بينما حقق المستثمرون في سوق المال الأميركي أكبر العوائد في نهاية العام 2021، فإن أصحاب الثروات ربما سيواجهون مجموعة من التحديات خلال العام المقبل. إذ إن الأسواق تدخل العام الجديد يوم السبت المقبل، وهي غير متيقنة بشأن تداعيات المتحور"أوميكرون"، الذي ينتشر بسرعة فائقة في العالم وربما يهدد بحدوث إغلاقات اقتصادية في الصين وبعض مناطق آسيا.
وحتى الآن هدد الوباء الخدمات السياحية وخدمات الترفيه وصناعة السفر الجوي والتنقل في أميركا وأوروبا مجدداً. وهذه الخدمات عادة ما تنعش الاقتصاد العالمي في الأسبوع الأخير من كل عام.
وحسب بيانات موقع "ستاتسيتا" الذي يرصد أداء أسواق المال، بلغت القيمة السوقية للأسهم الأميركية حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نحو 52.31 تريليون دولار. ويذكر أن مؤشر "أس آند بي 500"، وهو المؤشر الرئيسي لقياس أسهم وول ستريت، قد ينهي العام حول 4793 نقطة، وفقاً لبيانات السوق، صباح أمس الخميس.
وعادة لا تكون هنالك صفقات مؤثرة في مجرى التداولات خلال الأيام الأخيرة من العام، لأن معظم الشركات تكون قد أغلقت مبكراً محافظها الاستثمارية. ويقدر مصرف "بنك أوف أميركا"، في تحليله الأرباح التي سيجنيها المستثمرون من سوق المال الأميركي بنهاية العام، بنحو 20%. من جانبه، يتوقع مصرف "ويلز فارغو" الأميركي أن تنهي "وول ستريت" العام الجاري بأرباح قياسية، ولكن معدل الأرباح سيتراجع في العام المقبل. وتقول الخبيرة الاقتصادية في شركة "نيويورك لايف إنفستمنت" الأميركية للاستثمار لورين غودوين، في تحليل نشرت مقتطفات منه مجلة "فورتشن" المتخصصة بشؤون المال والثروة، إن "مكاسب المستثمرين في بورصة وول ستريت ستكون متواضعة في العام 2022 مقارنة بمستويات العام 2021".
ولكن يلاحظ أن مجلة "فوربس" قدرت أرباحاً كبرى للمستثمرين بنهاية العام بنحو 27%.
وتتفاوت تقديرات الأرباح وفقاً للعمليات الحسابية التي تعتمدها كل مؤسسة أو مصرف. ولا يبدو أن المتحور "أوميكرون" هو وحده الذي يخيف المستثمرين، فهنالك مخاوف من تداعيات تشديد السياسة النقدية، حيث يتجه مجلس الاحتياط الفدرالي نحو رفع سعر الفائدة.
كما أن هنالك عدم اليقين حول توجهات التضخم. ويلاحظ أن الأسواق المالية تعودت على تدفق الأموال الرخيصة خلال السنوات الماضية، وتواجه الآن دورة جديدة من الفائدة المرتفعة المصحوبة بالتضخم، خاصة في الأسواق الناشئة التي تحتاج إلى دولارات لتمويل سندات الديون وتسديد فاتورة الوقود. وبالتالي يلاحظ أن توقعات خبراء المصارف لمسار الأسواق المالية تباينت كثيراً.
ولكن حسب رصد "العربي الجديد"، فإن التفاؤل هيمن على قراءة السوق في العام 2022.
في هذا الشأن، يرى أيد كليسولد، المحلل في مؤسسة "نيد ديفيز" للأبحاث في نيويورك، أن هنالك احتمالاً أن يتباطأ دخل الشركات في الشهور الأولى من العام المقبل، ويدفع تشديد السياسة النقدية إلى تراجع أداء سوق المال الأميركي، قبل أن يسترد السوق أنفاسه لاحقاً خلال العام.
ولكن في المقابل، فإن مجموعات مصرفية كبرى بدت متفائلة بمستقبل الاستثمار في الأسهم الأميركية، من بينها مجموعة "كريدي سويس" المصرفية ومصرف "جي بي مورغان"، التي رفعت من توقعاتها لأداء مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنحو 200 نقطة في نهاية 2022. واستندت هذه المصارف في تفاؤلها إلى السيولة الضخمة المتوفرة لدى المصارف الأميركية الكبرى.
ويتوقع المحلل في مصرف "غولدمان ساكس" ديفيد كوستين أن تواصل الأسهم الأميركية الارتفاع وأن يكسب مؤشر "أس آند بي 500" نحو 9% بنهاية العام ويرتفع إلى 5100 نقطة.
ورغم ذلك، يرى مصرف "جي بي مورغان" أن السوق سيشهد بعض الاضطرابات في الشهور الأولى من العام بسبب الغموض حول مسار النمو الاقتصادي العالمي ومستقبل السيطرة على متحورات كورونا.
ولكن سيكون المحك الرئيسي في العام 2022، حسب مجلة "فوربس"، هو حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحافظ على معدل نمو في حدود 6% وخفض معدل التضخم من مستواه المرتفع الحالي فوق 6.1%. وهذا المعدل هو الأعلى منذ 30 عاماً.
ويرى محللون أن تداعيات "أوميكرون" لن تقف فقط عند خفض معدل النمو ولكنها قد تخلق اختناقات في سلاسل الإمداد العالمية، وبالتالي ترفع من معدل التضخم فوق مستواه الحالي، وتضع مصرف الاحتياط الفدرالي في ورطة حقيقية.
واستفادت سوق المال الأميركية خلال عامي 2020 و2021 من عمليات التحفيز الكمي الضخمة التي ضختها المصارف المركزية العالمية والحكومات في الأسواق، والتي يقدرها مصرف "بنك أوف أميركا" بنحو 30 تريليون دولار حتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويشير محللون إلى ثلاثة عوامل ستخفض أداء السوق خلال العام المقبل إلى جانب الغموض الخاص بالمتحور أوميكرون، وهي بحث المستثمرين عن تحقيق أرباح مرتفعة في أسواق الأسهم الرخيصة، مثل أوروبا وبريطانيا، وتريث المستثمرين في ضخ أموال جديدة بالسوق قبل التأكد من توجهات السياسة النقدية والتداعيات المتوقعة للنمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة في آسيا ودول النمور الآسيوية.