دعا خبراء اقتصاديون مصريون وقادة أحزاب وناشطون، الحكومة والبرلمان، إلى التراجع عن تمرير تعديل قانون هيئة قناة السويس رقم 30 لسنة 1975، بما يسمح للحكومة بإنشاء صندوق خاص للتصرف في أموال وأصول القناة بالاستثمار والتأجير والبيع. واعتبر البعض أن هذا الإجراء يهدر المال العام، فيما وصفه البعض الآخر بأنه يفتح ثقباً أسود جديداً في الموازنة العامة.
وحذر المركز المصري للدراسات الاقتصادية الذي يضم نخبة من رجال الأعمال الليبراليين والتكنوقراط، الداعمين لحرية السوق، من خطورة الصناديق الخاصة في ما يتعلق بهدر موارد المالية العامة التي تدار بمعزل عن سلطة الشعب والبرلمان، ومخططات الدولة.
ودعا خبراء المركز في بيان الحكومة إلى التوقف عن إطلاق "صندوق قناة السويس" مشيرين إلى أن الصندوق سيكون وضعه شبيها بهيئة المجتمعات العمرانية، التي خرجت بفوائضها بالكامل من الموازنة العامة، لتنفق على المدن الجديدة، وفقا لأهداف تقع بمعزل عن مخطط الدولة ككل.
وأبدى الخبراء دهشتهم من إصرار الحكومة على المشروع، رغم أن الإطار القانوني لهيئة قناة السويس، يتيح لها نفس الأدوات ومرونة الحركة التي ينص عليها مشروع القانون الجديد، بما يدخل الدولة في مشكلة إيجاد صناديق جديدة بكل ما فيها من عدم شفافية في التعامل، بما يتناقض مع شعارات تحقيق إصلاح مالي تجري خلاله متابعة للإنفاق بكل أنواعه، أيا كان اتجاهه للسيطرة على العجز المزمن في الموازنة.
وأشار التقرير إلى أن توجيه نسبة غير محددة من فوائض ميزانية الهيئة للصندوق المقترح، يعني عمليا انخفاض الموارد المالية التي تؤول للموازنة العامة للدولة سنويا من فوائض الهيئة، لاسيما أن تلك النسبة غير محددة بمشروع القانون، في توقيت يوجد به تباطؤ بجميع الأنشطة الإنتاجية، مع حاجة كبيرة لزيادة الإنفاق على بنود أساسية، مثل التعليم والصحة، وتوفير سلع استراتيجية.
وتساءل الخبراء في التقرير الذي تشرف عليه الدكتورة عبلة عبد اللطيف المديرة التنفيذية للمركز وأستاذة الاقتصاد بالجامعة الأميركية: "من أين ستأتي الموارد البديلة للموازنة، ونحن في مرحلة التحرك البطيء في إصلاح الاقتصاد الحقيقي المنوطة به في الأساس زيادة الإنتاج والتصدير والتشغيل، والدخل الضريبي الصحي لن يأتي مع زيادة دخول المتعاملين وأرباحهم وليس بضغط مصلحة الضرائب على نفس الممولين الملتزمين".
وطالب الخبراء الحكومة بأن تدرس تصرفاتها في ضوء التكلفة والعائد للسياسات بأنواعها قبل إصدارها، حتى لا تفاجأ بتأثيرات سلبية غير متوقعة، مؤكدين أن ما تحتاجه مصر حاليا هو إصلاح مؤسسي وهيكلي في الاقتصاد الحقيقي. وأشار تقرير الخبراء إلى أن قناة السويس ساهمت في الموازنة العامة على مدى سنوات عديدة، بنحو 23.5 مليار جنيه سنويا خلال الفترة من 2012|2011 إلى 2022|2023، بما يقدر بنحو 3 في المائة من الإيرادات العامة للموازنة سنويا.
في السياق ذاته، أصدر حزب التجمع التقدمي اليساري بيانا أعلن رفضه تعديل قانون هيئة قناة السويس، بتغيير المادة 15، التي تتضمن إنشاء صندوق خاص بالهيئة. وأعلن سيد عبد العال رئيس الحزب وعضو مجلس الشيوخ، أن الصناديق الخاصة يساء استغلالها وفقا لإرادة القائمين عليها، بما يبعدها عن قواعد الشفافية والإفصاح، خاصة أن الصندوق المقترح ستخضع أمواله لرقابة وزير المالية ورئيسه.
وحذر الحزب من الاعتماد على حسن نوايا المسؤولين، مشيرا إلى أن بعض الوزراء يتجهون إلى تصفية الشركات العامة، دون رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات والحوار المجتمعي والالتزام بالدستور.
ووصف عاطف المغاوري رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع المشروع بأنه "تشوه تشريعي" لا يليق بمرفق قناة السويس، ويفتح "مغارة علي بابا" – في إشارة إلى بوابات الفساد في إنفاق المال العام- المسماة بالصناديق الخاصة، لإفساد مرفق يجسد نضال الشعب المصري. وأيد محمد عبد العليم رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد الليبرالي، رؤية التجمع، مشددا على ضرورة حماية قناة السويس من الخصخصة.
كذا، أصدرت الحركة المدنية الديمقراطية بيانا أكدت فيه رفضها القاطع لإنشاء صندوق خاص لهيئة قناة السويس، اعتبرته مهددا لسيادة مصر على مواردها الاستراتيجية، ومهددا لأمنها القومي، في وقت تتجه الحكومة، ضد الإرادة الشعبية بالتخلص من الأصول العامة الاستراتيجية، لمواجهة أزمة اقتصادية خانقة تسببت فيها سياسات حكومية نفذتها على مدار السنوات الماضية، دون الالتفات إلى آراء الخبراء والمعارضة.
وكانت حركة الاشتراكيين الثوريين المصرية، أصدرت بيانًا أعلنت من خلاله رفضها لما وصفته بـ"خصخصة قناة السويس". وقالت الحركة في بيانها إنه "بعد أيام قليلة من إبرام النظام لاتفاق جديد لا تزال بنوده سرية مع صندوق النقد الدولي، يتمادى النظام في سياسات الخصخصة إلى حد لم يتخيله حتى أكثر المتشائمين، ليصل إلى محطة قناة السويس التي حفرها مئات الآلاف من المصريين بدمائهم".