استمع إلى الملخص
- **التوتر الجيوسياسي وتأثيره**: التوترات الجيوسياسية أدت إلى خروج كميات كبيرة من الأموال الساخنة، مما دفع البنك المركزي لرفع سعر الفائدة على أذون الخزانة والسندات للحفاظ على استقرار الجنيه.
- **تحديات النقد الأجنبي**: يواجه الاقتصاد المصري تحديات في توفير النقد الأجنبي، مع زيادة الطلب على الدولار. يدعو الخبراء إلى خفض الواردات وتشجيع الصناعات المحلية وتنشيط السياحة لجذب العملة الصعبة.
عاد الدولار في مصر إلى السوق السوداء، حيث شهد ارتفاعاً بنحو 90 قرشاً بسعر الشراء و180 قرشاً للبيع، عن الأسعار المحددة بالبنك المركزي والبنوك العامة والخاصة.
يتجه الدولار إلى الضغط على الجنيه، في رحلة صعود جديدة، وسط توقعات بارتفاع قيمته تدريجياً بالسوق المصرفية عند حدود متفائلة، ليبلغ 49.50 جنيهاً، تزيد إلى 55 جنيهاً وفقاً لتوقعات متشائمة، بنهاية العام الجاري.
تسبب الضغط المتزايد على طلب الدولار من البنوك، لسداد مستحقات أصحاب الأموال الساخنة خلال الأيام الأخيرة، واستيراد مستلزمات الإنتاج والسلع الحيوية من الخارج، في شح العرض من النقد الأجنبي، بما دفع طالبي الدولار من الشركات والموردين إلى البحث عنه عبر القنوات غير الرسمية.
بلغ سعر الدولار بالبنك المركزي، أمس الأربعاء، 49.30 جنيهاً للشراء و49.43 للبيع. حافظت أغلب البنوك على مستويات السعر المعلن من البنك المركزي، عدا بعض المصارف الخاصة التي رفعت سعر الشراء إلى 49.35 جنيهاً للشراء و49.45 جنيهاً للبيع، بينما وصل دولار الصاغة وتجار الذهب إلى 50.13 جنيهاً.
ضغوط قوية على الجنيه
يؤكد خبراء أن العودة التدريجية للسوق السوداء للعملة ترجع إلى الضغوط القوية التي يتعرض لها الجنيه، على مدار أسبوعين، جراء تمويل البنوك عمليات خروج الأموال الساخنة بقيمة أربعة مليارات دولار، بحثاً عن ملاذ آمن، في ظل تصاعد حالة الحرب بالمنطقة، وعدم خفض البنك الفيدرالي الأميركي معدل الفائدة على الدولار، وارتفاع أسعار الذهب بالبورصات العالمية والصاغة، والهزة الأخيرة التي تعرضت لها أسواق المال العالمية.
أرجع رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بيع المستثمرين الأجانب ما بين 7% و8% من أذون الخزانة والسندات بالجنيه الخميس الماضي، إلى تصاعد المشهد السياسي بالمنطقة وحالة الاضطراب والتراجعات الحادة، التي شهدتها الأسواق العالمية، مؤكداً التزام الحكومة بسعر صرف مرن، ووضع الأموال الساخنة بعيدة عن الاحتياطات الدولية.
جاء ارتفاع الدولار متزامناً مع ارتفاع سعر العائد على أذون الخزانة الحكومية لأول مرة منذ تحرير سعر الصرف 6 مارس/ آذار الماضي، حيث أعلن البنك المركزي، الاثنين الماضي، عن بيع أذون خزانة لأجل 91 و182 و273 و364 يوماً بمعدل فائدة يصل إلى 29.03%، بالتزامن مع موافقة وزارة المالية على عرض أذون خزانة، بمعدل فائدة وصلت إلى 28.33%. أتت الزيادة الجديدة على أسعار الفائدة على أذون الخزانة في إطار التزام حكومي بترك سعر الصرف يتغير وفقاً آليات العرض والطلب.
الدولار والتوتر الجيوسياسي
قال الخبير المصرفي محمد بدرة لـ"العربي الجديد" إن الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد المصري، جراء حالة التوتر الجيوسياسي، والتي تدفع إلى خروج الأموال الساخنة بكميات كبيرة من البنوك، تقدر بنحو أربعة مليارات دولار حتى الآن، جعلت البنك المركزي يتجه إلى رفع سعر الفائدة على أذون الخزانة والسندات، مبيناً أن تلك الضغوط أدت إلى خفض الجنيه مقابل الدولار والعملات الرئيسية، ظهرت بشدة خلال الأسبوع الحالي.
يؤيد بدرة توجه "المركزي" إلى رفع سعر الفائدة بعد خفض قيمة الجنيه، مؤكداً أن تلك التحركات تضمن ألا يستفيد أصحاب الأموال الساخنة مرتين عند الخروج من السوق المحلية، بناء على ارتفاع سعر الصرف وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار، مع الحصول على عوائد الفائدة المرتفعة.
