وسط الركود الاقتصادي والتراجع الكبير في سوق المال الأميركية، بات من المؤكد أن الرئيس دونالد ترامب سيدخل انتخابات الرئاسة التي ستجرى في الثالث من نوفمبر / تشرين الثاني المقبل بدون حصان النجاحات المالية والاقتصادية الذي راهن عليه طوال الأربع سنوات الماضية في كسب دورة رئاسية ثانية في الولايات المتحدة.
ويرى اقتصاديون أن مخاطر حدوث انهيار بسوق "وول ستريت" باتت مرتفعة جداً، بسبب ارتفاع عدد الإصابات بجائحة كورونا في الولايات الأميركية، والمخاوف من حدوث احتجاجات وموجات عنف وفوضي في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، إذ إن الشارع الأميركي بات شديد التبلور والانقسام بين مؤيد ومعارض للرئيس ترامب.
في هذا الشأن، قال الاقتصادي بجامعة ييل الأميركية الحائز على جائزة نوبل، البروفسور روبرت شيلر، "جائحة كورونا ومخاطر نتائج الانتخابات الأميركية ترفع من المخاوف باحتمال حدوث انهيار في سوق المال الأميركي".
ووفق شيلر، فإن هذه المخاطر تأتي في وقت شهدت فيه أسعار الأسهم ارتفاعات قياسية في قيمتها السوقية، مشيراً إلى أن هذا المزيج الحارق لا يعني حتمية حدوث انهيار في سوق المال الأميركي، ولكنه يؤشر إلى أن احتمال حدوث الانهيار بات كبيراً".
يذكر أن ثقة المستثمرين في الأسهم الأميركية تقف حالياً لدى أدنى مستوياتها. وحسب البروفسور شيلر، فإن نسبة أسعار الأسهم إلى دخل الشركات الذي يعرف اختصاراً بـ" كيب رشيو" وصلت حالياً إلى أعلى معدلاتها، مقارنة بأية فترة زمنية سبقت حدوث الانهيارات الكبرى في سوق "وول ستريت" منذ العام 1929.
وتقيس نسبة " كيب رشيو" مخاطر الاستثمار بسوق المال، وعما إذا كانت القيمة السوقية للأسهم مرتفعة أو منخفضة مقارنة بالقيمة الحقيقية لأصولها.
كما لاحظ الاقتصادي شيلر في مقال كتبه بصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن أسعار الأسهم واصلت الارتفاع إلى مستويات قياسية خلال الشهور الماضية، على الرغم من هذه المؤشرات الخطرة.
وكان العديد من خبراء المال قد نبهوا خلال العام الجاري على الاختلال المريع بين أداء سوق الأسهم الأميركية الذي واصل الارتفاع منذ نهاية أبريل/ نيسان الماضي، متجاهلاً مخاطر الركود ومعدل الإفلاسات المرتفعة في العديد من القطاعات الاقتصادية التي تعتمد عليها البلاد في التوظيف، وخفض معدل البطالة مثل قطاعات السفر والفنادق والترفيه والطيران.
ويذكر أن مؤشر مخاطر انهيار الأسهم في "وول ستريت" ارتفع إلى أعلى مستوياته في سبعة أسابيع، أمس الأثنين، في ظل تدني الثقة وسط المستثمرين، وتكالب كبار رجال الأعمال على بيع حيازات محافظهم في سوق المال الأميركي، بسبب تزايد ارتفاع الإصابات بجائحة كورونا التي تهدد بإغلاق بعض الولايات، وتأجيل البت في خطة التحفيز المالي الثانية.
وحسب وكالة بلومبيرغ، ارتفع مؤشر "فيكس" بحوالي 5 نقاط إلى 32.5 نقطة، وهو المستوى الأعلى منذ الثامن من سبتمبر/ أيلول. وفي وقت سابق هذا الشهر، توقع بنك "باركليز" البريطاني في مذكرة للعملاء انخفاض المؤشر إلى مستويات ما قبل الوباء العالمي، في حال الفوز الواضح للمرشح الديمقراطي "جو بايدن" في الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني.
وفي ذات الصدد، قال خبراء إن العديد من المستثمرين يقفون الآن عند مفترق الطرق بين بيع جزء من محافظهم في الأسهم الأميركية، أو الانتظار والترقب لظهور مزيد من المؤشرات حول توجهات السوق بعد فرز الأصوات في الانتخابات الأميركية.
وعلى صعيد سوق سندات الشركات الأميركية تتزايد المخاوف من تفجر أزمة ائتمان، بسبب تزايد عدد الشركات الأميركية التي سجلت للإفلاس، في وقت تراجعت فيه قيمة سندات ديون الشركات في سوق المشتقات المالية.
وحسب تقرير "آست سيكيوريتايزيشن ريبورت" الأميركي الصادر يوم الاثنين، يدفع المستثمرون الآن لحملة بعض السندات مبالغ زهيدة جداً مقابل الدولار. وفي بعض الصفقات الآجلة باع مستثمرون سنداتهم بمبالغ تقل عن 10 سنتات للدولار وسط مخاطر إفلاس الشركات المصدرة لسندات الدين. وشهدت سوق سندات الشركات الأميركية رواجاً كبيراً في العام الماضي، كما بدأت تنتعش في أعقاب إنهاء فترة إغلاق الاقتصاد بعد يونيو/ حزيران الماضي، ولكن هذه الجذوة انطفأت.
وكان الدائنون يبيعون سندات الشركات الخطرة في السوق الأميركي، أي تلك التي قد تتعرض للإفلاس، بنحو 40 سنتاً للدولار في المتوسط خلال العام الماضي 2019، أما الآن فإن العديد منهم يرضى ببيع ديونه ببضعة سنتات خوفاً من خسارة كل الدين بسبب المستقبل المجهول للاقتصاد، والفترة الزمنية التي ستأخذها جائحة كورونا قبل أن تتمكن الحكومة الأميركية من السيطرة عليها. وبالتالي فإن أحلام ترامب السابقة باستغلال ارتفاع أسواق الأسهم والسندات الأميركية في حملته الانتخابية قد تبخرت، وربما سيكون الاقتصاد وأداء الأسهم محسوباً عليه وليس له في الانتخابات المقبلة.
يذكر أن ترامب ظل طوال السنوات الماضية يغرد عن ارتفاع مؤشرات سوق" وول ستريت"، بغض النظر عن ارتفاع مؤشرات البطالة والأداء العام للنمو الاقتصادي بالولايات المتحدة.