تطوير خطّة الطوارئ اللبنانيّة ضرورة قصوى

05 أكتوبر 2024
وضعت خطّة الطوارئ سيناريوهات مستوحاة من تجربة 2006 (حسين بيضون)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت الحكومة اللبنانية في أكتوبر 2023 بإعداد خطة طوارئ للتعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية، بهدف تأمين احتياجات النازحين وضمان استدامة الخدمات العامة، لكن توسع الحرب في سبتمبر 2024 كشف عن ثغرات في عمليات الإجلاء وتوفير مراكز الإيواء.
- برزت تحديات في سلاسل توريد السلع الحيوية، لكن المخزون الاستراتيجي يكفي لأكثر من أربعة أشهر. تحتاج الحكومة لتطوير خطتها لتشمل تجهيز مراكز إيواء إضافية وضبط سلاسل التوريد.
- تحتاج الحكومة إلى مساعدات خارجية بقيمة 425 مليون دولار، مع جهود دبلوماسية لتنظيم مؤتمرات دعم. بعد الحرب، ستواجه تحدي إيواء المتضررين وتأمين تمويل لإعادة الإعمار.

منذ تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، وعلى وقع الاعتداءات الإسرائيليّة التي استجدّت في ذلك الشهر، باشرت الحكومة اللبنانيّة إعداد ومناقشة خطّة الطوارئ الوطنيّة المخصّصة للتعامل مع التطوّرات العسكريّة. وعلى أساس هذه الخطّة، هدفت الحكومة إلى تأمين حاجات الفئات الأكثر هشاشة من النازحين جرّاء الحرب، بالإضافة إلى مستلزمات استدامة الخدمات العامّة الأساسيّة وسلاسل التوريد.

ووضعت الخطّة سيناريوهات مستوحاة من تجربة حرب عام 2006، لتقدير تداعيات توسّع الحرب.

منذ منتصف شهر سبتمبر/ أيلول 2024، تحقق تدريجياً سيناريو الحرب الموسّعة، بعدما شملت الاعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة مناطق واسعة من جنوب لبنان والبقاع وضاحية بيروت الجنوبيّة، وصولاً إلى العاصمة بيروت نفسها. وبهذا الشكل، خرجت الحرب تماماً عما عُرف سابقاً بقواعد الإشتباك، التي ضبطت المواجهات ضمن شريط ضيّق محاذٍ للحدود الجنوبيّة. وهكذا، بات من الممكن الآن تقييم استجابة خطّة الطوارئ لهذا النوع من السيناريوهات، كذلك أصبح ممكنًا تحديد الجوانب التي ينبغى تطويرها في هذه الخطّة.

الثغرة الأولى التي ظهرت في استجابة الحكومة اللبنانيّة لهذه الظروف الطارئة، اتّصلت بتنظيم عمليّات الإجلاء. فعلى سبيل المثال، مع توسّع العدوان الإسرائيلي في جميع أنحاء جنوب لبنان يوم الاثنين 23 سبتمبر، انسدّت الطرقات بعشرات آلاف النازحين من تلك المناطق باتجاه مدينة بيروت، وهو ما فرض على هؤلاء النازحين إمضاء فترات تصل إلى 24 ساعة، على الطرقات المختنقة بالسيّارات، في ظروف أمنيّة وعسكريّة بالغة الخطورة.

تكرّر هذا السيناريو أيضًا مع بدء إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر الإخلاء من بعض أحياء ضاحية بيروت الجنوبيّة، منذ مساء يوم الجمعة 27 سبتمبر. وكان من اللافت أنّ الجيش الإسرائيلي تعمّد قصف كلّ حيّ خلال وقت قصير، لم يتجاوز في بعض الأحيان ربع الساعة، بعد إصدار أمر الإخلاء الخاص بالحي. وهذا ما تسبّب بحالات هلع وفوضى في بعض الحالات، عند محاولة السكّان الخروج من الأماكن المكتظّة. 

تدل التجربتان على أهميّة التحضير لمسارات الإجلاء، في أي منطقة يُحتمل أن يشملها العدوان الإسرائيلي، عبر خطط مسبقة تأخذ بالاعتبار السيناريوهات المحتملة. كذلك يُفترض أن تراعي هذه الخطط مبدأ توزيع تدفّق النازحين، باتجاه عدّة مسارات، لتسريع عمليّات الإجلاء عند حصول أي تصعيد مفاجئ. مع الإشارة إلى أنّ استمرار الحرب، وحرص الجيش الإسرائيلي على توسيع عدوانه باستمرار، بأقل قدر ممكن من الاكتراث بأرواح المدنيين، يفرضان السعي لمعالجة هذه الثغرة بالسرعة القصوى.

الثغرة الثانية ارتبطت بكفاية الأماكن المخصّصة لاستقبال النازحين، وخصوصًا المدارس التي أُعِدَّت لتأمين حاجات سكن الفئات الأكثر هشاشة. فمع توسّع الأعمال العدائيّة الإسرائيليّة، تركّزت عمليّات النزوح باتجاه العاصمة بيروت، التي لم تكن مجهّزة بما يكفي من مراكز لإيواء هذه الأعداد من النازحين. وهذا ما ظهر سريعًا مع انتظار بعض النازحين في الطرقات لأيّام عدّة، قبل أن يُعاد توزيعهم باتجاه مناطق خارج العاصمة.

