تخوض الشركات الناشئة الأميركية والأوروبية المتخصصة بتطوير بطاريات جديدة للسيارات الكهربائية حرباً شرسة باستخدام مادتين وفيرتين ورخيصتين هما الصوديوم والكبريت، بما قد يعينها على الحد من هيمنة الصين في هذه السوق وتخفيف اختناقات إمداد تلوح في الأفق.
وتعمل المركبات الكهربائية الآن على بطاريات "ليثيوم أيون" معظمها مصنوعة من الليثيوم والكوبالت والمنغنيز والنيكل عالي الجودة، وهي مواد ارتفعت أسعارها بجنون، فيما يكافح المنتجون الغربيون للحاق بمنافسيهم الآسيويين، وتتوقع شركات صناعة السيارات أن تؤثر اختناقات العرض على إنتاج السيارات في منتصف العقد الحالي تقريبا.
ويمكن أن تتحوّل المركبات الكهربائية المستقبلية التي ستصل بعد عام 2025 إلى خلايا بطارية "أيون الصوديوم" أو بطارية "كبريتات الليثيوم" التي يمكن أن تكون أرخص بنسبة تصل إلى الثلثين من خلايا "أيون الليثيوم" السائدة اليوم.
لكن هذا الوعد يتوقف على الاختراقات المحتملة في الكيمياء الكهربائية من قبل شركات ناشئة مثل "ذي آيون" Theion التي تتخذ برلين مقراً و"فاراد آيون" Faradion الموجودة في المملكة المتحدة، و"لايتن" Lyten في الولايات المتحدة.
تواجه كيمياء البطاريات الأحدث مشكلات يتعين تجاوزها، إذ لا تخزّن بطاريات "أيون الصوديوم" طاقة كافية حتى الآن، بينما تميل خلايا الكبريت إلى التأكل سريعاً ولا تدوم طويلاً.
ومع ذلك، اجتذبت أكثر من 12 شركة ناشئة استثمارات بملايين الدولارات، فضلاً عن المنح الحكومية، لتطوير أنواع جديدة من البطاريات.
وفي الوقت الحالي، تهيمن الصين على إنتاج البطاريات، بما في ذلك التعدين وتكرير المواد الخام. وتقدّر شركة "بنشمارك مينيرال إنتلجنس" Benchmark Mineral Intelligence الاستشارية البريطانية أن الصين تمتلك حالياً 75% من قدرة تكرير الكوبالت في العالم و59% من القدرة على معالجة الليثيوم.
وقال جيمس كوين، الرئيس التنفيذي لشركة "فاراد آيون" لبطاريات أيونات الصوديوم، والتي تلقت أكثر من مليون دولار في شكل منح حكومية من برنامج "إنوفايت يو كيه" Innovate UK قبل أن تشتريها شركة "ريلاينس" Reliance الهندية العام الماضي مقابل 117 مليون دولار: "ما زلنا نعتمد على سلسلة توريد المواد من الصين، وإذا نظرت إلى التداعيات الجيوسياسية العالمية لذلك، سترى أن هذا يمثل تحدياً لأمن الطاقة والأمن الاقتصادي والأمن القومي".
ويعمل عمالقة البطاريات الآسيوية أيضاً على إنشاء كيميائيات جديدة، حيث قالت شركة "كاتل" CATL الصينية إنها تخطط لبدء إنتاج خلايا أيونات الصوديوم عام 2023، فيما تهدف "إل جي إنرجي سوليوشن" LG Energy Solution الكورية الجنوبية إلى البدء في تصنيع خلايا كبريتية الليثيوم بحلول عام 2025.
داخل بطارية السيارة الكهربائية
إن أغلى عنصر في بطارية المركبات الكهربائية هو الكاثود الذي يمثل ما يصل إلى ثلث تكلفة خلية البطارية.
وتستخدم معظم بطاريات المركبات الكهربائية حالياً نوعاً من نوعين من الكاثودات: منغنيز النيكل كوبالت NCM أو فوسفات حديد الليثيوم LFP، علماً أن كاثودات المنغنيز قادرة على تخزين المزيد من الطاقة، لكنها تستخدم مواد باهظة الثمن مثل النيكل والكوبالت، فيما لا تحتوي كاثودات فوسفات حديد الليثيوم عادة على نفس القدر من الطاقة، لكنها أكثر أماناً وتميل إلى أن تكون أقل تكلفة لأنها تستخدم مواد أكثر وفرة.
وارتفعت تكلفة مواد الكاثود الرئيسية مثل النيكل والكوبالت بشكل كبير خلال العامين الماضيين. ولهذا السبب تأمل العديد من الشركات في استبدال مواد أرخص وأكثر وفرة مثل الصوديوم والكبريت، إذا كان من الممكن التغلب على قيودها التقنية.
