دخلت الروابط الاقتصادية بين الرباط ونواكشوط منعطفاً تفاؤلياً جديداً بعد انعقاد اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، عقب حالة صعود وهبوط شهدتها العلاقات المغربية الموريتانية بفعل تباين مواقفهما في قضايا إقليمية خصوصاً ما يتعلق بملف إقليم الصحراء.
وأنهى انعقاد اللجنة المشتركة، في 9 مارس/ آذار الجاري، بالعاصمة الرباط، توقفاً دام نحو 9 سنوات، إذ انعقدت الدورة السابقة لها بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، في إبريل/ نيسان 2013.
ولم تعلن الرباط ولا نواكشوط أسباب هذا الانعقاد، إلا أن العلاقات بينهما عرفت توتراً في بعض السنوات، وتشهد تحسناً ملحوظاً في الآونة الأخيرة.
وتتباين مواقف العاصمتين من قضايا إقليمية، خصوصا إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، وكذلك استقبال مسؤولين من "البوليساريو" في قصر الرئاسة بنواكشوط من حين إلى آخر.
وتقول موريتانيا إنّ موقفها من هذا النزاع "حيادي" يهدف إلى إيجاد حل سلمي يجنب المنطقة خطر التصعيد. وتقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
ويؤثر استقبال نواكشوط مسؤولين من "جبهة البوليساريو" في قصر الرئاسة من حين لآخر على التقارب السياسي بين البلدين، في وقت ما زالت الشراكة الاقتصادية والتجارية لم ترقَ للمستوى المطلوب.
ولم يتجاوز حجم المبادلات التجارية بين المغرب وموريتانيا 1.9 مليار درهم (215 مليون دولار)، في الفترة ما بين 2009 و2019، بحسب وزارة الاقتصاد والمالية المغربية.
لكن اللجنة العليا المشتركة بحثت في دورتها الأخيرة برئاسة كل من رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، والوزير الأول الموريتاني (رئيس الوزراء)، محمد ولد بلال، سبل توطيد التعاون بين البلدين، بمشاركة ممثلين عن مختلف القطاعات الوزارية.
وفي اليوم الأخير لأعمال الدورة الثامنة التي استمرت 3 أيام، أبرم البلدان، 13 اتفاقية تشمل قطاعات عديدة منها الزراعة وحماية البيئة والسياحة والصناعة والصحة والأمن.
ووقع الاتفاقيات ممثلون عن الوزارات المختصة والقطاع الخاص، وشملت قطاعات الزراعة والإنتاج الحيواني والصيد البحري وحماية البيئة والسياحة والصناعة والصحة والتكوين المهني والإسكان والأمن والقطاع الخاص، دون توفر مزيد من التفاصيل حول مضمونها.
بهذا الصدد يرى سعيد الصديقي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله (حكومية) بفاس (شمال)، أنّ "المغرب يشكل مصدراً أساسياً للمواد الغذائية في موريتانيا بالتالي فهو عنصر مهم لأمنها الغذائي".
ويقول الصديقي لـ"الأناضول": "كانت العلاقات التجارية بين الرباط ونواكشوط دائما فيها رجحان كفة الصادرات المغربية إلى موريتانيا نظراً لأن المغرب يعد بلداً فلاحياً، خاصة الخضروات التي تستورد منها موريتانيا جزءاً كبيراً من استهلاكها".
ويضيف، "جاءت أزمة كورونا ثم تلتها أزمة أوكرانيا لتسبب مشاكل كثيرة لسلسلة التموين على المستوى العالمي، ولا شك أنها ستؤثر على واردات موريتانيا من المواد الغذائية، لذلك من شأن مثل هذا اللقاء أن يرفع من مستوى التبادل التجاري بين البلدين".
وأثارت الحرب الروسية في أوكرانيا التي بدأت في 24 فبراير/ شباط الماضي مخاوف معظم دول العالم فيما يتعلق بالأمن الغذائي، لا سيما وأن البلدين المتصارعين يعدان من أوائل المصدرين للسلع الغذائية خاصة القمح.
ويوضح الصديقي أنّ "المغرب فتح خلال السنوات الأخيرة باباً واسعاً للاستثمار في أفريقيا جنوب الصحراء، وموريتانيا يمكن أن تشكل أيضاً مقصداً لهذه الاستثمارات المغربية سواء في المجال التكنولوجي أو البنكي أو البنيات التحتية، خاصة أنها الأقرب إلى المغرب، وتربطها علاقات قديمة معه".
وبخصوص البعد السياسي للعلاقة بين البلدين الجارين، يلفت الصديقي إلى أنّ "هذا البعد يظل حاضراً بقوة سواء في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين أو في مثل هذه اللقاءات التي تجمع مسؤولي البلدين، باعتبار أن موريتانيا تمثل عمقاً جيواستراتيجياً للمغرب ليعزز شراكاته مع دول غرب أفريقيا وعموم دول جنوب الصحراء".
ويتابع "بغض النظر عن إيرادات الشراكة الاقتصادية التي ستظل محدودة إذا تمت مقارنتها بعلاقات المغرب مع جيرانه وشركائه الأوروبيين، فإن الهاجس السياسي يظل دائماً حاضراً في العلاقات المغربية الموريتانية أكثر من العامل الاقتصادي والتجاري".
ويشدد الأكاديمي المغربي على أن "قضية الصحراء تظل هاجساً في السياسة الخارجية للبلدين".
من جانبه، يعتبر نبيل الأندلوسي الباحث في العلاقات الدولية ونائب سابق لرئيس لجنة الخارجية بمجلس المستشارين المغربي (الغرفة الثانية للبرلمان)، أن "انعقاد اللجنة العليا المشتركة مؤشر إيجابي على عودة الدفء لعلاقات البلدين بعد عشرية سادها نوع من الفتور والجمود التي تخللها بعض التوتر".
ويضيف الأندلوسي لـ"الأناضول"، أن "تحسن العلاقات بين البلدين الجارين هو الخيار الاستراتيجي الذي يتسم بالواقعية والمصلحة العليا للبلدين، لمواجهة التحديات المشتركة من جهة، وتعزيز سبل التعاون والشراكة في أكثر من قطاع من جهة أخرى".
ومن المرجح أن ينعكس تطوير العلاقات بين البلدين إيجاباً على القضايا المشتركة بينهما خاصة على مستوى التحديات التي تهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة المغاربية، حسب الباحث المغربي.
ويوضح الأندلوسي أنّ "المغرب يراهن بشكل قوي على خروج موريتانيا من حالة الحياد، والميل في مراحل معينة للطرح الجزائري وجبهة البوليساريو"، مبينًا أنّ "انعقاد هذه اللجنة أحد مؤشرات هذا التحول والتوجه الجديد، والذي يعتبر محطة لتراكم عدد من المبادرات والعمل التنسيقي الثنائي".
ويشير إلى أن "الموقف الموريتاني من قضية الصحراء، كان أهم حجر عثرة مؤثرة في العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين".
ويؤكد الباحث المغربي أن "من مصلحة البلدين تجاوز كل ما من شأنه عرقلة هذه العلاقات أو التأثير عليها، وهذه هي اللحظة المناسبة بالنسبة للجانب الموريتاني لاختيار توجه جديد، عبر دعم مقترح المملكة المغربية المتمثل في الحكم الذاتي الذي يحظى بدعم دولي".
(الأناضول)