وصف بدرة اتفاق الحكومة مع صندوق النقد على تحرير سعر الصرف وإطلاق آليات السوق لتحديد قيمة الجنيه، بأن ظاهره العذاب، المترتب على تراجع قيمة الجنيه، بينما باطنه الرحمة، حيث يضمن عدم تحرك الأموال الساخنة من السوق المحلية بسرعة، رغبة في الحفاظ على الأرباح التي يجنونها من عوائد الأسهم والسندات وأذون الخزانة، بينما يعزز قيمة الجنيه على المدى المتوسط والبعيد.
يحذر بدرة البنك المركزي من التدخل في سعر الصرف، والتوجه نحو دعم الجنيه، مقابل العملات الأخرى، الأمر الذي يهدر مليارات الدولار التي حصلت عليها الحكومة من عوائد بيع الأصول العامة، وتحويلات المصريين للخارج، والتي تذهب عوائدها إلى المستثمرين بالأموال الساخنة وحملة الدولار، مشيراً إلى ارتكاب البنك المركزي تلك المخالفة ثلاث مرات، منذ عام 2016، أهدرت مليارات الدولار من الاحتياطي النقدي.
يقدر الخبير المصرفي حجم التدفقات المالية الأجنبية في أدوات الدين الحكومي، بنحو 35 مليار دولار، بينما ترصد مؤسسات مالية دولية دخول استثمارات في أدوات الدين الحكومي قصيرة الأجل ما بين 35 ملياراً إلى 40 مليار دولار، عدا حصيلة بيع أرض مدينة رأس الحكمة للصندوق السيادي بدولة الإمارات، بقيمة 35 مليار دولار.
يشير خبراء إلى التأثير السلبي الذي تركه انهيار أسواق الأسهم في البورصات الدولية، بداية أغسطس/ آب الجاري، وتسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، وتصاعد حالة الحرب بين إيران وحزب الله والاحتلال الإسرائيلي، في زيادة حالة التوتر، التي تشهدها أسواق المال، ونشر حالة من الضبابية تدفع إلى تذبذب التعاملات بالبورصة، وارتفاع بأسعار السلع، خاصة المرتبطة بسلاسل التوريد وتتطلب كميات كبيرة من الدولار.
الأموال الساخنة
يدفع خروج الأموال الساخنة باتجاه زيادة سعر الدولار والعملات الرئيسية، منذ الهروب الكبير الذي شهدته البلاد عام 2022، عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أسفرت عن سحب نحو 22 مليار دولار خلال أيام، من الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي والبنوك.
يزيد الطلب على الدولار مع بدء فترة الاستعداد العودة للمدارس والجامعات نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، وبدء رحلات العمرة، الشهر الجاري، والتعاقد على شراء مستلزمات المصانع والإنتاج الزراعي والحيواني، وعودة الأنشطة بالمنشآت التجارية والخدمية، بنهاية موسم الإجازات الصيفية أول سبتمبر المقبل.
يؤكد الخبراء ضرورة خفض الواردات، عبر تشجيع الصناعات المحلية، بما يخفف الضغط على طلب الدولار، ويرفع من قيمة الصادرات للأسواق الدولية، لافتين إلى أهمية وضع ضوابط على التحويلات المالية وفرض رسوم إضافية على التحويلات السريعة لتقليل التأثير الفوري للأموال الساخنة على الأسواق، وتجنب الاعتماد المفرط على تلك الأموال في تمويل الاحتياطي بالبنوك ومشروعات التنمية، لأنها لا توفر أساساً مستداماً للنمو الاقتصادي.
يشير بدرة إلى أن الحكومة لم تعد تملك رفاهية الوقت في مواجهة أزمات النقد الأجنبي، داعياً إلى تنظيم حملات قوية في السوق العربية، لتنشيط حركة السياحة إلى مصر، مستشهداً بتراجع سفر مواطني الخليج إلى تركيا ولبنان وأوروبا خلال الفترة الحالية، لسوء الأوضاع الأمنية أو انتشار الإسلاموفوبيا والتضخم، بما يمكن الدولة من تدبير موارد سهلة وسريعة من العملة الصعبة، تساعدها في الحفاظ على قيمة الجنيه أمام الدولار.
تثبيت سعر الصرف
رصدت مؤسسات مالية قيام البنك المركزي بتثبيت سعر الصرف، لكبح جماح الدولار خلال شهري إبريل/ نيسان الماضي وأغسطس/ آب الجاري، حيث عمل على استقرار الدولار عند 49.20 جنيهاً، في مخالفة لتعهداته المسبقة مع صندوق النقد التي تلزمه بإطلاق حرية سعر الصرف، بعد التخفيض الأخير للجنيه في 6 مارس 2024، بنسبة 40%، واكبتها زيادة سعر الفائدة بنحو 6% دفعة واحدة، لتصل إلى 27.25% لاستعادة زخم الأموال الساخنة، على الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، والاستفادة من العوائد المرتفعة.
تتصدر مصر قائمة أكبر خمس دول بسوق أسعار الفائدة عالمياً، مستهدفة جذب الاستثمارات الأجنبية، التي تُضخ في شراء أذون وسندات مرتبطة بالديون الحكومية وفق تقارير دولية.