توصلت دول الشمال والجنوب إلى تسوية هشة بشأن الصندوق المستقبلي المعني بـ"الخسائر والأضرار" المناخية للدول الضعيفة، ما يمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28) في دبي حول هذه القضية الحاسمة لنجاح الفعالية.
واعتُبر اعتماد فكرة إنشاء هذا الصندوق من حيث المبدأ النتيجة الرئيسية لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين في مصر العام الماضي، وكُلِّفَت لجنة انتقالية إجراء المناقشات حول تنفيذه (التشغيل، والجهات المانحة، والمستفيدين، وما إلى ذلك).
ومساء السبت، اختتمت الجلسة الخامسة والأخيرة لهذه اللجنة حول إنشاء الصندوق باعتماد نصّ خلال جلسة عامة بُثّت عبر الإنترنت، رغم تحفظات الولايات المتحدة وعدة دول نامية.
وكان الهدف من اللقاء الوزاري إعطاء دفع للمفاوضات، قبل أربعة أسابيع من انعقاد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (كوب28) في دبي بين 30 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري و12 كانون الأول/ديسمبر المقبل، وهو الأكبر منذ اتفاق باريس.
ويقترح النص "إنشاء الصندوق مؤقتاً، لمدة أربع سنوات، على مستوى البنك الدولي، وهو ما قوبل برفض شديد في البداية من الدول النامية التي تتهم المؤسسة بأنها أداة في أيدي الغرب ولا تلبي احتياجاتها".
وقال الرئيس الإماراتي لمؤتمر "كوب28" سلطان الجابر، في رسالة للوفود في نهاية الاجتماع: "من الضروري الآن أن نقوم بسرعة بتفعيل الصندوق ورسملته"، لأن "العالم لا يحتاج إلى حساب مصرفي فارغ"، بل إلى "صندوق تشغيلي يمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً".
ولا يزال يتعين وضع اللمسات النهائية على نصّ التوصيات والموافقة عليه من البلدان في مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين للمناخ في دبي (30 تشرين الثاني/نوفمبر - 12 كانون الأول/ديسمبر).
وقال هارجيت سينغ من شبكة العمل المناخي غير الحكومية لوكالة "فرانس برس" إن "التوصيات ضعيفة لأنها لا تذكر حجم الصندوق ولا خطة رسملة واضحة".
وأضاف: "بالإضافة إلى ذلك، تسعى الولايات المتحدة لأن تكون العضوية طوعية للدول المتقدمة"، بينما دافع مندوبون من دول الجنوب عن المساهمة الإلزامية، بحكم المسؤولية التاريخية الكبرى للدول الغنية في انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وبموجب هذه المسؤولية التاريخية التي ثبّتتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، تعهدت الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار من المساعدات السنوية للدول النامية.
لكن فشلها حتى الآن في الوفاء بهذا الوعد أصبح سبباً رئيسياً للتوتر في مفاوضات المناخ، الأمر الذي أثار مخاوف من مساهمة محدودة من جانب الدول الغنية في الصندوق الجديد.
في عام 2009، وعدت الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار لتمويل التكيف مع احترار المناخ العالمي وخفض الانبعاثات في البلدان النامية بحلول عام 2020.
لكن هذا المبلغ لم يتجاوز في نهاية المطاف 83 ملياراً وفقاً لأحدث الأرقام التي قدمتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
وبحسب تحليل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بلغ التمويل العام للتكيف 21,3 مليار دولار عام 2021، مقارنة بـ25,2 ملياراً عام 2020.
معضلة الوقود الأحفوري
كذلك فإن المناقشة الحامية المتوقعة بين الدول المنتجة، والدول الناشئة التي تعتمد على المحروقات، والاقتصادات الغنية التي لا تزال مستهلكة كبيرة من جهة، والدول الجزرية المهددة بارتفاع منسوب المياه من جهة ثانية، تراجعت موقتاً عن صدارة الاهتمامات.
وقال المفوض الأوروبي للعمل المناخي، فوبكه هوكسترا، الأسبوع الماضي، إن الاتحاد الأوروبي لن يقبل نتيجة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28) تتوصل فقط إلى اتفاقات بشأن موضوعات أقل إثارة للجدل، مثل زيادة استخدام الطاقة المتجددة، إذا فشل في حلّ القضايا الأكثر صعوبة، مثل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
وزاد تحدي إقناع الدول بالموافقة مع تصعيد إسرائيل قصفها لغزة واستمرار حرب روسيا على أوكرانيا وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين.
ويتصاعد كذلك التوتر بين أوروبا والصين، حيث تحقق بروكسل فيما إذا كانت ستفرض رسوماً جمركية على واردات السيارات الكهربائية الصينية التي تقول إنها مدعومة من الدولة.
ويقام مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب28) هذا العام برئاسة الإمارات، وهي من أبرز الدول المنتجة للنفط في العالم.
وأثار اختيارها لاستضافة الحدث المناخي، انتقادات مجموعات مدافعة عن البيئة حذّرت من أنّ قيادة دولة نفطية للنقاشات يمكن أن تبطئ التقدم في مكافحة الاحترار المناخي.
وأقر رئيس مؤتمر "كوب28" وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي سلطان الجابر، في تصريحات سابقة، بوجود "انقسام عالمي" وآراء متباينة حول فكرة إدراج عبارة حول الوقود الأحفوري والطاقات المتجددة في الاتفاقية النهائية لمؤتمر الأطراف كوب28، داعياً الدول إلى "توحيد الجهود" المناخية.
وقد وضع الجابر، وهو أيضاً رئيس شركة النفط الإماراتية "أدنوك" جانباً صيغته المعتادة بشأن تخفيض "لا مفر منه" للوقود الأحفوري.
ودعا الجابر في وقت سابق هذا الشهر، إلى التخلي عن فكرة التخلص سريعاً من مصادر الطاقة الحالية، قائلاً: "لا يمكننا فصل نظام الطاقة (الحالي) اليوم قبل أن نبني نظام الغد الجديد". ودعا إلى فصل "الحقائق عن الخيال".
والعام الماضي أيضاً، شهدت القمة المناخية (كوب27) في مدينة شرم الشيخ المصرية حضوراً لممثلين عن شركات الطاقة في العالم فاق عدد المندوبين في أكثرية الوفود التي شاركت في القمة.
وتضمّن النص النهائي لـ"كوب27" بنداً جرى التوصل إليه في اللحظات الأخيرة، يدعو إلى تعزيز "مصادر الطاقة منخفضة الانبعاثات".
وبدلاً من التخلص من الوقود الأحفوري بشكل كامل، تروّج شركات النفط العملاقة لتقنيات عدة بوصفها حلولاً واعدة لخفض الانبعاثات.
وتشمل هذه التقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، والاقتناص المباشر من الهواء، وتجارة الائتمانات الكربونية، وهي تقنيات توصف بأنها "حلول مناخية زائفة".
وتحول تقنية التقاط الكربون وتخزينه دون دخول ثاني أكسيد الكربون الغلاف الجوي من طريق شفط الانبعاثات من محطات الطاقة، فيما يقوم الاقتناص المباشر من الهواء على سحب ثاني أكسيد الكربون من طبقات الهواء الرقيقة.
وقد أثبتت كلتا التقنيتين نجاحها، لكنهما لم تنضجا بعد ولا تزالان بعيدتين عن إمكان اعتمادهما على نطاق تجاري.
(فرانس برس، العربي الجديد)