دقت ساعة التقييم ومراجعة اتفاق الشراكة الاقتصادية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، بعد 15 سنة من دخوله حيز التطبيق بين الطرفين، في وقت تعيش العلاقات بين الجزائر وبروكسل مرحلة غير مسبوقة من التوتر.
فقد أبدى التكتل الأوروبي انزعاجه الكبير من الإجراءات التي اتخذتها الجزائر في ما يتعلق بكبح الواردات، والتي أضرت بالعديد من الدول الأوروبية في مقدمتها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، فيما عبرت الجزائر عن رفضها للتدخل الأوروبي في شأنها الداخلي عبر باب "حقوق الإنسان والحريات" من جهة، واختلال كفتي الميزان التجاري والاستثماري لصالح الضفة الشمالية.
وقال وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقدوم، في السابع من ديسمبر/كانون الأول، إن "هناك إرادة للحوار بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حول اتفاق الشراكة الذي يربط الطرفين منذ 2005 ومراجعته يجب أن توازن بين مصالح الجانبين".
وأضاف في تصريح على هامش ترؤسه مع الممثل السامي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، لأعمال الدورة الـ12 لمجلس الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي أن "المفاوضين الجزائريين واعون بنقائص الاتفاق، خاصة في جانبه التجاري".
وفتح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في شهر آب/أغسطس المنصرم، حيث طلب من وزير التجارة كمال رزيق "الشروع في تقويم الاتفاقيات التجارية متعدّدة الأطراف، لا سيما اتفاق الشراكة مع الاتحاد الذي يجب أن يكون محل عناية خاصة تسمح بترقية مصالحنا من أجل علاقات متوازنة".
وقال الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق، عبد الرحمن بن خالفة، إن "اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي ليس اتفاق "رابح-رابح" كما أريد له أن يكون، وإذا كانت الأرقام تؤكد استفادة الطرف الأوروبي بحكم ضعف الاقتصاد الجزائري الذي خسر قرابة 30 مليار دولار من الاتفاق، فإن مدة 15 سنة تغيرت فيها المعطيات، بداية من ارتفاع عدد الدول الأوروبية المستفيدة من 15 إلى 27 دولة، بالإضافة إلى أن الجزائر سنة 2002 كانت تحتاج إلى شريك إقليمي يخرجها من العزلة الدولية بعد سنوات الإرهاب، اقتصاديا وسياسيا، واليوم تغيرت الأوضاع".
وأضاف المتحدث ذاته لـ"العربي الجديد" أن "الاتفاق فيه بعض النقاط التي تتحفظ عليها الجزائر اليوم، وفي مقدمتها حرية تنقل الأشخاص التي يرفض الاتحاد تفعيلها، بالإضافة للمادة التي تسمح للتكتل الأوروبي بتقييم وضعية حقوق الإنسان في البلاد". ويقضي اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي الذي وقع عليه سنة 2002 ودخل حيز التطبيق سنة 2005، بإنشاء منطقة تبادل حرة بين الطرفين يتم فيها إزالة الحواجز الجمركية من خلال إعفاءات لعدد كبير من السلع.
وفي سنة 2017 طلبت الجزائر رسميا مراجعة الاتفاق، بعدما كشفت الأرقام اختلال كفتي الميزان التجاري، ما يجعلها في موقع الضحية، حيث تكبّدت الجزائر منذ دخول اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في 2005 خسارة كبيرة، بعدما عجزت عن تنفيذ التزاماتها في مجال التصدير للاتحاد الأوروبي والتي اقتصرت على النفط والغاز، حسب البيانات الرسمية.
وصدّرت الجزائر ما قيمته 14 مليار دولار من السلع غير النفطية إلى دول الاتحاد الأوروبي في الفترة الممتدة بين سنتي 2005 و2015، في حين استوردت ما قيمته 220 مليار دولار من أوروبا في الفترة ذاتها، حسب الأرقام الصادرة عن الديوان الجزائري للإحصاء الحكومي.
وتتمثل الخسائر التي تقدرها الجزائر من شراكتها مع أوروبا، في المبالغ التي كانت تستحقها هيئة الجمارك نظير السماح بإدخال سلع أوروبية. وكان الاتحاد الأوروبي قد عبر عن انزعاجه من الجزائر، في العديد من المرات، حيث اشتكى من "رخص الاستيراد" التي أقرتها البلاد، لكبح الواردات بعد تهاوي عائدات النفط، بل واتهم الجزائر بمنح امتيازات غير مبررة للصين على مدار 10 سنوات.
ورأى المستشار الحكومي والخبير المالي عبد الرحمن مبتول أن "الاتحاد الأوروبي يتحفظ بدوره على بعض النقاط في اتفاق الشراكة مع الجزائر ومنها المتعلقة بعقود النفط والاستثمار، كما يجب أن نعترف بأن خسائر الجزائر مردها الوهن، ولذلك لا يمكن أن نحاسب الطرف الآخر على ضعفنا".
وربط مبتول فشل الشراكة الجزائرية مع الاتحاد الأوروبي بعدة نقاط، أهمها القاعدة الاستثمارية 51/49 التي تعد أهم العوائق التي تنفر المستثمرين من السوق الجزائرية كونها تعطي أغلبية الأسهم للشريك الجزائري في المشاريع الاستثمارية، إضافة إلى البيروقراطية، كإلزامية تمويل المشاريع من البنوك الوطنية. ولفت عبد الرحمن مبتول إلى أن "غياب الاستقرار السياسي وضبابية المشهد في البلاد، جعلا الطرف الأوروبي لا يستثمر في مشاريع إنتاجية داخل بلادنا، بل يكتفي بدور الممون عن طريق التصدير".
وطلبت الجزائر، أكثر من مرّة، إعادة التفاوض على اتفاق تعتبر أنه ليس في صالحها. ورأى أستاذ الاقتصاد في جامعة عنابة ناجي خاوة، أن "فتح السوق الجزائرية أمام المنتجات الاستهلاكية الأجنبية لا يمكن أن يبني اقتصادا أقل اعتمادا على النفط ولا أكثر إنتاجية، ولا يؤدي بالتالي إلى تحقيق النمو".