يجتمع قادة مجموعة العشرين في إندونيسيا، الاثنين، ولمدة يومين، وسط مجموعة من التحديات، أبرزها مواجهة موجة الركود المنتظرة، التي تهدد الاقتصاد العالمي، والبحث عن مخرج لأزمة الطاقة وارتفاع معدلات التضخم. وبعد أن انتهت اجتماعات وزراء الخارجية لدول المجموعة في يوليو 2022 بإندونيسيا دون صورة جماعية أو بيان ختامي، من المتوقع أن تضفي أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا بظلالها على أعمال القمة.
وقبيل انطلاق القمة بدأت أجواء سلبية تظهر في تصريحات صادرة عن مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بمحاصرة الوفد الروسي في قمة مجموعة العشرين، ومقاطعة اجتماعات الوفد الروسي، بما فيها كلمة سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، الذي يرأس وفد بلاده في أعمال القمة.
وتم الإعلان أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي لن يحضرا قمة العشرين، ولم يمنع هذا الغياب من أن تفرض قضية الصراع في أوكرانيا نفسها على أعمال القمة، حيث تتربص روسيا من جهة وأميركا وأوروبا من جهة أخرى بعضهم ببعض، وهو ما سيضفي أجواء سياسية أكثر سخونة على قمة يفترض أنها اقتصادية بامتياز.
ويلاحظ أن قمة مجموعة العشرين ستعقد في ظل استمرار أعمال مؤتمر المناخ المنعقد في مدينة شرم الشيخ، ومن المؤكد أن قضية المناخ تلقي بظلالها على أعمال المجموعة، ومن المهم أن يشار إلى منجزات مؤتمر المناخ بمصر.
الركود وتراجع النمو
في ظل أزمتي جائحة كورونا، والتداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا، خرجت تقارير المؤسسات المالية الدولية بتقديرات سلبية حول معدلات النمو في عام 2023، إذ أعلن صندوق النقد الدولي أن المعدل في عام 2021 كان بحدود 6%، ويتوقع أن يتراجع بقرابة النصف عند 3.2% عام 2022، ثم مزيد من التراجع في عام 2023 عند 2.7%.
ولم تكن تقديرات صندوق النقد الدولي عن التضخم على الصعيد العالمي عبر تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي أكتوبر 2022 بأحسن حال من تراجع معدلات النمو بالاقتصاد العالمي، حيث ذهب تقرير الصندوق إلى أن يبلغ معدل التضخم على مستوى العالم 8.8%، مرتفعاً عن 4.7% في عام 2021، إلا أن تقرير الصندوق يقدر أن يعود المعدل للتراجع بعام 2023 عند معدل 6.5%.
ومن هنا سيكون أمام قمة مجموعة العشرين المقبلة تحدي مواجهة التداعيات السلبية لتراجع معدلات النمو، وفي نفس الوقت ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما يعرف بـ "التضخم الركودي"، ومما سيصعب على القمة اتخاذ توصيات في هذا الشأن أن أعمال القمة ليس لها إلزام قانوني من جهة، ومن جهة أخرى، فإن جزءاً مما آلت إليه أمور ارتفاع التضخم وتراجع النمو هو بفعل بعض أطراف دول مجموعة العشرين.
وإذا ما كانت مشكلة تراجع النمو ترجع بشكل رئيس إلى التداعيات السلبية التي تركتها الآثار المتبقية لجائحة كورونا، وكذلك الأسباب المتعلقة بالحرب الروسية على أوكرانيا، فإن السياسة النقدية في أميركا أحدثت حالة إرباك لكل صانعي السياسة النقدية والاقتصادية بدول العالم.
فسعر الفائدة بأميركا 4% الآن، وهو معدل أدى إلى رفع أسعار الفائدة في كل الدول النامية والصاعدة على السواء، كما أدى إلى الدفع بما يعرف بـ "الدولار القوي"، الذي حمل كافة عملات دول العالم أعباء جديدة بسبب انخفاض قيمتها أمام الدولار، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم، المرتفعة أصلاً بسبب تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة في السوق الدولية. وبالتالي سيكون تحدي انخفاض معدلات الضخم، وإصلاح السياسات النقدية، من الموضوعات المطروحة على أجندة قادة مجموعة العشرين، ولكن ستظل أميركا وأوروبا توظفان أعمال المؤتمرات والاجتماعات الكبرى في إطار مصالحهما.