في هذا الإطار، يقول المستشار برابهكار باتيل، وهو مسؤول تنفيذي سابق في "إل جي تشم" LG Chem/ إن "أيون الصوديوم بالتأكيد له مكان، خاصة للتخزين الثابت والمركبات المنخفضة التكلفة في الأسواق الحساسة من حيث التكلفة مثل الصين والهند وأفريقيا وأميركا الجنوبية".
وتعمل أماندري Amandarry ومقرها ميشيغان وشركة "إيه إم تي إي باور" AMTE Power البريطانية الناشئة على تطوير بطاريات أيونات الصوديوم باستخدام كلوريد الصوديوم (ملح الطعام أساسا) كمكون رئيسي للكاثود، وهما لا تحتاجان إلى الليثيوم أو الكوبالت أو النيكل، وهي أغلى 3 مكونات للبطارية.
بدوره، قال جيف برات، العضو المنتدب لمركز تصنيع البطاريات في المملكة المتحدة، وهو مصنع تموله الدولة بقيمة 130 مليون جنيه إسترليني (153 مليون دولار) يؤجر خطوط إنتاجه للشركات الناشئة لاختبار كيميائيات البطاريات، إنه يحاول تركيب خلايا أيونات الصوديوم الناشئة في جدول الإنتاج لأنه "مهم من الناحية الإستراتيجية" ويحاكي آمال بريطانيا في أن تكون في طليعة مطوّري بطاريات جديدة أفضل. (الدولار = 0.8508 جنيه إسترليني).
كذلك تعمل الشركتان الأميركيتان "لايتن" و"كوناميكس" Conamix و"ذي آيون" الألمانية و"مورو" Morrow النرويجية على تطوير كاثودات كبريت الليثيوم التي لا تزال بحاجة إلى الليثيوم بكميات أقل، ولكن ليس النيكل أو الكوبالت.
وباستخدام مواد الكاثود في كل مكان، إذ يستخدم الكبريت على نطاق واسع في الأسمدة ولذا هو رخيص مثل الملح، تدّعي هذه الشركات الناشئة أن تكاليف البطارية يمكن خفضها بنسبة تصل إلى الثلثين، مما يجعل السيارات الكهربائية ميسورة التكلفة خارج الطبقة المتوسطة.
وتتراوح تكلفة حزم بطاريات "المركبات الكهربائية" الحالية عادة من 10 آلاف إلى 12 ألف دولار.
الرئيسة التنفيذية لشركة "كوناميكس" شارلوت هاميلتون قالت: "إذا تمكنا من الوصول إلى الأهداف التي حددناها مع بعض أكبر شركات صناعة السيارات في العالم، فإننا نخوض السباق التنافسي".
أداء بطاريات السيارات الكهربائية على الطريق
هذا وتقول الشركات الناشئة العاملة في مجال البطاريات إنها تتحدث مع كبار مصنعي السيارات، وبعضهم يختبر بنشاط بطاريات جديدة يمكن أن تكون على الطريق في السيارات الكهربائية في السوق الشامل قبل نهاية العقد. وتحرص شركات السيارات على إبقاء خياراتها مفتوحة.
في السياق، قالت ليندا تشانغ، كبيرة المهندسين في شاحنة فورد الكهربائية F150 Lightning، إنه "مع مرور الوقت، سيتم الكشف عن المزيد من الكيمياء (البطارية)، وسيكون من السخف عدم الاستفادة من هذه الكيمياء".
وفي "يوم بطارية تسلا لعام 2020"، قال رئيسها التنفيذي إيلون ماسك إن هناك حاجة إلى "نهج ثلاثي المستويات" لبطاريات الليثيوم أيون باستخدام مواد مختلفة لتصنيع مركبات كهربائية "بأسعار معقولة حقا، وأساسا بخلايا بطارية فوسفات حديد الليثيوم LFP القائمة على الحديد، إضافة إلى أكبر وأكثر المركبات الكهربائية القوية والمكلفة التي تستخدم خلايا NCM أو NCA القائمة على النيكل مع مادة كاثود من الكوبالت أو الألومنيوم.
ويأمل مطورو البطاريات أن يتمكنوا من إضافة بطاريات أيون الصوديوم وكبريت الليثيوم إلى النطاق المفتوح لصناعة السيارات.
العضو المنتدب في "نومورا غرينتك" Nomura Greentech للاستشارات، دنكان ويليامز، قال إن "الاكتشافات الأخيرة تسد الفجوة في قضايا مثل كثافة الطاقة ودورة الحياة، لذلك نتوقع أن نرى كلا هذين البديلين يأخذان حصة في السوق مستقبلاً".
