خفّض البنك المركزي التركي، اليوم الخميس، سعر الفائدة 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء "الريبو" لأجل أسبوع، ليصبح 14%، بعد اجتماع وصفته مصادر لـ"العربي الجديد" بالحساس لأنه جاء بواقع تهاوي سعر الصرف واحتدام المضاربات التي ستأخذ من تخفيض الفائدة "ذريعة" لتعزيز قلة الثقة بالعملة وباستقلالية قرارات لجنة السياسة النقدية في المركزي التركي، برئاسة المحافظ شهاب قاوجي أوغلو.
وهوت الليرة التركية، فور انتشار خبر تخفيض سعر الفائدة لتقترب من 16 ليرة للدولار الواحد مسجلة 15.8، في حين لم يزد سعرها بافتتاح اليوم عن 15.1 ليرة مقابل الدولار ولم يصل سعر صرف الدولار إلى عتبة 14 ليرة أول من أمس، وقت تدخل البنك المركزي ببيع الدولار بالسوق للمرة الرابعة خلال الشهر الجاري، قبل أن تتحسن الليرة بعد إعلانه التدخل لبيع الدولار مباشرة في خامس تدخل له خلال الشهر الجاري، لتسجل الليرة 15.457 مقابل الدولار.
وتشير المصادر إلى أنّ لجنة السياسات النقدية "أكدت" خلال اجتماعها اليوم، على دعم ممارسات التمويل المستدام بوصفها سياسة طويلة الأجل دون تغيير الأهداف الرئيسية للسياسة النقدية التي تسعى لتخفيض سعر الفائدة، بهدف توجيه المدخرات من صناديق المصارف إلى القطاعات الإنتاجية التي تعوّل تركيا عليها بمشروعها التنموي والوصول إلى نادي العشرة الكبار عام 2023.
وأكدت المصادر أن البنك المركزي التركي سيستخدم جميع الأدوات المتاحة "بحزم" حتى يستقر سعر الصرف وتنخفض نسبة التضخم، بما يتماشى مع الهدف الرئيسي المتمثل في استقرار الأسعار.
وبدأ البنك التركي المركزي تحريك سعر الفائدة، كأداة نقدية لضبط المعروض النقدي بالسوق منذ العام الماضي، إذ خفض السعر في مايو/أيار العام الماضي من % 11.25 وصولاً إلى سعر 8.25، ليبقى على هذا السعر حتى شهر سبتمبر/أيلول ويرتفع من جديد إلى نسبة 10.25%، ويستمر محافظ المركزي السابق، ناجي أقبال، برفع سعر الفائدة حتى 17% في الأشهر الأخيرة من 2020 ومن ثم إلى 19% في مارس/آذار العام الجاري، ما دفع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى عزله وتعيين شهاب قافجي أوغلو الذي قاد مشوار تخفيض الفائدة المستمر حتى اليوم.
وتم تخفيض سعر الفائدة 100 نقطة في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، لتتابع لجنة السياسات المالية بالمصرف المركزي خفض السعر في أكتوبر الماضي بواقع 200 نقطة ليصبح السعر 16% تلاه في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بنحو 100 نقطة أساس ليصبح سعر الفائدة 15%، قبل تخفيض اليوم.
وأمام استمرار تهاوي سعر صرف العملة التركية، عاود البنك المركزي تدخله المباشر بالسوق، والمتوقف منذ عام 2014، بعدما خسرت الليرة أكثر من نصف قيمتها خلال العام الجاري.
ولم تسفر تدخلات بنك تركيا المركزي عن أي آثار تذكر، على سعر صرف الليرة التركية المستمرة بالهبوط العام الجاري لتخسر أكثر من 52% من قيمتها، رغم التدخل للمرة الرابعة وضخ 2.5 مليار دولار من المصرف بالسوق الإثنين الماضي، بعدما هوت الليرة إلى أدنى سعر بتاريخها، مسجلة 14.5 ليرة للدولار وزاد سعر صرف اليورو عن 16 ليرة.
وبدأ بنك تركيا المركزي، الذي يحجم عن التدخل المباشر بالسوق منذ عام 2014، تدخله المباشر من جديد مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري ببيع مليار و40 مليون دولار وقت هوى سعر الصرف إلى 13.6 ليرة مقابل الدولار، لكن السوق العطشى بعد خروج حرب المضاربين للعلن وشرائهم الدولار بشكل محموم، امتصت مبالغ التدخل ليعاود المصرف المركزي التدخل بنحو 300 مليون دولار في 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري حين عادت الليرة للتراجع وتسجيل 13.7 ليرة مقابل الدولار، لكن التدخل لم يجد نفعاً لتقترب العملة التركية يوم الجمعة الماضي 10 ديسمبر/كانون الأول من 14 ليرة للدولار، ليتدخل المصرف المركزي للمرة الثالثة ولكن من دون أن تحدث تدخلاته أي توازن بالمعروض النقدي وتستمر الليرة بالهبوط.
وكان التدخل الرابع بأكبر كتلة دولارية قدرتها مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد" بـ2.5 مليار دولار، ليبلغ حجم التدخل نحو 4.3 مليارات دولار خلال أسبوعين، الأمر الذي أعاد الحديث هنا بتركيا، للمخاوف على الاحتياطي النقدي بالمصرف المركزي الذي قدره الرئيس التركي أول من أمس بنحو 118 مليار دولار، وأن تقليله ضمن أهداف المضاربين، لإضعاف تركيا بتجريدها من أهم أسلحتها المالية.
ويعتبر عام 2021 الأسوأ على الإطلاق، بالنسبة لليرة التركية التي خسرت أكثر من 52% من قيمتها، بعدما تراجعت من 7.4 إلى نحو 15.2 بافتتاح اليوم الخميس، إذ حفل العام الجاري بأحداث اقتصادية داخلية، نالت بحسب مراقبين، من الثقة بالليرة التركية، تجلت بعزل الرئيس التركي محافظ المصرف المركزي ناجي إقبال في مارس/آذار وتعيين شهاب قافجي أوغلو، بعدما أقال في تشرين الثاني 2020، المحافظ مراد أويصال الذي عينه في تموز 2019 بعد إقالة مراد تشتين قايا، ليبقى السبب المباشر الأول، برأي مراقبين، في استمرار تركيا بتخفيض سعر الفائدة المصرفية.
وفي حين يرى مراقبون أن تخفيض سعر الفائدة والمضاربات، هي أسباب تراجع سعر الليرة التركية المباشرة، يقول الاقتصادي ناصر آيدن لـ"العربي الجديد" إنّ هناك أسباباً أخرى وراء زحف تراجع سعر صرف العملة التركية، منها اقتصادية تتعلق بحجم وفوائد الديون الخارجية واستمرار عجز الميزان التجاري، وتراجع أرقام ثنائية الاقتصاد التركي "سياحة وصادرات" العام الماضي، قبل التعافي هذا العام، إضافة إلى أسباب سياسية، داخلية لها علاقة باقتراب الانتخابات ولعب المعارضة على وتر الاقتصاد والليرة، أو خارجية تتعلق بملفات تركيا بغاز شرق المتوسط وتواجدها بدول وملفات إقليمية ودولية.