مأزق أسعار الطاقة
البعض يذهب إلى أن استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هذه المرة سيكون مختلفاً، على عكس ما تم معه في قمة 2018، حيث قاطعه في المرة السابقة عدد من قادة دول المجموعة بسبب حادث اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا على يد بعض رجال الأمن السعودي.
لكن في هذه القمة من المتوقع أن يتم الترحيب بولي العهد السعودي، على اعتبار أن السعودية أحد الفاعلين الكبار في تكتل "أوبك +"، ويمكنها إن أرادت أن تخرج من هذا التكتل وتضخ المزيد من النفط ليهبط السعر، وتحل معضلة التضخم بأسرع وقت، وهو ما سعى إليه الرئيس الأميركي جو بايدن، ولكن لم تستجب له "أوبك +".
والملاحظ أن سوق النفط الدولية أشبه بالسيرك، صعوداً وهبوطاً، تأثراً بالعوامل الاقتصادية مرة، وبالعوامل السياسية مرة أخرى، فبعد أن أعلنت الصين قرارها بتخفيف القيود المفروضة على البلاد بسبب كورونا، اتجهت الأسعار لأعلى حتى لامست سقف الـ 100 دولار لبرميل. ورأى البعض أن هذا مؤشر خطير، ولكن سرعان ما أعلنت أميركا أن مخزونات النفط بها شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، لكن ما زالت أسعار النفط أعلى من 90 دولاراً للبرميل من خام برنت، ونحو 88 دولاراً للبرميل من الخام الأميركي، ويرى البعض أن سعر 70 دولاراً للبرميل من شأنه أن يعيد معدلات التضخم إلى نصابها الطبيعي.
فهل سيكون بمقدور قادة قمة مجموعة العشرين أن يتوصلوا إلى حلول لأزمة أسعار النفط، وتحقيق المعادلة الصعبة بين مصالح المنتجين والمستهلكين؟
السؤال الأهم الآن، والذي تفرضه حالة الصراع الروسية مع كل من أوروبا وأميركا، بسبب الحرب على أوكرانيا، هل بإمكان قادة مجموعة العشرين إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا؟
إن مشكلة النفط ستظل قائمة، وبالتالي سيظل التضخم يفرض تداعياته السلبية على اقتصاديات العالم، ما لم تنته الحرب الروسية على أوكرانيا، فالنفط أصبح ورقة سياسية بامتياز، من خلال الضغط الروسي على أوروبا بتقليل كميات الغاز والنفط، وفي نفس الوقت المساهمة في رفع أسعار الطاقة.
إن الحل مركب، يحتاج إلى خروج غير مذلٍّ لروسيا من هذه الحرب، التي بدأت تخسر فيها الكثير على الأرض، أو بسبب العقوبات الاقتصادية، فسياسة استنزاف كل طرف للآخر في هذه الحرب لن ينهيها في الأجلين القصير والمتوسط.
تربّص مسبق
المتابع للشأن العالمي، وحالة الصراع الحالية، من أطراف عدة، سواء فيما بين روسيا من جهة وأوروبا وأميركا من جهة أخرى، أو الصراع الأميركي الصيني، يمكنه قراءة المشهد خلال قمة قادة مجموعة العشرين، بل وختامها، فكل طرف يذهب ولديه أجندته التي يسعى لتحقيقها.
وليست هناك نية لحل المعضلات الاقتصادية والسياسية، التي يمكن أن يساهم قادة مجموعة العشرين في حلها، فكل طرف يرى أن من مصلحته هزيمة الطرف الآخر، وليس الوصول إلى حلول يمكن في إطارها تحقيق حالة من التعايش، وبالتالي سيكون أداؤه في اجتماعات القمة محكوماً بهذه النظرة.
أخيراً، يمكننا القول إن المنظومة العالمية قامت على الجور والظلم، واستئثار القوى الكبرى بالثروات والقوة، وما كان لأجندة الاجتماعات والمؤتمرات العالمية أن تخرج عن هذه القاعدة، فثمة رغبة لدى الكبار في أن يزيح بعضهم بعضاً، وأن يدفع الصغار والفقراء ثمن ذلك الصراع.