تحديات تواجه الدولار "عملةَ احتياط دولية".. ما هي؟

22 سبتمبر 2024
أوراق نقدية بالدولار الأميركي، 3 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تحول النظام المالي العالمي**: يشهد العالم تحولاً من نظام أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب، مما يثير تساؤلات حول مستقبل هيمنة الدولار. وزير الخارجية الروسي أشار إلى استبدال الدولار تدريجياً بالعملات الوطنية.

- **تحديات العملات الأخرى**: رغم نقاط الضعف في الدولار، لم تتمكن العملات الأخرى مثل اليورو والرنمينبي الصيني من تحقيق مكاسب كبيرة. تحليل شركة فانغارد يتوقع تراجع قيمة الدولار بنسبة تصل إلى 75% في العقد المقبل.

- **مستقبل الدولار**: التحليل يتوقع تسارع إعادة التوازن المالي العالمي بعيداً عن الدولار إذا حدثت أزمة دراماتيكية. الوضع المالي في الولايات المتحدة، خاصة الدين العام المتزايد، يمثل الخطر الأكبر على الدولار.

بينما يتحول العالم بسرعة من النفوذ الأميركي الذي يهيمن على النظام العالمي، إلى نظام متعدد الأقطاب تديره مجموعة من القوى الكبرى، يثار سؤال: هل يظل الدولار العملة المهيمنة على النظام المالي العالمي والاحتياطات النقدية في المصارف المركزية؟ وهل تصبح مكانة الدولار الأميركي باعتباره عملة الاحتياطات الدولية الرائدة مهددة بفِعل عالم متعدد الأقطاب؟

في هذا الشأن، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم السبت، أن الدولار يُستبدل تدريجياً في المعاملات الدولية وعبر التحول للعملات الوطنية، مضيفاً أنّ عصر الدولار يتجه بالفعل نحو نهايته. وتابع، في تصريحاته إعلامية، أنّ مجموعة بريكس تعتمد على مبدأ التوافق والإجماع، موضحاً أن العلاقات بين روسيا والصين في أفضل حال، لكنهما ليسا بحاجة إلى إنشاء تحالف عسكري على غرار حلف شمال الأطلسي.

ويرى تحليل بمصرف "إتش إس بي سي" البريطاني، صدر أول أمس الجمعة، أنّ هيمنة الدولار على النظام النقدي ستتراجع تدريجياً؛ بسبب المشاكل الداخلية التي تعاني منها الولايات المتحدة، وعلى رأسها الدين العام البالغ حالياً أكثر من 35 تريليون دولار.  ويقول التحليل إنه "منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، احتل الدولار مكانة مهيمنة بشكل فريد في النظام المالي العالمي، باعتباره العملة المفضلة التي تحتفظ بها البنوك المركزية كأصل احتياطي، حيث تمثل 58% من قيمة احتياطيات الاحتياطي الأجنبي في جميع أنحاء العالم، ولا توجد عملة أخرى تقترب من تحدي العملة الأميركية. ويتابع التقرير، "لم يكن النظام المالي العالمي دائماً أحادي القطب، ففي أواخر القرن التاسع عشر، خلال عصر معيار الذهب، كان الجنيه البريطاني العملة العالمية المهيمنة، ولكن لا يزال هناك دور تلعبه العملات الأخرى مثل الفرنك الفرنسي".

وقال البروفيسور باري آيكنغرين، الخبير الاقتصادي الدولي بجامعة كاليفورنيا في بيركلي في تحليل "إتش إس بي سي": "إنني أعتبر النصف الثاني من القرن العشرين بمثابة شذوذ تاريخي. لقد كانت الفترة الوحيدة التي خضع فيها النظام النقدي والمالي الدولي لهيمنة عملة موحدة بشكل كبير، حيث كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك السيولة اللازمة. وعلى الرغم من قوة الدولار الأميركي بصفته عملة احتياطية، إلا أن هناك اتجاهاً طويل المدى يهدد مكانة الدولار. ومنذ مطلع القرن العشرين، فقد الدولار الأميركي نحو 10% من حصته في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية".

وفي ذات الشأن، ترى شركة فانغارد الأميركية المتخصصة في الاقتصاد والاستثمار، أنّ الدولار مقيّم بأعلى من قيمته الحقيقية في سوق الصرف العالمي، مشيرة، في تحليل في 5 يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى أنّ قيمة الدولار مبالغ فيها، وهي أعلى من السعر الحقيقي بنسبة 12% تقريباً، مقابل سلة من خمس عملات نافذة في سوق الصرف العالمي حتى بداية العام الجاري 2024. وفي العقد المقبل، تقدر الشركة احتمال تراجع قيمة الدولار بنسبة قد تصل إلى 75% تقريباً، وهو ما يعني انخفاض سنوي يُقدَّر بنسبة 1.1%.

