عاد اقتصاد جنوب تونس للتنفس مجددا، عقب إعادة فتح التجارة عبر المعابر الحدودية مع ليبيا بعد 8 أشهر من غلقها وتعثّر عمليات التصدير بين البلدين في أكثر من مناسبة لأسباب لوجستية وأخرى أمنية.
والسبت الماضي أشرف رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، على إعادة فتح معبر رأس الجدير الحدودي أمام حركة السلع والأشخاص من الجانبين عقب اتفاق ثنائي مع السلطات الليبية يقضى باحترام برتوكول صحي خوفا من مزيد من تفشي فيروس كورونا في البلدين.
وخلال 48 ساعة الأولى التي تلت فتح معبري رأس الجدير والذهيبة وازن لم تسجّل البوابات الحدودية حركة كبيرة من الجانبين وسط توقّعات أن تستعيد المعابر دورها الرئيسي في التجارة البينية خلال الأسابيع القادمة بعد ترتيبات لوجستية لم يتعوّد عليها التجار بعد.
وحسب بيانات رسمية للجمارك التونسية سجّلت الـ24 ساعة الأولى التي تلت فتح المعبر دخول 134 عربة فقط من بينها 94 عربة ليبية دخلت التراب التونسي عبر بوابة رأس الجدير فيما عبرت 37 عربة تونسية نحو التراب الليبي.
وقال الناطق الرسمي باسم الجمارك التونسية، العميد هيثم زناد، إن الحركة على المعابر بدت بطيئة خلال الـ48 ساعة التي تلت فتح المعابر، مشيرا إلى أنها لم تتجاوز 120 سيارة خلال اليوم الثاني مرجحا عودة تدريجية لحركة السلع والأفراد في غضون أسابيع.
وأفاد الناطق الرسمي باسم الجمارك في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن معدل العبور اليومي في الفترات العادية على معبر رأس الجدير يفوق الألف عربة، غير أن الأوضاع الأمنية في ليبيا وشحّ السلع في بعض الأحيان أثر على التجارة البينية بين البلدين وفق قوله.
وتخطط السلطات التونسية إلى ضخ دماء جديدة في العلاقات التجارية مع طرابلس واستعادة السلع المحلية لموقعها في السوق الليبية بعد تضررها من تعثّر الحركة على المعابر ومنافسة السلع التركية لها.
وقال رئيس الحكومة هشام المشيشي، بمناسبة إشرافه على إعادة فتح معبر رأس الجدير الحدودي، إن بلاده ستعمل على تسهيل حركة الأفراد والسلع بين البلدين مع تطبيق صارم للبروتوكولات الصحية، مؤكدا أن غلق المعابر لا يخدم مصالح البلدين.
وفي مارس/ آذار 2020، أعلنت الحكومة التونسية الإغلاق العام لمحاولة احتواء تفشي الفيروس. وفي ذلك الشهر نفسه، أغلقت تونس حدودها.
وتسببت جائحة كورونا وتصاعد النزاع في ليبيا بشلل في اقتصاد جنوب شرق تونس. وقال رئيس السلطة المحلية بمدينة بن قردان الحدودية، فتحي العبعاب، إن التجار في منطقة بن قردان استبشروا بإعادة فتح المعابر، مشيرا إلى أن هذا القرار يعيد ضخ الدماء في شريان اقتصادي حيوي لكامل الجنوب الذي تضرر من واقع التجارة البينية وتسبب في بقاء الآلاف من العائلات دون موارد رزق.
وأكد العبعاب في تصريح لـ"العربي الجديد" أن وتيرة الحركة التجارية عادت ببطء بسبب الإجراءات الصحية الصارمة التي حددها البروتوكول الصحي، ومنها إجراء تحاليل "بي سي آر" لإثبات السلامة من عدوى الفيروس.
وأشار إلى أن التجار يدخلون إلى المدن الليبية للتزود بالسلع يوميا وهو ما يقتضي إجراءهم تحاليل يومية، معتبرا أن الأمر في غاية الصعوبة عمليا.
لكنه قال إن إعادة فتح البوابات الحدودية تذلل صعوبات كبيرة أمام التجار في المنطقة وتعيد تنشيط الحركة التجارية التي يمتد أثرها إلى كافة محافظات البلاد. ويُعَدّ المعبر الحدودي في مدينة بن قردان الرئة الاقتصادية للجنوب التونسي، ويسيّر المعبر كل العمليات التجارية مع البلدين.
وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، بلغت الصادرات التونسية نحو السوق الليبية 611 مليون دينار تونسي (الدولار = 2.75 دينار) مقابل واردات تقدَّر بـ 111 مليون دينار، وبلغت الصادرات 755 مليون دينار خلال الفترة ذاتها من عام 2019، بحسب بيانات رسمية لمعهد الإحصاء التونسي الحكومي.
وتمثل ليبيا أهم سوق تصديرية لمنتجات الزراعة التونسية، حيث تستأثر هذه السوق بنحو 60 بالمائة من منتجات الفواكه الفصلية. وقال الباحث الاقتصادي، حمزة المؤدب، إن التجارة الثنائية بين البلدين أمر لازم لكفاف اقتصاد الجنوب تحديداً، مؤكدا وجود حاجة إلى نوع من تنظيم النشاطات.
وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تونس، على الرغم من كل مشاغلها الأمنية، لا تستطيع تحمّل إغلاق حدودها مع ليبيا لأن ذلك يقوّض اقتصادها، ما يؤدي بدوره إلى اضطرابات اجتماعية.
ولا يعد فتح الحدود بين تونس وليبيا موردا لكسب تجار الجنوب فقط، إذ تعلّق قطاعات عدة آمالها على تدفق الليبيين ولا سيما القطاع الصحي الذي فقد نحو 80 بالمائة من عملائه نتيجة غلق الحدود مع ليبيا والجزائر.
وكشفت نتائج دراسة قامت بها "التونسية للصحة" وهي هيكل يجمع مؤسسات تونسية ناشطة في سلاسل القيمة لقطاع الصحة بشأن تأثيرات أزمة كورونا على المصحات الخاصة، أن 97 بالمائة من المصحات الخاصة باتت تعمل بخسارة ولم تعد قادرة على تغطية تكاليف الاستغلال.
وقال رئيس الغرفة الوطنية النقابية للمصحات الخاصة، بوبكر زخامة، إن الجائحة الصحية هبطت بـ80 بالمائة من رقم معاملات المصحات. وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن إغلاق الحدود مع ليبيا الجزائر نتج عنه غياب المرضى الأجانب. وبين أن 80 بالمائة من مرضى مصحات محافظة صفاقس من الليبيين.