تخوض المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس معركة لفرض العدالة التمويلية بعد أن تسبب شح خطوط التمويل في إقصاء الآلاف منها من سوق العمل والزج بالمستثمرين في دوامة التعثر.
وتطالب المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تشكل نحو 80 بالمائة من النسيج الاقتصادي التونسي بتسهيل النفاذ إلى خطوط التمويل البنكية ورفع العقبات التي تفرضها المؤسسات المالية على الشركات المتعثرة لمساعدتها على استعادة عافيتها والرجوع إلى الدورة الاقتصادية بأقل خسائر ممكنة.
ويشكو صغار المستثمرين من عرقلة البنوك لملفات التمويل وفرض شروط مجحفة على القروض ما يدفع سريعا بالمؤسسات إلى دائرة التعثر في غياب الإسناد المالي.
وكشفت بيانات صادرة عن الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى أن معدل استدامة المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس أصبح لا يتجاوز الـ18 شهرا نتيجة فقدان قدرتها على الصمود في ظل الأزمات المتتالية.
ويقول رئيس الجمعية عبد الرزاق حواص إن المؤسسات الصغرى والمتوسطة محرومة من كل التسهيلات المالية التي يتمتع بها نظراؤهم في دول أخرى، متهما الجهاز المصرفي بالتضييق على المستثمرين وخنقهم.
وأكد حواص في تصريح لـ"العربي الجديد" تحقيق البنوك لمنافع مالية من تعثر المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تحرم من القروض مقابل فرض خطايا على ديونها غير المستخلصة.
وأشار المتحدث إلى غياب الشفافية والعدالة في التصرف بالقروض التي منحها البنك الدولي لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
وقال: "يفترض أن تخصص القروض الممنوحة من البنك الدولي لأكثر المؤسسات تضررا من أجل مساعدتها على العودة إلى النشاط".
وفي فبراير/ شباط الماضي وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي على قرض بقيمة 120 مليون دولار لتونس لتمويل مشروع "مساندة الشركات الصغرى والمتوسطة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي".
وقال البنك الدولي في بلاغ له حينها إن هذا المشروع "يهدف إلى معالجة القيود الرئيسية على السيولة طويلة الأجل التي تواجهها الشركات التونسية من خلال تمويل تسهيلات ائتمانية طويلة الأجل ستقرضها وزارة المالية للمؤسسات المالية المشاركة كي تقرضها بدورها للشركات الصغرى والمتوسطة المؤهلة".
وقال مدير مكتب البنك الدولي في تونس ألكسندر أروبيو: "تلعب تلك الشركات دورا رئيسيا في الاقتصاد التونسي".
ويرى البنك الدولي أن الشركات الصغرى والمتوسطة في تونس تعاني من عدم القدرة الكافية للحصول على التمويل.
ووفقا لمسوح البنك الدولي لأنشطة الأعمال لعام 2020 في تونس، شهدت الشركات الصغرى والمتوسطة تدهورا في قدرتها على الحصول على التمويل على مر السنين.
ويعتبر الحصول على التمويل وفق ذات المصدر عقبة رئيسية بنسبة 21.9 بالمائة من الشركات في عام 2013 مقابل 43.9 بالمائة من الشركات في عام 2020.
وتحصل الشركات الصغرى والمتوسطة التي تتمتع بإمكانية الحصول على التمويل على ائتمان قصير الأجل في الأساس، ويرجع ذلك جزئيا إلى نقص السيولة طويلة الأجل في القطاع المصرفي.
ولا تزال أسواق رأس المال ومؤسسات الإدخار التعاقدي، وهي المصادر الرئيسية للتمويل طويل الأجل في العديد من الأسواق الناشئة، بحاجة إلى التطوير الكامل في تونس، بحسب الممولين الدوليين.
وتتباين الأرقام بشأن عدد المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتحديد مفهومها، حيث تقدر المنظمات المهنية عددها بأكثر من 700 ألف مؤسسة فيما تكشف البيانات الرسمية للسجل الوطني للمؤسسات أن عددها لا يتجاوز 40 ألفا.
ويقول الخبير الاقتصادي خالد النوري، إن تعريف المؤسسة الصغرى والمتوسطة غائب في تونس وهو ما يفسّر تباين الأرقام بشأن العدد الحقيقي لهذا الصنف من الشركات التي تشكّل الجزء الأكبر من النسيج الاقتصادي المحلي.
وأكد النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن غياب التعريف القانوني للمؤسسات الصغرى والمتوسطة يساهم في إقصائها من الحصول على التمويلات البنكية بمختلف أصنافها بينما يدفع صغار المستثمرين إلى استعمال وسائل دفع محفوفة بالمخاطر ومن أبرزها "الشيك".