وفي الوقت نفسه، ظهرت مشكلة عدم كفاية التجهيزات الموجودة في مراكز الإيواء نفسها، مثل مياه الخدمة وفرش النوم، وهو ما فرض نشوء مبادرات أهليّة محليّة للتعامل مع هذه الحاجات. وفضلاً عن ذلك، سرعان ما ظهرت مشكلة اشتداد الضغط على البنية التحتيّة في العديد من المناطق المُضيفة للنازحين، وخصوصاً تلك التي تُعنى بتأمين إمدادات الكهرباء والمياه والصرف الصحّي. وحتّى هذه اللحظة، ما زالت تلك المناطق تعاني من تقنين بعض هذه الخدمات الأساسيّة، بسبب تأخّر الاستجابة للتغيّرات المُستجدّة على مستوى أعداد المقيمين هناك.

على مستوى سلاسل توريد السلع الحيويّة، برزت مشاكل في أوقات متقطّعة، وبشكل متفاوت بين المناطق، بما يخصّ توافر بعض أدوية الأمراض المزمنة وحليب الأطفال. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه المشاكل نتجت أساساً من ازدياد الطلب على هذه السلع في المناطق المُضيفة للنازحين، في مقابل محدوديّة المخزون المتوافر لدى الصيدليّات في المناطق. 

ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أنّ المخزون الاستراتيجي المتوافر لدى الشركات المستوردة للأدوية ومستلزمات الأطفال يكفي لتلبية الطلب المحلّي لأكثر من أربعة أشهر، وهو ما ينفي احتمال حصول انقطاع دائم في هذه السلع. وحتّى هذه اللحظة، لم تواجه الشركات المستوردة أي مشاكل في الشحن البحري، لإعادة تعويم مخزونها من هذه السلع. وهذا ما يفسّر قدرة الصيدليّات على تأمين حاجاتها بعد أيّام قليلة من نفاد أي صنف من أصناف الأدوية ومستلزمات الأطفال. 

لكل هذه الأسباب، يبدو من الواضح أنّ الحكومة اللبنانيّة تحتاج إلى تطوير وتوسعة خطّة الطوارئ المعمول بها حالياً، لتتلاءم مع الحاجات المستجدّة، ومع احتمالات توسّع العدوان الإسرائيلي بشكل إضافي. وعلى نحوٍ أدق، من المفترض أن تسعى الأجهزة الرسميّة لتجهيز مراكز إيواء إضافيّة في المناطق، لتخفيف العبء عن العاصمة بيروت، ولاستباق أي موجة نزوح جديدة يمكن أن تنتج من توسّع العدوان.

وفي الوقت نفسه، من المهم أن تُطلق الحكومة إجراءات عمليّة لضبط وإدارة سلاسل توريد، بما يسمح بإعادة توجيه المخزون الاستراتيجي -المتوافر أساساً- من الأدوية والمواد الغذائيّة، نحو المناطق التي تشهد اكتظاظًا سكّانيًا، بفعل ظاهرة النزوح. وهذه الإجراءات يفترض أن تحصل بالتنسيق مع نقابات واتحادات المستوردين وتجّار الجملة والصيادلة، بهدف إحصاء المخزون المتوافر في كل منطقة، ومقارنته بالطلب اليومي المستجد خلال الحرب. وعلى هذا الأساس، يمكن أيضاً قياس حاجات الاستيراد خلال الأشهر المقبلة.

الحكومة اللبنانيّة تقدّر اليوم حاجتها إلى هبات ومساعدات خارجيّة بقيمة 425 مليون دولار أميركي، للتمكّن من الاستمرار بتمويل استجابتها للأزمات الناتجة من الحرب. وهذا ما يستلزم حراكاً دبلوماسياً استثنائياً من جانب الحكومة، بما يشمل تنظيم مؤتمرات الدعم الطارئة للدول والجهات المانحة، لتأمين هذا المبلغ. كذلك تفرض المرحلة الراهنة إعادة ترميم الهيكليّة الإداريّة لوزارة الماليّة، للتعامل مع حاجات الإنفاق الداهمة والطارئة، خلال فترة الحرب. 

على المقلب الآخر، يمكن الإضاءة على بعض النواحي الإيجابيّة، في استجابة البلاد للوضع الطارئ اليوم، ومنها عدم حصول أي اضطرابات في العمليّات الماليّة بين لبنان والخارج، وعدم انقطاع الخدمات الماليّة محلياً. أمّا الفروع المصرفيّة الموجودة في المناطق المُعرضة للاعتداءات الإسرائيليّة، فانتقلت للعمل من مناطق أخرى آمنة، بعد تحويل عمليّاتها وأنظمتها إلى مراكز بديلة وجاهزة وفقاً لخطط مُعدّة مسبقاً.

وبهذا الشكل، ورغم الأزمة التي يمرّ بها منذ عام 2019، استفاد القطاع المصرفي من الخبرة التي كوّنها خلال حرب تمّوز 2006، لمواءمة العمليّات المصرفيّة مع الظروف الأمنيّة المُستجدّة. ومن الجدير ذكره أنّ إدارات كبرى المصارف اللبنانيّة أعدّت نفسها لسيناريوهات تتجاوز في خطورتها الأحداث الراهنة، من خلال إعداد مقرّات بديلة لإداراتها المركزيّة، إن طاولت الاعتداءات مراكزها في العاصمة بيروت.

أخيراً، بمجرّد انتهاء الحرب وعودة النازحين، ستجد الحكومة اللبنانيّة نفسها أمام استحقاق إيواء أصحاب البيوت المدمّرة، بانتظار إعادة الإعمار. وهذا ما سيستلزم تأمين مصادر لتمويل هذه العمليّة، كذلك سيحتاج إلى آليّات خاصّة لصرف المساعدات. لذلك، من الضروري أن تُنجز الدولة اللبنانيّة تصوّراتها لكيفيّة إدارة هذه المرحلة، قبل انتهاء الحرب وعودة النازحين.

المساهمون