استمع إلى الملخص
- تساهم الأحداث الرياضية الكبرى بشكل كبير في الاقتصاد المحلي، حيث توفر فرص عمل وتزيد العوائد السياحية، مما يدفع المدن للتنافس على استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى لتعزيز العوائد الاقتصادية.
- تعاني مصر من قيود على حضور الجماهير للمباريات، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني، بينما تتنافس دول مثل السعودية والإمارات على استضافة البطولات لتحقيق الفوائد الاقتصادية.
شهدت مدينة نيو أورليانز بولاية لويزيانا الأميركية حادث دهس مواطن أميركي حشداً من المحتفلين برأس السنة الميلادية في الحي الفرنسي، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة أكثر من 30، خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العام الجديد. وترتب على الحادث، ضمن أشياء أخرى بالطبع، تأجيل مباراة كرة القدم الأميركية "شوغر بول" حتى اليوم التالي، للتأكد من توفير التأمين المطلوب لإقامة المباراة.
اعتبر تأجيل مباراة في دوري كرة القدم الأميركية للمحترفين (NFL) بسبب تهديد إرهابي حدثاً غير مسبوق في عالم الرياضة الأميركية. ولم يكن التأثير مقتصراً على الجمهور واللاعبين فحسب، بل امتد ليشمل قطاع الأعمال الضخم الذي يُطلق عليه "بيزنس الرياضة" في الاقتصاد الأكبر في العالم. وأثار الحادث وتبعاته تساؤلات حول مدى أهمية صناعة الرياضة للاقتصاد الأميركي، وكيف يمكن أن تؤثر التحديات غير المتوقعة عليها.
والرياضة في الولايات المتحدة ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل هي صناعة تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات سنوياً. ووفقاً لتقرير صادر عن موقع ستاتيستا Statista الإحصائي، بلغت القيمة الإجمالية لصناعة الرياضة الأميركية في عام 2024، حوالي 152 مليار دولار، أي ما يقرب من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الكويت، تشمل التذاكر، والرعاية، والبث التلفزيوني، والبضائع. ويعد هذا الرقم مؤشراً واضحاً على مدى مساهمة الرياضة في الاقتصاد الوطني، حيث توفر فرص عمل لملايين الأميركيين، وتدعم الصناعات المرتبطة بها، كالإعلام، والسفر، والضيافة.
وكشفت مباراة كرة القدم التي تم تأجيلها النقاب عن مدى ترابط هذه الصناعة مع القطاعات الأخرى، إذ تشير البيانات إلى أن الأحداث الرياضية الكبرى مثل مباريات دوري كرة القدم الأميركية للمحترفين (NFL) ودوري كرة السلة للمحترفين (NBA) تدر عوائد هائلة على المدن المضيفة. وعلى سبيل المثال، فإن مباراة "السوبر بول" الأخيرة، وهي المباراة النهائية في دوري كرة القدم الأميركية، التي أُقيمت في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، ساهمت بنحو 500 مليون دولار في الاقتصاد المحلي، وفقاً لتقديرات موقع Visit Phoenix.
وإلى جانب العوائد المباشرة، توفر صناعة الرياضة فرص عمل ضخمة، إذ تشير إحصاءات مكتب العمل التابع لوزارة العمل الأميركية إلى أن أكثر من 2.5 مليون أميركي يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر في قطاعات متصلة بالرياضة. ويشمل ذلك الوظائف في تنظيم الفعاليات، والبث التلفزيوني، والتسويق، والضيافة.
وتعد الرياضة أيضاً محركاً رئيسياً للسياحة، فالمدن التي تستضيف فعاليات كبرى تشهد زيادة كبيرة في أعداد الزوار، وهو ما يُترجم إلى عوائد إضافية من الضرائب المحلية، فضلاً عن زيادة مداخيل العاملين في قطاعات الضيافة والخدمات التابعة لها في تلك المدن. ويُقدر أنّ مدينة ميامي حققت حوالى 350 مليون دولار من استضافتها نهائيات دوري كرة السلة للمحترفين في عام 2023، وهو ما تسبب في تنافس العديد من المدن الأميركية الكبرى لاستضافة الأحداث الرياضية الهامة في البلاد. وتنظم الولايات المتحدة العام الحالي كأس العالم للأندية في كرة القدم في شكلها الجديد، بمشاركة 32 فريقاً، بينما تستعد، بالتنسيق مع كندا والمكسيك، لاستضافة كأس العالم لكرة القدم للمنتخبات عام 2026. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة الأبحاث والمحاسبة PwC، بلغت عوائد البث الرياضي في الولايات المتحدة حوالي 22 مليار دولار في عام 2024.