وأشار الخبير الاقتصادي في سياق متصل إلى أن أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة هم أول ضحايا قانون الشيكات "القاسي"، مؤكدا أن اللجوء إلى الشيك كوسيلة دفع حينية أو مؤجلة سببه عدم قدرة المتعاملين الاقتصاديين على النفاذ إلى التمويلات البنكية وقروض الاستثمار الميسرة.
وأشار المتحدث إلى أن الجهاز المصرفي يحرم المؤسسات الاقتصادية من التمويلات من جانب ويثقل كاهلها بخطايا الشيكات غير المستخلصة من جانب آخر.
وحذر المتحدث من مخاطر انهيار النسيج الاقتصادي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة في غياب عناصر الإسناد لهذه الشركات وتواصل ضعف النمو العام، مؤكدا على ضرورة اعتماد حلول الشيك الإلكتروني، وإصلاح نظام الوصول إلى التمويل المنظم ومراجعة اللوائح المتعلقة بالتحويلات والبطاقات المصرفية.
وفي فبراير/ شباط الماضي قال البنك الدولي إن دعمه للمشاريع الصغرى والمتوسطة سيكون بالتعاون مع شركاء آخرين، ولا سيما الوكالة الفرنسيّة للتنمية والبنك الأوروبي للاستثمار، اللذان يعتزمان منح تسهيلات ائتمانية مماثلة بحلول الصيف، مع مراعاة تقييم تمهيدي مُرض وموافقة مجلس إدارتهما.
في المقابل، لم يخصص قانون المالية أي إجراءات دعم لفائدة المؤسسات الاقتصادية المتعثرة لكن وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي سمير سعيد، قال إن سنة 2023 ستكون صعبة على التونسيين ونسبة النمو العام للاقتصاد لن تتجاوز 1.8 بالمائة.
وتوصلت تونس، التي تعاني أسوأ أزمة مالية تقول مؤسسات تصنيف ائتماني إنها تهدد بتخلف البلاد عن سداد ديونها، العام الماضي، إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد حول قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، غير أن الاتفاق النهائي لا يزال متعثرا.
تعول تونس بشدة على هذا الاتفاق لتعبئة مواردها المالية لهذا العام، إذ سبق لمحافظ البنك المركزي مروان العباسي، التأكيد على أن "الوضع سيكون صعبا إذا لم تتوصل
تونس إلى اتفاق مع الصندوق".
وتطاول الصعوبات المالية أيضا البنك الحكومي الوحيد المتخصص في مرافقة باعثي المشاريع الصغرى والمتوسطة بعد مرور نحو 19 عاما على تأسيسه.
تتباين الأرقام بشأن عدد المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتحديد مفهومها، حيث تقدر المنظمات المهنية عددها بأكثر من 700 ألف مؤسسة
ويعد بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة الذراع المالية الأساسية إذ عوّلت عليه الدولة منذ إنشائه سنة 2005 لمساعدة النسيج الاقتصادي الصاعد على إيجاد التمويلات الكافية ومرافقة صغار المستثمرين.
غير أن دور هذا البنك تراجع في ظل نقص الاعتمادات العمومية وعدم تجديد خطوط تمويل ميزانيته ونضوب التمويلات الخارجية إلى جانب تعطل برامجه الاستثمارية.
يعيش بنك تمويل المؤسّسات الصغرى والمتوسطة، حاليا، وضعا صعبا حيث استنفدت المؤسّسة البنكيّة رأس مالها بالكامل ولم تتم زيادة رأس مال البنك منذ سنة 2015 في حين أن قانون المالية التكميلي للسنة ذاتها نص على رفعه بـ100 مليون دينار.
وحسب القانون البنكي فإنّ بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسط هو بنك تنمية شامل يختلف عن البنك التجاري، على اعتبار أنّه يتحمل الكثير من المخاطر من خلال تمويل 80 بالمائة من عمليّات إحداث المشاريع و20 بالمائة من مشاريع التوسعة.
ويقوم البنك بتمويل المؤسسات وخاصة الصغرى والمتوسطة منها دون فرض نسب فائدة على القروض حيث تخصص 65 بالمائة من محفظة البنك لفائدة المشاريع المحدثة في مناطق التنمية الجهوية.
وحسب دراسات صادرة عن مؤسسة التمويل، فإنّ أكثر من 50 بالمائة من مطالب الباعثين تتمثل في تمويل رأس المال في حين أن باقي المطالب تتعلق بقروض للاستثمار.
يوفر بنك تمويل المؤسّسات الصغرى والمتوسطة خدمة خصوصيّة تتعلّق بالقرض التشاركي لمدة تتراوح بين 8 إلى 10 سنوات دون فائدة مع فترة إمهال تقدر بـ3 سنوات. ويمكن هذا القرض من تدعيم الموارد الذاتية للباعثين والتقليص من المخاطر.