ويقول التحليل إنّ "هذا التآكل التدريجي لهيمنة الدولار الأميركي يتماشى مع توقعات البروفيسور آيكنغرين. لكن إحدى النتائج غير المتوقعة هي العملات التي يمكن أن تحل مكانة الدولار". ويتابع "فبدلاً من استبدال الدولار الأميركي بعملات أكبر الاقتصادات في العالم، مثل الرنمينبي الصيني واليورو في الاتحاد الأوروبي، يحتفظ محافظو البنوك المركزية بعدد أكبر من العملات من الاقتصادات الأصغر ذات التصنيف الائتماني القوي. وتشمل هذه الدولار الأسترالي والدولار الكندي والوون الكوري الجنوبي".

وقال البروفسور آيكنغرين "توفر كل هذه العملات فوائد التنويع للبنوك المركزية، من خلال التعرض للاقتصادات الصغيرة، ولكن المفتوحة. قد جعل التقدم في تقنيات التداول الرقمي الاحتفاظ بهذه الأصول أسهل من أي وقت مضى". ولكن يطرح سؤال عن فشل اليورو والرنمينبي في تحقيق مكاسب مقابل الدولار، رغم نقاط الضعف العديدة التي يعاني منها. وللإجابة عن ذلك يقول التحليل، إنّ الأسواق المالية تعيق عملة الاتحاد الأوروبي، اليورو، مضيفاً أنّه "رغم أن اقتصاد الكتلة الأوروبية الضخم، لكن أسواق رأس المال فيها ليست متكاملة، ولا يتمتع سوى عدد قليل من أعضاء منطقة اليورو بالتصنيف الائتماني AAA، وعادة ما تحتفظ بنوك المنطقة بسندات هذه البلدان لتلبية متطلبات رأس المال والسيولة".

وبحسب آيكنغرين، فإنّ مجموعة الأصول في منطقة  اليورو ليست عميقة أو سائلة بما يكفي لدعم دور كبير لليورو كعملة احتياطية دولية. ونتيجة لهذا فإن اليورو ظل على نحو ثابت يدور حول  نسبة 20% من إجمالي الاحتياطيات العالمية.

وفي عام 2020، أصدر البنك المركزي الأوروبي سندات لزيادة رأس المال أثناء وباء كورونا. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها البنك المركزي الأوروبي بذلك، وقد أدى حجم الإصدار إلى زيادة الآمال في أن الاتحاد الأوروبي كان في وضع يسمح له بإصدار ما يكفي من الديون المقومة باليورو لتعزيز مكانة اليورو كعملة احتياطية. ولكن يبدو أنها كانت لمرة واحدة فقط، حيث امتنع البنك المركزي عن اتخاذ خطوات مماثلة رداً على أحداث مثل الغزو الروسي لأوكرانيا وأزمة الطاقة اللاحقة التي ضربت اقتصادات الكتلة.

وبعيداً عن اليورو، يشكل الرنمينبي منافساً آخر للدولار. وعلى الرغم من أنّ العملة الصينية لا تبلغ حصتها من إجمالي الاحتياطات العالمية سوى 2.3%، إلا أنها مدعومة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهناك توقعات بأنها قد تأخذ حصة أكبر بكثير. ولكن هل يمكن أن تكون هناك نقطة تحول في الاحتياطات الدولية؟

ويتوقع التحليل أن تتسارع عملية إعادة التوازن البطيئة للنظام المالي العالمي بعيدًا عن الدولار الأميركي بشكل كبير، وربما يحدث ذلك بسبب دراماتيكي يقضي على الثقة في الأصول المقومة بالدولار. ويقول إنّ الخطر الأكبر على الدولار يتمثل في الوضع المالي في الولايات المتحدة، حيث يرى كثيرون أن الدين العام للبلاد يسير في مسار غير مستدام. وتشير التوقعات الرسمية إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد يمكن أن ترتفع إلى مستوى قياسي يبلغ 116% في عام 2034 لتصل إلى 172% بحلول العام 2054.

واعترف البروفيسور آيكنغرين بالمخاوف تجاه السياسة المالية الأميركية، خاصة كيف أنّ الاستقطاب السياسي يجعل من الصعب تنفيذ الضبط المالي. ولكنه يعتقد في الوقت نفسه أنه لا يزال من الممكن أن يجتمع صناع السياسات ويخلقون استراتيجية تضع السياسة المالية الأميركية على مسار أكثر استدامة. وقال "لا أعتقد أن الهاوية المالية للدولار ستكون فورية، على الرغم من أنها قد تكون موجودة ولا أعتقد أن ذلك أمر لا مفر منه".

وفي غياب نقطة التحول، من المرجح أن تستمر الاتجاهات الحالية: إذ ستعمل البلدان على تطوير أنظمة مدفوعات أكثر كفاءة وأسواق مالية أكثر سيولة، مما يزيد من جاذبية البنوك المركزية للاحتفاظ بأصول احتياطية في نطاق أوسع من العملات إلى جانب الدولار. ويرجح أن يستمر الانخفاض التدريجي لمكانة الدولار كعملة احتياط دولية، ولكن في الوقت الحالي، يظل هو العملة المفضلة لمحافظي البنوك المركزية.

المساهمون