يشبه التداول في أسواق الصرف الأجنبي المضطربة، المقامرة في الكازينو الآن، وفقاً لبعض المتداولين في الأسواق التي تعرضت لضربات قاسية، بينما تحاول البنوك المركزية والحكومات تصحيح اقتصاداتها.
العملات تزيد غرقاً أمام الدولار القوي في أغلب البلدان الضعيفة والمتوسطة. إلا أن العملات القوية ليست بمعزل عن الموجة الخضراء، حيث اضطرت اليابان إلى التدخل النقدي لدعم الين المتراجع. لا بل يتخوف المحللون من استمرار هبوط الين، بالتزامن مع ضعف اليوان الصيني، ما يزيد من حدة التحذيرات من نشوب أزمة مالية آسيوية في حال استمرار التراجع.
وتشير بيانات بنك اليابان إلى أن التدخل في سوق العملات الأسبوع الماضي كلف ما يقرب من 3 تريليونات ين (20.9 مليار دولار)، ما يجعله أكبر إجراء ليوم واحد على الإطلاق في البلاد.
وتدخل بنك اليابان والحكومة اليابانية لأول مرة منذ 24 عاماً لشراء الين وبيع الدولار يوم الخميس الماضي، لكن الأمر يستغرق يومي عمل حتى تظهر التسويات في حسابات البنك المركزي. وكان يوم الجمعة عطلة وطنية، لذا أصبح نطاق التدخل واضحاً اليوم الثلاثاء، وفق موقع "نيكي".
ونشر بنك اليابان يوم الاثنين توقعات التغييرات في أرصدة الحساب الجاري، وتظهر الأرقام انخفاض الأرصدة بمقدار 3.6 تريليونات ين لـ"أموال الخزينة وغيرها"، وهي فئة تعكس تدخل النقد الأجنبي، وهو ما يتجاوز التدخل في سوق العملات في 10 إبريل/ نيسان 1998، عند 2.62 تريليون ين.
أزمة مالية آسيوية
بعد تدخل يوم الخميس، تعززت العملة اليابانية لفترة وجيزة من نطاق 145 للدولار إلى النطاق 140. لكنها تتجه الآن مرة أخرى إلى منطقة أضعف، حيث سجل الدولار 144.4 يناً حتى ظهر الثلاثاء. ويبيع المضاربون بالعملات الين للاستفادة من عدم توافق سياسة البنك المركزي الضئيلة مع جهود وزارة المالية لكبح ضعف الين.
وفي حديثه إلى الصحافيين في وقت متأخر من يوم الاثنين، وصف حاكم بنك اليابان هاروهيكو كورودا التدخل بأنه "مناسب للغاية"، وكرر كيف أن التدخل عزز العملة بسرعة بنحو 5 ينات. وقال كورودا بعد اجتماع مع كبار رجال الأعمال في أوساكا: "حتى الآن، يتحرك الين عند حوالى 143 يناً، لذا فإن التأثير لم ينفد".
وشكك الكثيرون في السوق في استدامة التأثير الإيجابي لتدخل الين إذا حافظ بنك اليابان على التيسير النقدي التوسعي الذي ساهم في انخفاض قيمة الين.
وقال فيشنو فاراثان، رئيس قسم الاقتصاد والاستراتيجية في بنك ميزوهو في سنغافورة، في حديث مع "اليابان تايمز": "اليوان والين من الركائز الكبرى، وضعفهما يهدد بزعزعة استقرار العملات في التجارة والاستثمارات في آسيا. نحن نتجه بالفعل نحو مستويات التوتر، الخطوة التالية ستكون الأزمة المالية الآسيوية إذا تعمقت الخسائر".
وتعتبر اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، مصدراً رئيسياً لرأس المال والائتمان، وقد يؤدي تراجع عملتها إلى أزمة إن تزايدت مخاوف المستثمرين واستدعت سحب الأموال من آسيا، إذ إن الين ثالث أكثر العملات تداولاً في العالم، ولضعفه تأثير كبير بنظيرته الآسيوية، وقد يؤدي وصول الين إلى مستوى 150 أمام الدولار إلى حدوث اضطراب على مستوى الأزمة المالية الآسيوية لعام 1997، وفقاً لما ذكره المخضرم في السوق جيم أونيل، كبير اقتصاديي العملات سابقاً في شركة "غولدمان ساكس".
ضغوط على الحكومة
وشرح تيمور بايغ، كبير الاقتصاديين في مجموعة DBS في سنغافورة، لـ"اليابان تايمز"، قائلاً إنّ "مخاطر العملة تشكل تهديداً أكبر للدول الآسيوية من أسعار الفائدة. في نهاية المطاف، كل آسيا مُصدِّرة".
وفقد الين حوالى خُمس قيمته مقابل الدولار هذا العام، وتسارعت وتيرة الانزلاق، حيث أدى التضييق النقدي السريع للاحتياطي الفيدرالي إلى فارق كبير في أسعار الفائدة، بحسب "فايننشال تايمز".
وتتعرض الحكومة اليابانية، التي تتضاءل شعبيتها، لضغوط لمساعدة أولئك الذين يخسرون بسبب ضعف العملة، بما في ذلك المستوردون والمتقاعدون الذين لديهم دخل ثابت ويواجهون زيادات حادة في أسعار المواد الغذائية.
ووصل تضخم أسعار المستهلك إلى 3 في المائة في أغسطس/ آب، وهو أعلى مستوى منذ 2014. ولو لم تتدخل الحكومة عندما اقترب الين من 146 ين للدولار، وهو المستوى الذي دفع إلى التدخل خلال الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998، لكانت قد واجهت أسئلة كبيرة من شعب غاضب، وفق "فايننشال تايمز".
وعملياً، تأمل الحكومة على الأقل إبطاء أي انخفاض إضافي في قيمة العملة. والقيام بذلك ليس مكلفاً للغاية، إذ يمكن السلطات اليابانية أن تحصل على صفقة جيدة عندما تبيع الدولارات من احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية التي تقارب 1.2 تريليون دولار من أجل شراء الين.