تسعيرة القمح تفجر احتجاجات في شمال سورية

28 مايو 2024
يسير فوق كومة قمح بعد الحصاد في حقل بالرقة، 23 مايو 2024 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في شمال شرقي سورية، أثارت تسعيرة القمح المنخفضة التي حددتها الإدارة الذاتية غضب الفلاحين، مما دفعهم للاحتجاج والمطالبة بتعديل السعر ليغطي تكاليف الإنتاج ويترك هامش ربح.
- الفلاحون يعبرون عن استيائهم من التسعيرة المنخفضة التي لا تتناسب مع تكاليف الإنتاج المرتفعة، مما قد يدفعهم للتوقف عن زراعة القمح أو الهجرة، ويشككون في وجود صفقة بين الإدارة الذاتية والنظام السوري.
- الأزمة تمتد إلى شمال غربي سورية حيث حددت هيئة تحرير الشام تسعيرة مشابهة، مما يعكس أزمة أوسع في القطاع الزراعي السوري ويهدد بتراجع إنتاج القمح وتفاقم معاناة الفلاحين.

فجّرت تسعيرة القمح التي حددتها الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية للشراء من الفلاحين، غضبا واسعا تجلى في احتجاجات واعتصامات شعبية تطالب هذه الإدارة، وهي الذراع الإدارية لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، بالتراجع عن هذه التسعيرة التي لا تغطي حتى تكاليف الإنتاج.

"هذه التسعيرة مجحفة وظالمة بحق الفلاحين الذين يتعبون طيلة عام"، يقول الفلاح فهد العلي في ريف الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": كنا ننتظر سعراً أعلى من سعر الموسم الفائت، وإذ نحن أمام ثمن أقل رغم أن تكاليف الإنتاج تضاعفت عن الموسم الفائت.

أدنى من سعر النظام

وحددت هيئة الزراعة والري لشمال وشرق سورية، التابعة للإدارة الذاتية، أول من أمس الأحد تسعيرة شراء الكيلوغرام الواحد من القمح من المزارعين بـ 31 سنتا أميركيا للكيلو الواحد للموسم الزراعي 2024، وهي أدنى من السعر الذي حدده النظام السوري، والذي بلغ 36 سنتا، أي ما يعادل 5500 ليرة سورية.

وجاء السعر الذي حددته الإدارة أدنى من تسعيرة الإدارة الذاتية نفسها للموسم الماضي، والتي بلغت 43 سنتا للكيلوغرام الواحد، فضلا عن أن التسعيرة تخضع لنظام الدرجات العددية، ما يعني إمكانية تخفيض السعر عند الشراء حسب نوعية ونظافة المحصول ونسبة الشوائب فيه. وشهدت عديد المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) احتجاجات على تسعيرة القمح المنخفضة، وخاصة في محافظات دير الزور والحسكة والرقة، وهي الأكثر إنتاجا لهذا المحصول الذي يُوصف في سورية بـ "الاستراتيجي".

وتجمع عشرات المزارعين، أمس الاثنين، أمام مبنى شركة تطوير المجتمع الزراعي في منطقة المعامل في ريف دير الزور، احتجاجاً على تسعيرة القمح التي أصدرتها "الإدارة الذاتية"، كما شهدت بلدتا البومصعة والصعوة بريف دير الزور الغربي، احتجاجات من قبل الأهالي رفضا للقرار.

وفي الحسكة شمال شرقي سورية تظاهر مزارعون في مدينة عامودا بريف الحسكة معلنين عن اعتصام تنديداً بالقرار الذي اعتبروه جائراً بحقهم، مشيرين إلى أنه "يقتلنا" في لافتات رفعوها. وأكدوا أن الاعتصام "مفتوح" حتى تحقيق مطالبهم المتعلقة بتعديل تسعيرة القمح. وكذا الحال في محافظة الرقة التي شهدت أول من أمس الأحد احتجاجات مشابهة عند المدخل الغربي لمدينة الرقة، إضافةً إلى وقفات احتجاجية في مدينتي الطبقة والمنصورة بالريف الغربي.

مطالب بالتراجع عن القرار

حمل المحتجون لافتات تدعو الإدارة للتراجع عن قرارها وألا "تتلاعب بأرزاق أولادنا"، كما يقول الفلاح أبو رضوان في ريف القامشلي لـ "العربي الجديد"، مضيفا: وكأنهم يريدون منا ترك أراضينا والهجرة كما فعل الملايين من السوريين. وتابع أبو رضوان بنبرة غضب واضحة: عندما رفعوا سعر المازوت وربطة الخبز قالوا إن سعر كيلو القمح هذه السنة سيكون مناسبا، ولكن المفاجأة جاءت بتسعيرة غير مقبولة أبدا. وتابع: "هم باعونا السماد بـ 600 دولار للطن الواحد، والمازوت بـ 4700 ليرة للتر الواحد (الدولار = 14500)، في المقابل كان يجب أن يكون سعر شراء القمح مناسبا ويترك هامش ربح للفلاح كي يعيش. إذا بقيت الأوضاع في المنطقة كما هي فسنتوقف عن زراعة القمح ونتجه إلى زراعة الكمون والكزبرة والحلبة وحبة البركة".
إلى ذلك، عبّر الفلاح محمود الهندي في منطقة تل حميس بريف الحسكة عن غضبه وسخطه على التسعيرة المعتمدة للقمح في شمال شرقي سورية، مشيرا في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "سعر كيلو القمح في عام 2022 بلغ 55 سنتا، وفي العام الفائت 43 سنتا"، مضيفا: كان الأولى أن يرتفع السعر لا أن يهبط. الغضب يملأ صدور الفلاحين بسبب عدم الإنصاف وهم من يعملون ليل نهار لتوفير القمح للناس.

