيعية ويستفيدوا منها لمصالح خاصة"، كما يقول.
من جانبه، أشار العميد الركن خالد حمادة، إلى أنّ "إنجاز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية جنوباً بين لبنان وإسرائيل، قد فرض واقعاً دفاعياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً في المنطقة يجب النظر إليه ومعرفة الدور الذي سيفرض على لبنان، وضرورة قراءة التحديات في ضوء المستجدات الحاصلة"، معتبراً أنّ "لبنان أصبح دولة نفطية مع وقف التنفيذ".
وأضاف حمادة في ورقته بعنوان "ترسيم الحدود البحرية في لبنان: مسارات في الأمن والاقتصاد والسياسة"، أنّ "استكشاف النفط في لبنان ليس أمراً حديثاً، بل بدأ في خمسينيات القرن الماضي، لكن كانت هناك معوقات لعدم وضع سياسة نفطية وطنية".
وأشار إلى أنّ المتغيرات الجديدة دفعت الولايات المتحدة للاهتمام بالمنطقة ومصادر الطاقة فيها وأبرزها "الحرب في أوكرانيا، والوقوف بوجه روسيا وتمددها ومحاولة النيل من نقطة قوتها في تصدير الغاز".
وأردف أنّ "ظهور الطاقة كسلاح أساسي في المعركة، وجّه الأنظار إلى منطقة الشرق الأوسط، وذلك باندفاعة أميركية".
ويلفت حمادة إلى أنّ "لبنان ثبّت ملكية عقارية قوامها الخط 23 من خلال الاتفاق المنجز"، مشيراً إلى أنّ "مسألة حقل قانا متوقفة اليوم إلى أن تصل إسرائيل وشركة توتال الفرنسية إلى اتفاق، وهذا يبدو جزءاً من صفقة سياسية".
ويشير حمادة إلى "وجود العديد من الثغرات القانونية في الاتفاق؛ منها أنّ لبنان أول بلد يرسّم حدوده البحرية بعيداً من تلك البرية، كما أنّ الاتفاقية لم تُعرَض على مجلس النواب، وقد تخلّى الجانب اللبناني أيضاً عن جزء من الأراضي اللبنانية وهو رأس الناقورة ما يتناقض مع الدستور الذي لا يجيز التنازل عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية".
من ناحية ثانية، يرى حمادة أنّ "هناك مساراً اقتصادياً تأثر بالترسيم وآخر أمنياً. فاقتصادياً كل الاكتشافات في الشرق المتوسط أدت إلى نشوء منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يجمع 3 دول أوروبية، قبرص اليونان وإيطاليا، كما يجمع إسرائيل ومصر والأردن، وهناك السلطة الفلسطينية موجودة أيضاً، وفرنسا وأميركا عضوان مراقبان. وبالتالي، نشأ جسم اقتصادي اسمه اتحاد شرق المتوسط نتج عن كل هذه الاستكشافات الغازية التي أوجدت حاجة لتسويق هذا الغاز والتنسيق في ما بينها".
وأضاف حمادة أنه "بالتوازي مع هذه الشراكة على المستوى الاقتصادي، برزت شراكة عسكرية بدأت قبل الحرب في أوكرانيا، أهمها الاتفاقيات الثلاثية بين قبرص واليونان وإسرائيل، ومجموعة 3 زائداً واحداً وهذه قادت كل التحالفات والأنشطة العسكرية في المنطقة"، معتبراً أنّ "هناك مفهوماً بات يقوم على التوازي والتوأمة بين استقرار الطاقة والاستقرار العسكري بأدوات محلية".
ويشير حمادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "لبنان استعاد اليوم ملكية بحرية وعليه بحث كيفية تحويلها إلى مصدر اقتصادي رغم المحاذير الاقتصادية والأمنية".
ويلفت حمادة إلى أنّ "وجود غاز في حقل قانا ليس الأهم، فهناك بلوكات كثيرة يمكن التنقيب فيها، بل الأهم هو موقع لبنان في ظل الوضعيات التي تتغير في المنطقة وحجم المخاطر الذي يكبر على وقع التحالفات الاقتصادية والعسكرية، بينما بلدنا يتلهّى بالمناكفات السياسية والميثاقيات الطائفية".
مصلحة إسرائيلية
بدوره، تناول الخبير في شؤون النفط وليد خدوري، إمكانية تصدير الغاز إلى أوروبا، موضحاً أنها "عملية مكلفة جداً، وخصوصاً على صعيد بناء أنابيب نقل تحت الماء"، لافتاً إلى تجربة مصر السابقة في تصدير ما كانت تستخرجه من الغاز، إذ وجدت أنّ صادراتها انخفضت بعد استخراج كميات كبيرة منه في وقت كانت تعاني من أزمة طاقة.
ورأى خدوري أنّ الدولتين الوحيدتين القادرتين على تصدير الغاز هما الجزائر وقطر، لامتلاكهما احتياطات وطاقة إنتاجية أكبر من حاجتهما الاستهلاكية.
أما الباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت، فأشار إلى أنّ "إسرائيل تحوّلت من مستوردة للغاز المصري إلى مصدّرة له"، معتبراً أنّ "إسرائيل تريد أن تستغل احتياطي الغاز والحاجة إليه لتقوية موقعها الإقليمي"، مؤكداً أنّ "عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط تساهم في امتلاكها مثل هذا الدور".
وفي تعليقه على ملف ترسيم الحدود البحرية، قال شلحت إنه وفق التحليلات الإسرائيلية فإنّ الترسيم كان من مصلحة إسرائيل سياسياً واقتصادياً، لافتاً إلى أنّ العلاقة بين لبنان وإسرائيل "شديدة الإشكالية، ومشكلة لبنان لا تكمن في النظام الرسمي بل بوجود حزب الله الذي أقام دولة داخل الدولة".
وقال عبد الرحمن التميمي، مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين، إنّ "ما يراد أميركياً هو إدخال إسرائيل سياسياً واقتصادياً إلى الشرق الأوسط"، مضيفاً، في محاضرته" أنّ "فلسطين حاضرة طبيعياً، غائبة سياسياً واقتصادياً".
ويرى التميمي أنه "يعاد تقسيم المنطقة اقتصادياً وليس جغرافياً، وإسرائيل ستكون أساسية في مسألة غاز المتوسط"، محذراً من أنّ "شرق المتوسط قد يكون ساحة صراع جديدة وليس مكاناً للتعاون".
من جانبها، استبعدت الخبيرة الدولية في أمور الطاقة العالمية كارول نخلة، أن "تتحقق طاقة بلا انبعاثات كربونية في سنة 2050، الأمر الذي أظهرته تطورات مثل كوفيد 19 وحرب أوكرانيا".