يستبد بالأسر المغربية في الفترة الأخيرة إحساس حاد بتدهور مستوى المعيشة، في سياق متسم بترقب ارتفاع كبير لمعدل البطالة وتضرر الوضعية المالية للأسر المتشائمة بخصوص قدرتها على الادخار.
في التقرير الدوري الصادر أمس الخميس عن المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، الذي يقيس معنويات الأسر بالمغرب، تكشف 75.6 في المائة من الأسر المستجوبة عن تدهور مستوى المعيشة في الاثني عشر شهرا الماضية، بينما عبرت 15.7 في المائة عن استقراره، وفقط 8.7 في المائة قالت بتحسنه.
وعند سؤالها حول تصورها لتطور مستوى المعيشة في الاثني عشر شهرا المقبلة، توقعت 39.1 في المائة من الأسر تدهوره، بينما ترقبت 43.3 في المائة استقراره، ورجحت 17.6 في المائة تحسنه.
اتساع دائرة البطالة
تترقب 87.4 في المائة من الأسر اتساع دائرة البطالة في الاثني عشر شهرا المقبلة، مقابل 4.6 في المائة ترجح تراجعها، حسب المندوبية السامية للتخطيط.
وتؤكد 48.5 في المائة من الأسر، في الفصل الأول من العام الجاري، أن مداخيلها تغطي نفقاتها، فيما استنزفت 47.4 في المائة مدخراتها أو اضطرت إلى الاقتراض، علما أن 56.9 في المائة تؤكد تدهور وضعيتها المالية في الاثني عشر شهرا الماضية، فيما تترقب 24.9 في المائة استقرارها في الاثني عشرة شهرا المقبلة.
وتجلى أن 86.1 في المائة من الأسر تصرح بعدم قدرتها على الادخار في الاثني عشر شهرا المقبلة، بينما تتطلع 13.9 في المائة من الأسر فقط إلى القدرة على تكوين ادخار.
ارتفاع أسعار الغذاء
يستفاد من تقرير المندوبية السامية للتخطيط أن 98.1 في المائة الأسر تعتقد أن أسعار السلع الغذائية شهدت ارتفاعا كبيرا في الاثني عشر شهرا الماضية، فيما تتراجع تلك النسبة في الاثني عشر شهرا المقبلة إلى 76.9 في المائة.
ما جرى الكشف عنه في تحقيق المندوبية الذي يعكس امتثال الآسر لوضعيتها، يعكس جزءاً من الوضعية الحالية المتسمة بارتفاع الأسعار في المغرب، خاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا والجفاف وترقب تراجع إنفاق الأسر الذي يساهم بشكل حاسم في النمو، كما لاحظت المندوبية قبل يومين.
وقد خلصت المندوبية، في مذكرتها حول الوضع الاقتصادي في المغرب، إلى أن التضخم قفز إلى 3.6 في المائة في نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، وهو مستوى غير مسبوق منذ 41 عاما، علما أن تلك المؤسسة تترقب زيادة الضغوط التضخمية في الربع الثاني من العام الجاري.
وكان البنك المركزي توقع أن يرتفع التضخم في نهاية العام الحالي إلى 4.7 في المائة، بعدما كان في العام الماضي في حدود 1.4 في المائة، وهو ما دفع محافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري إلى إثارة مسألة المخاطر التي يمثلها ذلك بالنسبة لادخار الأسر.
غلاء الوقود
لم يكفّ المراقبون عن الدعوة إلى اتخاذ تدابير من أجل خفض سعر الوقود، خاصة السولار الذي ارتفع من 10 إلى 14.30 درهماً منذ بداية مارس/ آذار الماضي، حيث طرح نواب، أول من أمس، في اجتماع لجنة الطاقة والبنيات الأساسية بمجلس النواب (البرلمان)، إعادة تشغيل المصفاة المتوقفة منذ 2015.
يستفاد من تقرير المندوبية السامية للتخطيط أن 98.1 في المائة الأسر تعتقد أن أسعار السلع الغذائية شهدت ارتفاعا كبيرا في الاثني عشر شهرا الماضية
غير أن وزيرة الطاقة المغربية ليلي بنعلي اعتبرت، عند استجوابها من قبل تلك اللجنة، أن تشغيل المصفاة لن يفضي إلى تراجع الأسعار، وهو رأي يخالف ما يؤكد عليه خبراء وأحزاب، وخاصة جبهة الدفاع عن المصفاة، التي ترى في تشغيل المصفاة عاملا سيساعد على خفض الأسعار في السوق.
ويتصور منسق جبهة الدفاع عن مصفاة سامير، الحسين اليماني، أنه "يتوجب الشروع الفوري في تشغيل المصفاة، معتبرا أن السياق الدولي يفرض العودة للتكرير من أجل رفع الاحتياطي والتصدي للأرباح الكبيرة التي تحققها شركات توزيع الوقود".
ويؤكد منسق جبهة الدفاع عن مصفاة سامير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن العودة للتكرير تفرضه الأسعار التي فاقت كل المستويات، حيث طاولت الوقود والسلع الغذائية، داعيا إلى تنظيم وضبط ومراقبة الأسر عبر الزيادة في الأجور وتوفير الشغل للعاطلين".
من جانبه، يعتبر رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك (مستقلة) مديح وديع، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة "يمكنها، حسب ما يسمح به القانون، اللجوء إلى تحديد سقف لبعض السلع، كما يمكنها اللجوء إلى التخلي عن إيرادات الضريبة الداخلية على استهلاك بعض السلع مثل الوقود، خاصة في حال ارتفعت تلك الإيرادات تبعا للزيادات التي تشهدها الأسعار".