من جانبه، قال الفلاح محمد بوزان من ريف عين العرب/ كوباني في ريف حلب الشمالي الشرقي في حديث مع "العربي الجديد": "كنا نأمل أن يكون السعر 50 سنتا على الأقل. كيف سنعيش بعد هذه الخسارة؟". وفصّل بالقول: أعطتنا الإدارة خلال الموسم دفعتين من المازوت للسقاية ونحن كنا بحاجة إلى ثلاث دفعات من المازوت، لهذا بدل أن ينتج الهكتار نحو 45 كيسا لن ينتج أكثر من 25 كيسا. ولفت إلى أن "سعر 31 سنتا هي للنخب الأول، أما النخب الثاني فسيكون أقل من 28 سنتا. خسارتنا فادحة للأسف".

تسعيرة القمح في ريف الرقة الغربي

في ريف الرقة الغربي، حيث تعد زراعة القمح رئيسية لدى الفلاحين، يسود الغضب قراه الممتدة على شاطئ الفرات جراء التسعيرة الجديدة من قبل الإدارة الذاتية غير المتوقعة. يقول زكريا ح في حديث مع "العربي الجديد": تكاليف هذا الموسم عالية جدا بدءا من الفلاحة، ومرورا بالبذار والسماد والسقاية وانتهاء بالحصاد والتحميل إلى مراكز الاستلام، فضلا عن تعب الفلاح وأولاده طيلة أكثر من ستة أشهر.

وبيّن أن تكلفة الدونم الواحد من القمح المروي تصل إلى أكثر من 100 دولار، والإنتاج المتوقع نحو 300 كيلوغرام، ما يعني أن سعر الشراء الذي حددته الإدارة لا يعطي الفلاح أي هامش ربح، بل على العكس لا يغطي حتى التكاليف.

ويعتقد أن هناك اتفاقا بين فاعلين بالإدارة وبين التجار في المنطقة، مضيفا أن سعر الإدارة سيدفعنا إلى بيع الإنتاج للتجار، والذين غالبا سيدفعون أكثر للفلاح. حتى حكومة النظام تنصف الفلاحين أكثر من الإدارة الذاتية. وتابع: القمح مصدر دخلنا الوحيد. هناك من يتلاعب برزقنا، ولن نسكت على ذلك.

شبهات صفقة مع النظام

تناقلت مواقع إخبارية سورية معارضة تقارير عن "صفقة" أبرمت بين النظام السوري والإدارة الذاتية، تورد الأخيرة بموجبها نصف مليون طن من القمح بسعر 36 سنتاً للنظام على عدة دفعات. ولكن لم يتسن التأكد من مصادر موثوقة في الإدارة الذاتية حول صدقية هذه التقارير. ومنذ عام 2014، خرجت المحافظات الرئيسية المنتجة للقمح في سورية، وهي الرقة ودير الزور والحسكة وريف حلب الشرقي، عن سيطرة النظام، وهو ما خلق له العديد من الأزمات التي اضطرته إلى الاستيراد لسد حاجة السوق في مناطق سيطرته.

تناقلت مواقع إخبارية سورية معارضة تقارير عن "صفقة" أبرمت بين النظام السوري والإدارة الذاتية،

وتعليقا على السعر الذي حددته الإدارة الذاتية لشراء القمح رأى الخبير الزراعي إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد" أنه "كان من المفترض على الإدارة الذاتية عدم مقارنة سعر الموسم الحالي مع الفائت بالليرة السورية"، مضيفا: هناك واقع معيشي صعب في شمال شرقي سورية.

وبيّن مسلم وهو من أبناء الشمال الشرقي من سورية، أن القمح المحلي "ذهب بكل معنى الكلمة"، مضيفا أن درجات الحرارة تلعب دورا في نوعية القمح، ومناخ سورية المتوسطي أقل حرارة من الدول المنتجة للقمح في المنطقة، لذا القيمة الغذائية للقمح السوري جيدة مقارنة بغيره.

تسعيرة القمح في شمال غرب سورية

في السياق، لا يقتصر الغضب على الشمال الشرقي من سورية، بل انتقل إلى شمالها الغربي نتيجة التسعيرة التي حددتها هيئة تحرير الشام لشراء القمح من الفلاحين، والتي لا تختلف عن تسعيرة الإدارة الذاتية، إذ قررت شراء طن القمح من الفلاحين بـ 320 دولارا، أي بنقص 10 دولارات عن سعر العام الفائت.

وفي هذا الصدد، أوضح الفلاح موسى يسوف في حديث مع "العربي الجديد" أن "الهكتار المستأجر في منطقة الأتارب غربي حلب يكلف نحو 2000 دولار"، مضيفا أن السعر المحدد من الهيئة للشراء لا يغطي التكاليف.

ومنذ عام 2011، دخلت زراعة القمح في سورية، والتي كانت من أبرز الزراعات الاستراتيجية مع القطن، دائرة الخطر، بعد تراجع الإنتاج بشكل دراماتيكي، من أكثر من 4 ملايين طن في الموسم، وهو ما كان يكفي الاستهلاك المحلي ويفيض قسم منه للتصدير، إلى نحو مليون و200 ألف طن، في أكثر من موسم خلال السنوات الماضية.

المساهمون