تواصلت كوارث القطارات في مصر رغم الوعود الحكومية المتكررة بمعالجة المشاكل التي تواجهها السكك الحديدية المتهالكة، وفي هذا الإطار اعتاد المصريون تكرار سماع حوادث القطارات التي تخلف الكثير من الوفيات والمصابين في كل مرة. وغالبا ما ينتمي معظم ضحايا هذه الحوادث إلى الطبقة الفقيرة التي تفضل وسيلة المواصلات الأرخص في التنقل.
وحسب مراقبين، فإن أبرز أسباب تكرار الحوادث تهالك السكك الحديدية بسبب الإهمال ونقص الصيانة وعدم توفير التمويلات اللازمة لتطوير هذا المرفق، بالإضافة إلى وضع العمال الصعب الذين يواجهون ظروفا معيشية صعبة وهدرا كبيراً لحقوقهم.
إطاحة رئيس الهيئة
أطاح وزير النقل المصري الفريق كامل الوزير، رئيس هيئة السكك الحديدية أشرف رسلان، ضمن عدد من القرارات الوزارية، تتعلق بقيادات الهيئة على خلفية حادث قطار طوخ الأحد الماضي، والذي راح ضحيته 16 قتيلاً و125 مصابا، وفق إحصاءات مستقلة.
وتصدر رحيل رسلان عن منصبه رئيساً لهيئة السكة الحديد، القرارات، كما تم ندبه، في سابقة تعد الأولى من نوعها، لوظيفة مستشار الوزير لشؤون السكك الحديدية.
كما قرر الوزير ندب المهندس مصطفى عبد اللطيف أبو المكارم، رئيسًا لمجلس إدارة الهيئة القومية لسكك حديد مصر وذلك لمده سنة، خلفا لرسلان، وتعيين المهندس شعبان محمود محمد موسى، رئيسًا لمجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة المصرية لتجديد وصيانة خطوط السكك الحديدية.
وقرر وزير النقل تكليف المهندس مصطفى محمد مصطفى شاهين، العمل رئيسًا للإدارة المركزية للإشارات والاتصالات بالهيئة القومية لسكك حديد مصر، بالإضافة على عدة تعديلات أخرى للمناصب بالهيئة.
مطالبات بإقالة وزير النقل
وقال وزير النقل المصري، إن الهدف من هذه القرارات ليس مجرد إجراء تعديلات في قيادات الهيئة، وإنما جاء لطبيعة المرحلة المقبلة، والتي تتطلب الدفع بعدد من الكفاءات لاستكمال مسيرة التطوير الشامل لمنظومة السكك الحديدية.
واضطر الوزير إلى إطاحة رئيس الهيئة هذه المرة، رغم تأكيده عدم مسؤوليته عن الحوادث في وقت سابق، وذلك في أعقاب حادث تصادم قطاري سوهاج نهاية مارس/ آذار الماضي.
وجاءت القرارات الجديدة، لمواجهة عاصفة المطالبات بإقالة الوزير الذي يحظى بدعم شخصي من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعدما أكد وزير النقل في تصريحات صحافية محاسبة جميع المسؤولين المتسببين عن الحادث قائلا: "لن أهرب من المسؤولية، ونعمل ليل نهار لتطوير منظومة السكة الحديد لتقديم خدمات مميزة لجمهور الركاب المسافرين".
وتشهد دوائر رسمية، اختلافات واضحة في هذا الإطار بين جناحين، أحدهما يقف على رأسه رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، في حين يضم الجناح الآخر الأمانة العامة لوزارة الدفاع، ومدير مكتب الرئيس اللواء محسن عبد النبي، ووزير النقل كامل الوزير، ووزير الدولة للإعلام، أسامة هيكل.
5 حوادث في أقل من شهر
شهدت مصر خمسة حوادث للقطارات خلال 23 يوما، من دون أية مساءلة برلمانية لوزير النقل، كونه المسؤول السياسي الأول في هذا السياق.
كان أحدث تلك الحوادث ما شهدته مدينة طوخ بعد انقلاب 8 عربات من القطار رقم 494 ما أسفر عن مقتل 14 شخصا وإصابة 125.
وفي 17 إبريل/ نيسان الجاري انفصلت عربتان من قطار بالقرب من محطة بني سويف.
وفي 15 إبريل شهدت مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية خروج عربتين من أحد القطارات عن القضبان ما أسفر عن 15 مصابا، وفي الثاني من أبريل انفصلت 6 عربات من قطار كان متجها من القاهرة إلى أسوان دون وقوع إصابات.
وفي السادس والعشرين من مارس/ آذار شهدت محافظة سوهاج مقتل أكثر من 30 وإصابة 165 بعد تصادم قطاري ركاب.
احتجاجات العمال
قبل تسع سنوات، وتحديدًا في يوليو/تموز 2012، دخل سائقو القطارات في مصر، في إضراب مفتوح عن العمل، احتجاجًا على سوء أوضاعهم المادية، وللمطالبة بزيادة بدل المخاطر التي يتعرضون لها، ما أسفر عن شلل خطوط السكك الحديدية المصرية.
استمر سائقو القطارات في تنظيم إضرابات واحتجاجات متقطعة منذ صيف 2012، وحتى ربيع العام التالي، من دون أن تتحقق أي من مطالبهم، حتى فاجأتهم الحكومة المصرية آنذاك، بإجهاض مساعيهم في الحصول على حقوقهم، بتهديدهم بالاستعانة بسائقين من عساكر الجيش المصري لتسيير حركة القطارات، في مواجهة إضراب سائقي القطارات في مصر.
