يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة، خلال الفترة الأخيرة، أجواء حصارٍ إسرائيلي غير مسبوقة منذ فرضه لأول مرة عام 2007، نتيجة التحكم في إدخال الشاحنات المحملة بالبضائع عند معبر كرم أبو سالم التجاري الواقع أقصى شرق جنوبيّ القطاع، والذي يشكل المنفذ الرئيسي للحركة التجارية.
ومنذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة في 21 مايو/ أيار الماضي، أبقى الاحتلال على الكثير من القيود التي فرضها، عبر منع إدخال مواد البناء والمواد الخام والأجهزة الكهربائية والهواتف الخلوية والسيارات ومواد الصناعات الخشبية والألومنيوم والحديد والصلب. وتراجع عدد الشاحنات الواردة إلى القطاع كثيراً خلال الشهر الأخير، مقارنة بالفترة التي سبقت العدوان.
في الأثناء، يقول المدير العام للمعابر والتجارة بوزارة الاقتصاد في غزة، رامي أبو الريش، إنّ الاحتلال يحظر إدخال المواد الخام بمختلف أصنافها، ويمنع إدخال المصنوعات الخشبية والبلاستيكية والألومنيوم والزجاج وقطع غيار السيارات والسيارات الحديثة.
ويوضح أبو الريش لـ "العربي الجديد" أنّ الاحتلال يسمح فقط بإدخال 30 في المائة من البضائع التي كان في السابق يسمح بإدخالها، فيما يعرقل إدخال 70 في المائة تحت ذرائع وأسباب عدة، ما ينعكس سلباً على المشهد الاقتصادي.
ويشير إلى أنّ أقصى عدد من الشاحنات التجارية سمح الاحتلال بإدخاله عبر المعبر التجاري هو 330 شاحنة، في الوقت الذي كان يسمح في السابق بإدخال ما نسبته 400 إلى 500 شاحنة من مختلف أصناف المواد، بما في ذلك مواد البناء التي يرفض إدخالها حالياً.
وحسب المسؤول الحكومي، إنّ الإجراءات الإسرائيلية الحالية المتخذة على معبر كرم أبو سالم تكبد التجار الفلسطينيين خسائر مالية كبيرة؛ نظراً لدفعهم "أرضيات" مقابل بقاء الحاويات لدى الاحتلال (بدلٌ مالي عن ركنها)، فيما يلجأ البعض الآخر إلى تسويقها في أسواق الضفة بمبالغ أقل للحصول على السيولة النقدية.
ولا يمتلك القطاع إلّا معبر كرم أبو سالم كمنفذ تجاري مع الأراضي المحتلة، بعدما أغلق الاحتلال المعابر التجارية الثلاثة التي كانت تمثل العصب الأساسي للاقتصاد المحلي، إذ أزال في عام 2007 معبر صوفا، الذي كان مجهزاً لدخول مواد البناء.
وبعد نحو ثلاث سنوات أغلق معبر الشجاعية، الذي كان مخصصاً لنقل مشتقات الوقود، ومع مطلع عام 2012 دمر الاحتلال معبر المنطار، الذي كان يعتبر من أكبر المعابر التجارية المجهزة لدخول مختلف البضائع.
القطاعات الإنشائية والقطاعات المساندة لها توقفت بالكامل بفعل القرار الإسرائيلي بمنع إدخال هذه المواد عبر معبر كرم أبو سالم التجاري ضمن عقوباته
بدوره يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة غزة التجارية، ماهر الطبّاع، إنّ متوسط عدد الشاحنات قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة كان يراوح ما بين 9 إلى 10 آلاف شاحنة شهرياً، لكنّه في الشهرين الأخيرين يراوح ما بين 3000 و3500 شاحنة.
ويؤكد الطبّاع في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ التراجع يصل إلى قرابة 70 في المائة على صعيد أعداد الشاحنات وحتى الأصناف التي يسمح لها بالمرور والوصول إلى القطاع، ما أسهم في توقف بعض القطاعات كلياً أو جزئياً.
وحسب المسؤول في غرفة غزة التجارية، فإنّ القطاعات الإنشائية والقطاعات المساندة لها مثل معامل "البلوك" و"الباطون" توقفت بالكامل بفعل القرار الإسرائيلي القاضي بمنع إدخال هذه المواد عبر معبر كرم أبو سالم التجاري ضمن عقوباته المفروضة.
ويشير الطبّاع إلى أنّ القطاع الإنشائي توقف بنسبة 100 في المائة، فيما تضررت بعض القطاعات بنسبة تصل إلى 70 في المائة مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات نتيجة منع وصول أجهزة الحواسيب والطابعات، في الوقت الذي تعمل فيه بقية القطاعات بنسبة لا تتجاوز 50 في المائة.
واستمرار القيود الإسرائيلية سيدفع القطاع نحو انهيار كامل، في ظل انعدام مقومات الصمود نتيجة استمرار الحصار للعام الخامس عشر على التوالي والنتائج المترتبة عن الحروب الأربع وجولات التصعيد العسكري، وفق الطبّاع.
ومنذ انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير تلاعب الاحتلال بكميات البضائع والأصناف المدخلة إلى القطاع، عبر وقف إدخال الوقود في بعض الأحيان، ثم السماح بإدخاله ووقف التصدير بشروط تعجيزية للتجار الفلسطينيين ثم إعادته بتدخلات أممية.
رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في غزة: ما يجري حالياً حرب اقتصادية مستمرة على القطاع، تستهدف إنهاك ما بقي من القطاع الاقتصادي
من جانبه، يعتبر رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في غزة، علي الحايك، أنّ ما يجري حالياً حرب اقتصادية مستمرة على القطاع، تستهدف إنهاك ما بقي من القطاع الاقتصادي عبر منع إدخال المواد الخاصة بالقطاع الصناعي وعرقلة إدخال المواد الخام.
ويقول الحايك لـ "العربي الجديد" إنّ هناك مئات السيارات المستوردة التي يمنع الاحتلال إدخالها عبر حجزها بالرغم من إتمامها مختلف الإجراءات، ما يكبّد الموردين خسائر مالية كبيرة، فضلاً عن حجز عشرات الحاويات المحملة بالبضائع في معبر كرم أبو سالم، إلى جانب منع دخول التجار ورجال الأعمال إلى الأراضي المحتلة.
ويؤكد الحايك أنّ حجز البضائع أدى إلى تلف بعضها، وأرهق الموردين مالياً من خلال المبالغ المالية الكبيرة التي يدفعونها سواء كـ"أرضيات"، أو بنقل البضائع إلى مخازن خاصة داخل الأراضي المحتلة، إلى حين السماح بمرورها إلى القطاع.