تابعت الليرة التركية سلسلة تحسّنها التي بدأتها نهاية الأسبوع الماضي، لتسجل خلال افتتاح اليوم الإثنين نحو 16.1 ليرة مقابل الدولار، ونحو 16.9 مقابل العملة الأوروبية الموحدة، قبل أن تتراجع إلى 16.5 ليرة مقابل الدولار، و17.4 مقابل اليورو.
وتبقى الليرة مرتفعة رغم ذلك، بعد أن اقتربت الأسبوع الماضي من 17.5 ليرة مقابل الدولار، وسجل سعر صرف اليورو 18.2 ليرة، وسط توقعات بمزيد من التعافي بعد الإجراءات المالية وتقييد القروض للشركات.
وخسرت العملة التركية أكثر من 25% من قيمتها منذ بداية العام، قبل أن تتحسن، خلال الأيام الأخيرة، وتقلص الخسائر إلى نحو 23%.
وكانت الليرة التركية، التي دخلت العام الماضي بنحو 7.4 ليرات مقابل الدولار وأقفلت عند 13.5 مسجلة خسائر بنحو 44% من قيمتها خلال عام 2021، قد تابعت الهبوط خلال النصف الأول من العام الجاري، لتسجل أسوأ سعر الأسبوع الماضي، ما زاد التوقعات بوصول سعر الدولار إلى 20 ليرة، بعد رفع توقعات البنك المركزي التركي ببلوغ سعر صرف الدولار 18.89 ليرة نهاية العام الجاري، مستنداً إلى دراسة عن سوق الصرف قدمها للمصرف باحثون ومصرفيون أتراك، بعد رصدهم تقلبات أسعار سوق الصرف خلال شهر يونيو/حزيران الجاري.
وعلى عكس التوقعات، لم يؤثر تثبيت المصرف المركزي، الخميس الماضي، سعر الفائدة، وللجلسة السادسة، عند 14% سلباً، على سعر صرف الليرة، التي بدأت مشوار التعافي مدفوعة بالقرارات المالية وأرقام السياحة والصادرات والمناخ السياسي، إثر عودة العلاقات التركية مع دول خليجية وزيارة ولي عهد السعودية محمد بن سلمان أنقرة.
قرارات مصرفية
وجاء تحسن سعر صرف العملة التركية، التي أقفلت الأسبوع الماضي على 16.99، إثر حظر تركيا، يوم الجمعة الماضي، القروض التجارية بالليرة لبعض الشركات المقترضة، إذا تجاوزت مراكزها من النقد الأجنبي مستوى معيناً نسبةً لأصولها أو مبيعاتها السنوية.
وبيّن قرار وكالة التنظيم والرقابة المصرفية أن الشركات لن تتمكن من الحصول على قروض جديدة بالليرة التركية إذا كانت تمتلك أصولاً سائلة بالعملات الأجنبية تتخطى قيمة 15 مليون ليرة، وتتجاوز 10% من إجمالي الأصول أو المبيعات السنوية.
وهو الأمر الذي قلص حجم السيولة بالعملة المحلية في الأسواق، بحسب الاقتصادي التركي مسلم أويصال، بالتوازي مع زيادة تدفق القطع الأجنبي، جراء زيادة أعداد السياح وعائدات التصدير، ما وازن المعروض النقدي وحدّ من الطلب على العملات الأجنبية في السوق التركية.
وحول أثر عودة العلاقات مع السعودية وما قيل عن ضخ السعودية الدولار في الأسواق، نفى أويصال هذه الأنباء، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن ما حدث خلال زيارة بن سلمان لم يتعد مفاوضات بمبادلة العملات، ولم يدخل هذا الاتفاق إطاره التنفيذي بعد، بل إن البلدين بصدد المباحثات الفنية.
وأشار في الوقت نفسه إلى محدودية أثر مبادلة العملات على السوق، إذ سبق لتركيا أن وقعت اتفاقيات "سواب" مع الإمارات بقيمة 5 مليارات دولار، وقبلها مع الصين وكوريا بنحو 8 مليارات دولار، وقبل عامين مع قطر بمبلغ 15 مليار دولار، ولم نر تبدلاً كبيراً في سعر صرف الليرة التركية.
