استمع إلى الملخص
- ظهور عصابات مسلحة تسرق المساعدات تحت غطاء القوات الإسرائيلية، مما يزيد من الأزمة الإنسانية عبر إعادة بيع المساعدات بأسعار مرتفعة، ويؤثر سلباً على السكان المعتمدين على المساعدات الدولية.
- ارتفاع أسعار السلع الأساسية أدى إلى تدهور الأمن الغذائي وانتشار سوء التغذية، مما جعل غزة من أكثر الأماكن غلاءً في العالم وزاد من حدة الأزمة الإنسانية.
منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، استخدم الاحتلال الإسرائيلي المجاعة والتجويع بمثابة سلاح للضغط على نحو 2.4 مليون نسمة إلى جانب القصف الجوي والمدفعي والعمليات البرية على الأرض، وتحكم في حركة الواردات ومنع إدخال مئات السلع والمواد الغذائية للسكان.
ومع تطور الحرب الإسرائيلية ودخول عامها الثاني طور الاحتلال من أدوات وأساليب هذه الحرب لتصبح أداة ضغط يستخدمها ضد فصائل المقاومة الفلسطينية ورقة في إطار مفاوضات التبادل المتعثرة من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2023، حيث لا يسمح بإدخال غالبية السلع الأساسية ويعرقل إدخال المساعدات وعملية التوزيع.
وفي بداية الحرب على غزة كان الاحتلال يتحكم في الشاحنات الواردة للقطاع من خلال تفتيشها عبر معبر العوجا ثم إدخالها عبر معبري كرم أبو سالم أو رفح البري مع غزة، وبعد العملية البرية في مايو/أيار 2024 الماضي، اعتمد الاحتلال آليات جديدة لخنق القطاع والتحكم بحركة السلع الواردة للسكان.
وفي موزاة ذلك، يسمح الاحتلال لبعض التجار في القطاع بإدخال سلع غير أساسية يغرق من خلالها الأسواق بها، مثل المشروبات الغازية والتي تعرض بمبالغ مالية تزيد عن أسعارها الطبيعية بـ 10 أضعاف فضلاً عن عدم إدخال سلع أساسية مثل الخضروات واللحوم والدواجن والفواكه وغيرها من الأصناف التي يحتاجها الأهالي في غزة.
الاحتلال غطاء لعصابات تسرق المساعدات
إلى جانب ذلك، توفر القوات الإسرائيلية العاملة في المناطق الشرقية لرفح وقرب المعابر الحدودية غطاء أصبح ظاهراً للعصابات والمجموعات المسلحة التي تقوم بسرقة هذه المساعدات من الشاحنات والتعدي على السائقين خلال عملية نقلها بالذات في المناطق الجنوبية بما يحرم السكان منها.
وتعمل هذه المجموعات على سرقة المساعدات والشاحنات تحت غطاء الاحتلال الإسرائيلي ومن ثم إعادة بيعها في الأسواق بأسعار مرتفعة للغاية تزيد عن أسعارها المعتادة وسط تفشي الفقر والبطالة بنسبة تقترب من 90% فضلاً عن اعتماد جميع السكان على المساعدات التي تقدمها الجهات الدولية مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
وتكررت في الشهور الماضية سرقة عشرات الشاحنات خلال سلوكها مسارها المعتاد على طريق صلاح الدين جنوب شرق مدينة رفح من قبل هذه المجموعات المسلحة التي ظهرت خلال حرب الإبادة نتيجة لغياب الأجهزة الأمنية وعمليات الاستهداف الدائم لطواقم التأمين التي تم تشكيلها خلال الشهور الماضية.
وعلى مدار حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة للعام الثاني على التوالي لجأت الجهات الأمنية في القطاع لعدة أساليب من أجل حماية الشاحنات التجارية والمساعدات كان من أبرزها حمايتها بالطرق المعتادة، ومع تكرار عمليات القصف والاغتيال للكوادر الشرطية، اتجهت الفصائل الفلسطينية بالتعاون مع العشائر لتشكيل لجان حماية شعبية، إلا أن الاحتلال كرر عمليات الاستهداف لها أيضاً سواء بالقصف أو عبر هذه العصابات المسلحة.