وتُنتج "أماندري" فعلاً خلايا أيونات الصوديوم في مصنعها في هاينينغ، الصين، مع أن مقرها ميشيغن، ولذلك لن تكون هذه الخلايا مؤهلة للحصول على حوافز بموجب قانون خفض التضخم الأميركي، فيما تقول الشركة إنها ستبني أيضاً مصنعاً في أميركا الشمالية. ويوضح الشريك آمي تشين أن أول تطبيق للنقل من "أمانداري" سيكون على الأرجح عبارة عن مركبات كهربائية ذات عجلتين.
وبصرف النظر عن ميزة التكلفة، يقول تشين إن بطاريات "أمانداري" يمكن أن تشحن بسرعة كبيرة - 80% في 15 دقيقة.
حول هذه النقطة، قال الرئيس التنفيذي لشركة "إيه إم تي إي باور" AMTE Power، كيفين برونديش، إن الشركة شرعت في البداية باستخدام بطاريات لأنظمة تخزين الطاقة الثابتة، مثل تلك المستخدمة من قبل مشغلي الشبكات، حيث تكون كثافة الطاقة أقل أهمية.
وقال كوين من شركة "فاراد آيون" إن بطاريات الشركة منافسة بالفعل لخلايا LFP، وقد شكلت مشروعاً مشتركاً لتخزين الطاقة مع شركة "أي سي إيه أستراليا" ICM Australia العملاقة للأعمال التجارية الزراعية.
وأوضح كوين أن بطاريات "فاراد آيون" منخفضة التكلفة نسبياً يجب أن تكون أقل تكلفة بمقدار الثلث من بطاريات LFP القائمة على الحديد، مشيراً إلى أن "فاراد آيون" أجرت مناقشات مع "معظم شركات السيارات الكبرى، وفي غضون السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة سترى بطارياتنا على الطريق".
قلق متزايد بشأن إمدادات الليثيوم والكوبالت والمنغنيز والنيكل لبطاريات سيارات الكهرباء
كبير المسؤولين التقنيين للبطاريات في شركة ليتن الناشئة ومقرها كاليفورنيا، سيلينا ميكولاجتشاك، قالت إن الكبريت هو "كيمياء صعبة شريرة" لإنجاز العمل في البطاريات، وهي شركة جذبت 47.5 مليون دولار من المستثمرين، وفقاً لموقع الاستثمار "بيتش بوك" PitchBook. لكنها، في المقابل، قالت إن "كيمياء المستقبل، الكيمياء هي التي تجعل سوق البطاريات على نطاق واسع".
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "ذي آيون" أولريش إيمز إن مشكلة الكبريت تكمن في تأكله لدرجة أنه يقتل البطارية بعد 30 مرة شحن.
لكنه قال إن الشركة التي تتخذ من برلين مقراً لها، والتي يدعمها عدد قليل من المستثمرين الملاك والمستثمرين من القطاع الخاص، قد طورت طريقة لمعالجة وتغليف قطب من كبريت الليثيوم من شأنه أن يجعله يدوم طوال عمر السيارة الكهربائية.
وتتوقع "ذي آيون" أن تبدأ في توريد البطاريات في وقت لاحق من هذا العام لتشغيل المضخات في الصواريخ التجارية أثناء الإطلاق. وقال إيمز إن الشركة تخطط لبدء إرسال خلايا اختبار إلى مصنعي السيارات في عام 2024، مع توقع ظهور أول تطبيقات إنتاج للمركبات الكهربائية في حوالي عام 2027.
وتعتقد الشركة أن كاثودات الليثيوم الكبريتية يمكنها تخزين طاقة أكثر بثلاث مرات من خلايا NCM القياسية، وشحنها بسرعة فائقة، وخفض تكاليف خلايا البطارية بمقدار الثلثين، إلى حوالي 34 دولاراً لكل كيلوواط/ساعة. وأوضح "أنها رخيصة، وذات كثافة طاقة عالية، لذا يبدو أنها لا تحتاج إلى تفكير".
في هذا السياق أيضاً، قال طوني هاربر، مدير برنامج الحكومة البريطانية "فاراداي باتري تشالينج" Faraday Battery Challenge الذي يستثمر في تعزيز تقنيات البطاريات الجديدة، إن صناعة السيارات تشعر بقلق متزايد بشأن إمدادات الليثيوم والكوبالت والمنغنيز والنيكل، لذا فإن الكيمياء الجديدة أمر حيوي.
(رويترز، العربي الجديد)