واستدرك: "لكن الإجراءات المالية المتعلقة بإقراض الشركات أجدى على ما يبدو، ليضاف إلى تحسن المؤشرات الاقتصادية، من نسبة نمو وسياحة وتجارة خارجية، وإلى ما قيل عن تنظيم تمويل الأجانب، فرأينا التحسن الكبير للعملة التركية وتحسنها بأكثر من ليرة مقابل الدولار، خلال أسبوع".
طرح السيولة النقدية
وبحسب مصادر إعلامية، تعتزم تركيا طرح السيولة النقدية من العملة المحلية أمام الأجانب بنفس معدل طرحها أمام المستثمرين المحليين، ما دامت هذه التمويلات لا تصل إلى أيدي أولئك الذين يراهنون ضد الليرة التركية.
ووفق برنامج صممته وزارة الخزانة والمالية التركية وينتظر أن يدخل حيز التنفيذ مطلع الشهر المقبل، سوف يُسمح للمستثمرين في الخارج بالاستفادة من خط مقايضة جديد لشراء الأصول المحلية بآجال استحقاق تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة أشهر على الأقل.
وتضيف المصادر أنه رغم عدم فرض تركيا أي قيود على نوع الأوراق المالية المقومة بالليرة التي سيُسمح للأجانب بشرائها، إلا أنها ستحاول أن تمنع إمكانية بيع العملة المحلية على المكشوف بأن تطلب من البنوك، التي تقوم بدور أمناء الحفظ في المعاملات، بجمع معلومات من عملائها حتى يمكن استخدام هذه المعلومات لأغراض المراجعة والتدقيق.
ويمثل هذا المنهج موقفاً يهدف إلى تحقيق التوازن من جانب تركيا، وهي تخفف قبضتها تجاه المستثمرين الأجانب. وقد تمثل هذه الخطة الأخيرة أوسع خطوة تتخذها البلاد حتى تبتعد عن سنوات السياسة الصدامية وإلقاء اللوم على المضاربين بأنهم من يشعلون موجات الهبوط في قيمة الليرة.
كما تكشف المصادر أن بنك تركيا المركزي يعمل أيضاً على تنفيذ خطة منفصلة هدفها جذب تدفقات من العملة الصعبة إلى داخل البلاد، وقد تتغير شروطه بعد أن ركزت المناقشات المبدئية على طرح التمويل بالليرة التركية للأجانب من دون فوائد، وأن يضمن عائداً بنسبة 4% على الدولار الأميركي.
ارتياح في الأسواق
ويرى أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو، أن لتلك الإجراءات المالية "دور لا شك، ولكنها ليست الأساس"، معتبراً ما وصفه بـ"الارتياح في الأسواق" نتيجة زيارة ولي عهد السعودية وما قيل عن اتفاقات ومشروعات استثمارية ومبادلة العملات، السبب الأهم بتحسن سعر الصرف الذي تعززه أرقام الصادرات والسياحة.
ويضيف شعبو، لـ"العربي الجديد"، أن "علاقات تركيا مع الإمارات والسعودية ضمَن تحييد أهم المضاربين الخارجيين، بل حوّل البلدين إلى عامل قوة للاقتصاد التركي، سنرى نتائجه خلال الأشهر المقبلة".
وحول عودة الليرة للتراجع اليوم إلى 16.5 مقابل الدولار، بعد أن افتتحت على 16.1، يبرر شعبو التذبذب بـ"مجسات السوق"، إذ "كان الحديث عن تحسن العملة إلى 15 ليرة مقابل الدولار، نهاية الأسبوع الماضي، فرأينا التحسن الكبير خلال يومي العطلة الأسبوعية، واليوم مع بداية التعامل الرسمي، ربما تختبر الأسواق بدء تأثير القرارات المالية وحركة المبيع والشراء"، مشيراً إلى تراجع سعر الذهب إلى أقل سعر منذ ثلاثة أشهر واستمرار تذبذب سعر الليرة.
وكان سعر غرام الذهب من عيار 22 قيراطا قد تراجع الإثنين إلى 896 ليرة، بعد أن بلغ 950 ليرة منتصف يونيو/ حزيران الجاري.