أكثر الأماكن غلاءً في العالم
نتيجة لغياب السلع الأساسية عن الأسواق قفزت الأسعار بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، حيث باتت غزة وفقاً لتقارير دولية من أكثر الأماكن في العالم ارتفاعاً في أسعار السلع المتعلقة بالغذاء والتي لا يقوى السكان على شراء الكثير منها، فضلاً عن شح في الأسواق للكثير من السلع والأصناف طوال الفترة الحالية. كما انتشر في الآونة الأخيرة الدقيق (الطحين) الممتلئ بالسوس بفعل تلف الكميات المتوفرة لدى السكان وعرقلة الاحتلال عمليات التوزيع جراء النقص الكبير وعدم حصول أونروا على كميات كبيرة تكفي لعملية التوزيع في القطاع.
ونتيجة للتجويع سجلت عشرات الوفيات في صفوف السكان كان غالبيتهم في المناطق الشمالية من القطاع وفي صفوف الأطفال وكبار السن، بفعل انعدام الأمن الغذائي، وسط تحذيرات متصاعدة من برنامج الغذاء العالمي ووكالة أونروا من تفشي المجاعة على نطاق واسع من النازحين الفلسطينيين في ظل استمرار حرب الإبادة.
وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، شهد الرقم القياسي لأسعار المستهلك في قطاع غزة ارتفاعا حادًا بنسبة 283% منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول 2024 نتيجة للحرب المستمرة. وفي 24 اكتوبر/ تشرين الأول، نشرت منظمة الأغذية والزراعة على منصة إكس (تويتر سابقا) أنه بالمقارنة مع العام الماضي، يمكن أن يصل سعر البطاطا في جنوب غزة إلى 5.7 أضعاف، بينما يصل في شمال غزة إلى 66.7 ضعفا.
دخول السلع رهينة المزاج الإسرائيلي
يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر في غزة سمير أبو مدللة، إن الواقع الغذائي في القطاع صعب للغاية حيث تعمد الاحتلال تجويع السكان وأغلق المعابر وتحكم في عدد الشاحنات وطبيعة السلع. ويضيف أبو مدللة لـ "العربي الجديد" أن احتياجات القطاع في الوضع الطبيعي كانت تتراوح ما بين 800 إلى 1000 شاحنة ما بين مواد البناء وما بين الغذاء وما بين الأدوية، في حين أنه في ظل العدوان الإسرائيلي لا تدخل يومياً أكثر من 150 شاحنة وهي رهن المزاج الإسرائيلي والوضع الأمني.
ويشير إلى أن هناك آلاف الشاحنات المتكدسة على جانب معبر كرم أبو سالم التجاري أو على الجانب المصري من معبر رفح وتنتظر دخولها إلى المؤسسات في القطاع، وبالتالي فإن الواقع الغذائي للسكان سيئ بسبب نقص السلع من جانب ومن جانب آخر بسبب ارتفاع أسعار السلع ووصولها إلى أرقام فلكية.
ويستدل أستاذ الاقتصاد بتقديرات جهاز الإحصاء الفلسطيني الذي وثق ارتفاعات في أسعار السلع والمواد الغذائية تصل لأكثر من 250% مقارنة بالعام الماضي وهو ما يعجل المواطن الفلسطيني غير قادر على الشراء في ظل الفقر.
ويلفت إلى أن واقع الأمن الغذائي في تراجع بالنسبة للفلسطينيين في القطاع، حيث هناك إشكاليات صحية ظهرت متعلقة بفقر الدم وسوء التغذية، وجميعها يسببها نقص الطعام وعدم توفر الألبان ومشتقات الحليب أو الخضروات واللحوم وغيرها من الأغذية. ويوضح أبو مدللة أن الاحتلال تعمد التحكم في المشهد من خلال إيجاد فئة من تجار الحروب واللصوص الذين ينتظرون الشاحنات بعد خروجها من معبر كرم أبو سالم أو معبر رفح، على مقربة من قوات الاحتلال وهو ما يعني أن لديها تأميناً أو غطاءً واضحاً.