مجرد التلميح بالاستعانة بعساكر من الجيش لقيادة القطارات والاستغناء على آلاف سائقي قطارات السكك الحديدية المصرية، ضمن 48 ألف عامل يعملون في مختلف مجالات قطاعات هيئة السكك الحديدية المصرية، كان كافيَا لإجهاض الإضراب وإغراق المطالب التي رفعت حينها وفي كل الأوقات من بعدها.
تاريخيًا، لعمال السكك الحديد في مصر جهد نضالي كبير، يعود لعام 1986، حيث تم تنظيم أشهر إضراب عن العمل في تاريخ السكك الحديد المصرية، إذ بدأ الإضراب اعتراضا على سوء توزيع الحوافز والمكافآت على العاملين، وعندما لم تتم الاستجابة لمطالبهم؛ قرروا الاعتصام بمقر رابطة قائدي القطارات، فتوقفت القطارات. وقام بعض السائقين بترك قطاراتهم على الخطوط الطولية وأغلقوا الجرارات. بعدها اقتحمت قوات الأمن المركزي المصرية مبنى رابطة السائقين وألقت القبض على عدد من السائقين. واستمر الإضراب حتى استجاب وزير النقل المصري آنذاك لمعظم مطالب العمال.
نضال نقابي
ويعتبر عمال السكة الحديد في مصر، من أقدم القطاعات العمالية المصرية ذات الوعي النضالي التضامني، بما يمتلكونه من خبرة واسعة في التنظيم، وفي مطلع القرن العشرين – وقت أن كان هناك تجريم لتأسيس النقابات – أسس عمال السكة الحديد نقابة سرية عام 1908 أطلقوا عليها اسم "الجمعية السرية لبؤساء السكة الحديد".
هذه النقابات كان لها عدد من المطالب الرئيسية تهدف إلى إصلاح الأحوال المعيشية لعمالها، وقامت بإصدار عدد من المنشورات والمطالبات، التي عبرت عن تذمر العمال وقتها من شروط عملهم، والتي دفعت الإدارة في النهاية إلى الاستجابة لبعض مطالبهم.
وفي يناير/كانون الثاني عام 1911 – وبعد عدة أسابيع من الإضراب العفوي الواسع الذي نظمه عمال السكة في أكتوبر/تشرين الأول 1910 – أسس عمال السكة الحديد أول تنظيم نقابي علني لهم أطلقوا عليه اسم "جمعية عمال عنابر السكة الحديد بالقاهرة"، حسب دراسة صادرة عن مركز الدراسات الاشتراكية المصري.
هذا النضال استمر سنوات طويلة، حاول فيها عمال السكك الحديدية المصرية، اقتناص حقوقهم ومطالبهم وسط منظومة متهالكة تفتقر للإنفاق والتطوير والتدريب.
ووصل النضال إلى ذروته في السنوات القليلة التي أعقبت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، حيث تكبدت هيئة السكك الحديدية المصرية، خسائر تقدر بقيمة 146.3 مليون جنيه، نتيجة الاحتجاجات على شريط السكة الحديد، سواء من قبل الأهالي أو العاملين في الهيئة، منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وحتى فبراير/شباط 2013، حيث تسببت الاعتصامات والتظاهرات على القضبان في تعطيل 7515 قطاراً على مستوى خطوط السكة الحديد بالجمهورية، وفق إحصائية رسمية أصدرتها هيئة السكك الحديدية عام 2013.
وكان المتحدث باسم رابطة قائدي القطارات في مصر، قد كشف عن وجود عجز في عدد سائقي ومساعدي سائقي القطارات، ليصل إلى 1700 سائق، إذ يعمل في الخدمة قرابة 4 آلاف سائق، في حين أنه من المفترض أن يكون إجمالي العدد 5700 شخص، يعملون على 300 قطار وجرار، لتسيير ما يقرب من 1000 رحلة يوميا.
على هذا المنوال استمر الوضع حتى مشارف عام 2016، حيث كان آخر إضراب نظمه سائقو السكك الحديد في مصر للمطالبة بهيكلة أجورهم، في ديسمبر/كانون الأول 2015، للمطالبة بصرف الحوافز الخاصة بالسائقين. حينها أجرى وزير النقل المصري مفاوضات مع السائقين المضربين انتهت بالإعلان عن قرار بصرف 600 جنيه (38 دولارا) للسائقين، مقابل تعليق الإضراب.
نقص الصيانة
وحسب مراقبين، فإن الفساد والإهمال، ونقص الصيانة أو انعدامها، وقلة عدد السائقين والمساعدين، ومشاكل عدة كبرى تتمثل في ضعف التمويل والأجور، وغياب التطوير ومواكبة العصر، جميعها ظلت مشاكل متراكمة، على مدار سنوات وعقود، لم تتعامل معها الأنظمة والحكومات المصرية المتعاقبة إلا بسياسة العصا والجزرة، تارة تعتقل المضربين، وتارة أخرى تهدد بإحلالهم بعساكر من الجيش، ومرات قليلة تستجيب فيها لمطالبهم، من دون النظر للمنظومة ككل من حيث التطوير والتدريب.
واليوم، لم يعد لهذه التنظيمات النقابية والعمالية، ولا هذه الإضرابات والاحتجاجات المطالبة بحقوق العاملين، مكان في ظل الخلفية العسكرية التي يتمتع بها الفريق كامل الوزير، وزير النقل المصري، الذي اتبع سلوك سابقيه، وتنصل من المسؤولية، بإلقاء اللوم على العامل البشري وبطء التطوير، بادعاء أن تطوير منظومة السكك الحديدية المصرية قائم، لكن وجود عشرات آلاف الرحلات ومئات آلاف الركاب يوميا، تحول دون الإسراع من عملية التطوير.