وعلى الرغم من كل تلك المزايا الاقتصادية، التي تعرفها السلطات المصرية وجيش المستشارين الناصحين لها بالتأكيد، استمرت مصر في فرض قيود كبيرة على حضور الجماهير لمباريات كرة القدم، وهي الرياضة الشعبية الأولى، وربما الوحيدة، في مصر. وعلى الرغم من تخفيف السلطات المصرية بعض القيود خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه من الواضح أن الاعتبارات الأمنية طغت على المصالح الاقتصادية الوطنية، ومتطلبات تنمية الاقتصاد وتشغيل العاطلين في البلاد، إذ لا يُسمح بحضور الجماهير في مصر للمباريات إلا بأعداد محددة، تزيد في المناسبات الدولية الكبرى بعض الشيء، وتحت رقابة أمنية مشددة.
تُعرف الأنظمة الديكتاتورية بتقديم أولويات أمنها وبقائها على حساب تحقيق المكاسب التنموية والاقتصادية لبلدانها، مما يؤدي إلى إهدار موارد وطنية ثمينة، وهذا الأمر لا يقتصر على التضحية بالعوائد الاقتصادية للسماح للجماهير بحضور المباريات الرياضية.
وبينما تتعنت السلطات في مصر في منع الحضور الجماهيري، ويؤثر غياب الجماهير بشكل كبير على الأندية المصرية ماليًا ومعنويًا، حيث تعتمد الأندية على عائدات بيع التذاكر ودعم المشجعين، بالإضافة إلى نسب البث التي تحصل عليها، تتنافس السعودية والإمارات على تنظيم نهائيات البطولات المصرية لتحقيق الاستفادة الاقتصادية التي تنتج من تلك المباريات الهامة، حتى بعد تخصيص جوائز ضخمة وتعويض الأندية المشاركة مادياً بصورة جيدة.
تُعرف الأنظمة الديكتاتورية بتقديم أولويات أمنها وبقائها على حساب تحقيق المكاسب التنموية والاقتصادية لبلدانها، مما يؤدي إلى إهدار موارد وطنية ثمينة، وهذا الأمر لا يقتصر على التضحية بالعوائد الاقتصادية للسماح للجماهير بحضور المباريات الرياضية. فالنظام الذي يستخدم استراتيجية شراء الشرعية الدولية من خلال عقد صفقات تسليح ضخمة مع الدول الأوروبية، رغم أن البلاد ليست في حاجة إلى هذه الأسلحة من الناحية الدفاعية، يضيع على بلده مليارات الدولارات التي كان يمكن استثمارها في تحسين البنية التحتية، والتعليم، والصحة. وعلى الجانب الآخر، ترى هؤلاء الحكام يسارعون إلى التنازل عن جزر وأنهار وأراض وشركات حيوية، بصورة تهدد الأمن القومي، وتضع أصول الدولة تحت سيطرة خارجية، في مثال صارخ على تضحية النظام بمصالحه الاستراتيجية مقابل الحصول على دعم سياسي واقتصادي مؤقت.
الرياضة في الولايات المتحدة ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل هي صناعة تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات سنوياً.
منع الجماهير المصرية من حضور المباريات الرياضية يضيع على الاقتصاد المصري مليارات الجنيهات كلّ عام، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات مالية واقتصادية متلاحقة. وتلفت الإشارة إلى تقارب حجم اقتصاد الكويت وبيزنس الرياضة في الولايات المتحدة النظر إلى أن ما كان يمكن تحقيقه من غزو العراق لدولة مثل الكويت قبل أكثر من ثلاثة عقود أصبح من الممكن تحقيقه حالياً من خلال نقل المباريات الهامة، والحفلات الفنية، والمعارض الضخمة، من مصر إلى السعودية والإمارات، لكن، كما يقول المصريون، فإنّ "القانون لا يحمي المغفلين".