قصف عناصر التأمين
ويؤكد أستاذ علم الاقتصاد أن قصف الاحتلال لعناصر التأمين الذين يقومون بمواكبة المساعدات والشاحنات أدى لاستشهاد العشرات منهم، في حين أن الاحتلال لا يقصف أو يستهدف من يقوم بالسرقة، وبالتالي فإن الأمر هو عمل مبرمج وممنهج يستهدف تجويع الفلسطينيين في غزة من أجل الاستسلام.
وفقا للأمم المتحدة، فإن ما يصل إلى 1.9 مليون شخص أو حوالي 90% من عدد السكان في قطاع غزة هم نازحون، والعديدون منهم نزحوا بشكل متكرر، بعضهم نزحوا عشر مرات أو أكثر، في حين ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن ما يقرب من 84% من قطاع غزة يخضع لأوامر الإخلاء التي أصدرتها قوات الاحتلال حتى 22 أكتوبر.
بدوره، يرى الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر أن الاحتلال في حربه على غزة مارس عدة مستويات، منها الحربي المتعلق بالقتل والإبادة ثم الآخر المتعلق بالتجويع وحرمان السكان من المساعدات ومنع وصول الطعام لهم، وهو أمر لا يقل خطورة عن المستوى الأول من الحرب.
ويضيف أبو قمر لـ"العربي الجديد" أن القطاع عاش خلال سنوات الحصار التي سبقت الحرب المستمرة للعام الثاني مرحلة من الاكتفاء الذاتي على صعيد القطاع الزراعي، لا سيما ما يخص الخضروات، حتى أن بعض الأصناف كانت تصدر للداخل المحتل ومصر والأردن. ويشير إلى أن الاحتلال عمد لتدمير القطاع النباتي الذي يمثل تجربة كانت تعتبر الأنجح بالنسبة للعمل الحكومي في غزة، حيث كان محط انتقادات في الأداء في ما يتعلق بإدارة شؤون المواطنين بأمور أخرى، وهو ما حرم السكان بعد تدمير القطاع النباتي من مكون أساسي من السلع.
إغلاق الأسواق وتدميرها
ويلفت أبو قمر إلى أن الاحتلال عمل على رفع أسعار أسلع في الأسواق المحلية خلال الحرب عبر منع إدخال ما هو فائض، والتسبب في عجز دائم بالنسبة للمواطنين وإغلاق الأسواق وتدميرها، وتقليل الكميات الواردة لغزة. ويبين الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي أن هناك حالة من عدم التوازن بين الطلب والعرض نتيجة للسلوك الإسرائيلي، لا سيما مع تدمير غالبية عناصر السلة الغذائية، علاوة عن تفاوت الأسعار واختلافها بين مناطق جنوب الوادي وشمال الوادي.
ووفقاً لأبو قمر فإن الاحتلال استهدف كل من يحاول أن يعيد ترميم السلة الغذائية للفلسطينيين كما حصل مع المبادر يوسف أبو ربيع الذي اغتاله الاحتلال في شمال القطاع، بعد أن استطاع استصلاح بعض المساحات الزراعية لصالح سكان الشمال. وما يفاقم حدة الجوع ما أقدم عليه الاحتلال من حظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، الذي يمثل نوعا من العقاب الجماعي حال تطبيقه بالكامل، حسب وكالات أممية.
وقال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، جيمس إلدر، عقب صدور القرار الإسرائيلي: "إذا لم تتمكن أونروا من العمل، فمن المرجح أن نشهد انهيار المنظومة الإنسانية في غزة.. قرار مفاجئ مثل هذا يعني أن (إسرائيل) عثرت على طريقة جديدة لقتل الأطفال".
وحذّرت وكالات الأغذية، التابعة للأمم المتحدة، الخميس الماضي، من تفاقم مستويات الجوع، خلال الأشهر السبعة المقبلة، في أجزاء كثيرة من العالم، ومن أكثرها إثارة للقلق قطاع غزة. وكشف التقرير، الذي يعتمد على أبحاث أجراها خبراء في وكالتين تابعتين للأمم المتحدة مقرهما روما، أن هناك حاجة ماسة إلى العمل الإنساني لكبح المجاعة والموت في قطاع غزة ومناطق أخرى من العالم. وحذر التقرير، من أنه في غياب الجهود الإنسانية الفورية، والعمل الدولي المتضافر من المرجح أن تتفاقم المجاعة والخسائر في الأرواح.