- يُبرز المثال عن النشرة الشهرية لصندوق النقد العربي التي أشادت ببورصة دمشق كأفضل بورصة عربية بناءً على معلومات مضللة، متجاهلة جوانب مهمة مثل حجم التداول وطبيعة الشركات المدرجة، مما يروج لصورة زائفة عن الوضع الاقتصادي في سوريا.
- يُسلط الضوء على التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد السوري مثل التضخم وتدهور قيمة العملة، مُنتقدًا تصنيف بورصة دمشق في المرتبة الأولى كدعم للنظام السوري وتجاهل للأزمات الاقتصادية الحقيقية، مما يعكس غياب الشفافية.
بشكل عام، ربما لا يكون كامل اللوم على المضلل الكذاب بسعيه لحصد الأمجاد والبطولات عبر فتوحات قولية، وادعاءات لا ترقى لأدنى حدود الواقع أو لتصديق طفل صغير، بل يتحمل الوزر واللوم من يصدق ذلك المضلل، ويساعده بنشر أضاليله من دون اختبار أو قياس، فيوصله، أو يساهم بوصوله، سدة المجد وحصد الجوائز وتبوء المواقع، قبل أن يصفع بحقائق تعود بسوء السمعة وقلة المصداقية.. وربما أكثر. بشكل خاص، ادعت النشرة الشهرية لصندوق النقد العربي أن سوق دمشق للأوراق المالية تصدرت البورصات العربية على صعيد الارتفاع المسجل في القيمة السوقية، فقد ارتفع مؤشر البورصة بنحو 6.52%، وحققت أعلى نسبة مكاسب على مستوى القيمة السوقية.
ولأن الصندوق، أو القائمين على نشرته لشهر مارس/ آذار الماضي، سواء كان اتحاد البورصات العربية أو غيره، غرقوا في فخ نسب التداول وارتفاع القيّم السوقية، من دون النظر إلى حجم وقيمة التداول أو حتى طبيعة الشركات المدرجة، فمنحوا المرتبة الأولى لبورصة دمشق، مستندين فقط، إلى الترويج الذي يتقصده نظام بشار الأسد لتسويق أن سورية بخير.
وذلك، بعد أن وقع القائمون على التصنيف والنشرة في سوء المقارنة أو عدم جوازها على الأقل، واضعين بورصة دمشق التي افتتحت عام 2009 ولا تزيد الشركات المدرجة فيها، حتى اليوم عن 55 شركة، ونسبة المصارف تمثل 76% منها، ولا تعادل قيمتها السوقية 8 مليارات دولار، في مقارنة مع بورصات عربية كالسعودية التي تزيد قيمتها السوقية على 3 تريليونات دولار، أو بورصة أبوظبي التي تجاوزت قيمتها السوقية 770 مليار دولار، أو بورصة قطر التي تزيد قيمتها السوقية عن 171 مليار دولار.
وهم بذلك مساهمون، بقصد أو بحسن نيّة، في تسويق مقولات نظام بشار الأسد أن "سورية بخير"، عبر "سجلت سوق دمشق للأوراق المالية خلال الربع الأول من عام 2024 أكبر ارتفاع لمؤشر الأداء على مستوى البورصات العربية بنسبة 36.36 في المائة" ويصمتون، من دون التطرق للتضخم والشركات المدرجة والقيمة السوقية. رغم يقينهم بأن البورصات توصف بمرآة الاقتصاد أو ترمومتر أدائه، وتعكس، بشكل أو بآخر، النشاط الإنتاجي والاستثماري لأي بلد.
قصارى القول: إن قفزنا على التضخم النقدي بسورية وتهاوي سعر الصرف من 50 ليرة عام 2011 إلى نحو 7 آلاف ليرة للدولار العام الماضي، وإلى نحو 15 ألف ليرة اليوم، والذي يأكل الأرباح، ويوقع شراة الأسهم والمساهمين بخسائر، وأغمضنا العين عن هجرة الشركات الإنتاجية، بعد غلاء أسعار الطاقة، وتمادي الإتاوات والضرائب من نظام الأسد، واقتصار الشركات المدرجة على مصارف ومؤسسات خدمية، ولم نعر اهتماماً للقوة الشرائية لدى السوريين، والتي تحول دون اقتنائهم الخبز، وليس التفكير بشراء الأسهم، بواقع دخل لا يتجاوز 300 ألف ليرة، ومصاريف تزيد عن 12.5 مليون ليرة.
لنسأل عن آخر يوم تداول ببورصة دمشق، علّ يكون في ذلك تنبيه لمانحي الجوائز باتحاد البورصة أو صندوق النقد العربي، أو تأنيب ضمير لكل من يساند نظام بشار الأسد بترويج الأضاليل والترويج بأن سورية جنة الأرباح وقبلة الاستثمار، إذ أغلقت تعاملات "سوق دمشق للأوراق المالية" الثلاثاء، بحسب التقرير اليومي للسوق، على انخفاض بقيمة تداولات بلغت 873,870,188.00 مليون ليرة، بعدد صفقات وصل إلى 387 صفقة عادية وصفقة واحدة ضخمة. وانخفض مؤشر البورصة "DWX" الرئيسي بنسبة 0.40%، وانخفض مؤشر "DLX" بنسبة 0.31%، وانخفض مؤشر "DIX" بنسبة 0.23%.
ولئلا نساهم بالتضليل، كما غيرنا، فنعرض نسب التداول وأنواع المؤشرات وعدد الصفقات، ما قد يذهب بالقارئ لمنصات وتداول وبورصة حقيقية، نعيد التذكير بأن قيمة التداول اليومي ببورصة دمشق لا يصل لسعر منزل بأقاصي العاصمة دمشق، كما أن الشركات المدرجة مصارف وخدمات، وكان، بحسب تقرير البورصة، سهم بنك الشام وبيمو أكبر الرابحين والبنك الوطني الإسلامي وسورية الدولي الإسلامي أكثر الخاسرين.
نهاية القول: أمر عجيب ومستغرب أن يصنف صندوق النقد العربي، أو اتحاد البورصات العربية، بورصة دمشق أولاً، في بلد لا يوجد فيه اقتصاد أساساً، أو وفق ألطف الألفاظ، يعيش الاقتصاد السوري كساداً تضخمياً، ارتفعت خلاله الأسعار بأكثر من 150% خلال عام، نتيجة الانهيار المستمر للعملة، وانكمشت خلاله النشاطات الاقتصادية، أو انعدمت في معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية.
أما أن يقع المقيمون بتلك المؤسسات المختصة بفخ ارتفاع مؤشر بورصة دمشق أو زيادة قيمتها السوقية، والمقومة بالليرة، من دون لحظ التضخم وتراجع سعر صرف الليرة، فبذلك تأويل وحيد ربما لا ثاني له، وهو الأخذ بيد النظام السوري لتسويق التعافي، على اعتبار البورصة مؤشراً حساساً للأزمات الاقتصادية، وتعطي إنذاراً مبكراً للرساميل، لأن وصف القائمين على تلك المؤسسات بالجهل، هو جهل وتجن.
وبورصة دمشق، ومنذ أعوام، هي دكانة لا أكثر، تستمر على قيد التداول بقرار سياسي، بعيدة كل البعد عن أي شفافية وإفصاح حقيقي، ولعل بنوع الشركات المدرجة غصباً أو حجم التداول وقيمه، أدلة، ولكن للأسف، لم ترها المؤسسات العربية المختصة والكريمة بمنحها الأوسمة والمراكز الأولى.