يواصل الروس تهريب أموالهم خارج البلاد عبر مجموعة من الحيل أبرزها؛ عمليات استثمار الروبلات عبر وسطاء في دولارات السوق السوداء التي ملأوا بها حساباتهم البنكية في الخارج خلال الأشهر الأخيرة، بحسب بيانات وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال الأميركية.
وتمثلت الحيل التي يستخدمها الروس لتهريب الدولارات خارج روسيا في اللجوء إلى تجار العملات غير الرسميين في السوق السوداء لمبادلة الروبل بالعملة الأجنبية، بينما وجد آخرون ملاذاً في الأنظمة المصرفية في البلدان المجاورة مثل جورجيا وكازاخستان وأرمينيا، حيث لا يزال بإمكانهم امتلاك حسابات بالدولار وبطاقات فيزا. كما تحوّل البعض إلى العملات المشفرة لإخراج أموالهم من روسيا.
ويأتي ذلك على خلفية القلق الاقتصادي المستمر بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا والمخاوف من تفاقم الوضع في المستقبل. وهربت الأموال من روسيا في الأشهر التي أعقبت غزو أوكرانيا، حتى قبل تطبيق العقوبات على روسيا ومنعها من الوصول إلى الدولار واليورو. وبينما كانت عمليات الهروب تتم من قبل كبار الأثرياء، باتت الآن تشمل عائلات غير ثرية.
وبحسب تعليقات خبراء غربيين نقلتها صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أمس الثلاثاء، يتناقض استمرار التدفقات الخارجية للأموال مع الطريقة التي يصور بها مسؤولو الكرملين مرونة الاقتصاد الروسي وتكيفه جيداً مع العقوبات الغربية. وينقسم الاقتصاديون في الغرب حول ما إذا كان الاقتصاد الروسي سيعود إلى النمو هذا العام أم سيتقلّص مرة أخرى كما حدث في عام 2022. ولكن يتفق معظمهم على أنّ الحرب والعزلة تسببا في أضرار طويلة الأجل للاقتصاد الروسي.
يرى الروس أنّ هنالك مجموعة من الأسباب التي تجعلهم ينقلون أموالهم خارج نطاق سيطرة الروبل والنظام المصرفي في روسيا. من بينها انخفاض سعر صرف الروبل بنسبة 8% هذا العام مقابل الدولار مع بدء تأثير عقوبات الطاقة على ضخ الدولارات في النظام المالي الروسي، وتشديد القوى الغربية الرقابة على عدد من البنوك الروسية المستهدفة بالعقوبات، مما زاد من تقييد خيارات المعاملات الخارجية.
كما خففت الحكومة من القيود المفروضة على رأس المال في الأيام التي أعقبت اندلاع الحرب لوقف الفوضى المالية، لكن الكثيرين يخشون إمكانية إعادة فرضها مع تأجيج الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا في الآونة الأخيرة.
في هذا الصدد، تتوقع الخبيرة الاقتصادية الروسية في بنك الاستثمار "رينيسانس كابيتال" في موسكو، صوفيا دونيتس، لـ"وول ستريت جورنال"، أنّ "عدم اليقين في الاقتصاد الروسي بات مرتفعاً جداً وربما يؤدي ذلك إلى تحويل الأسر الروسية لنحو 30 مليار دولار أخرى إلى البنوك الأجنبية هذا العام".
على الصعيد الخارجي، كانت الأموال الروسية المحولة إلى الخارج نعمة غير متوقعة لدول الاتحاد السوفييتي السابق الصغيرة في آسيا الوسطى وشرقي أوروبا. وكانت التوقعات في السابق تشير إلى أنّ هذه الدول ستتضرر بشدة من الحرب الروسية في أوكرانيا، ولكن على عكس ذلك زادت ربحية البنوك وتعززت العملات وارتفعت احتياطات النقد الأجنبي في بنوكها.
وبحسب بيانات "ستاندرد آند بورز غلوبال"، نما الاقتصاد الأرميني بنسبة 13% العام الماضي، وهو واحد من أقوى المعدلات بين 196 دولة يتتبعها صندوق النقد الدولي. كما نما اقتصاد جورجيا بنسبة 10% وتوسع اقتصاد قرغيزستان بنسبة 7%.
كما شهدت جورجيا زيادة بنسبة 565% في تحويلات الأموال من روسيا خلال العام حتى مارس/ آذار، بينما ارتفعت التحويلات إلى أرمينيا بنسبة 382%، وفقاً لبيانات "ستاندرد آند بورز غلوبال".
وزادت الودائع من غير المقيمين في البنوك الأرمينية بأكثر من الضعف لتصل إلى 3.3 مليارات دولار في نهاية عام 2022. وأودع الأجانب ما يقرب من 514 مليون دولار في النظام المصرفي الأذربيجاني، و1.5 مليار دولار في البنوك الجورجية، العام الماضي.
في هذا الشأن، قالت مديرة التصنيفات السيادية في "ستاندرد آند بورز" كارين فارتابيتوف، إنّ "هذه مستويات نمو استثنائية". من جانبه، قال رجل أعمال روسي في موسكو، إنه يزور بانتظام مواقع الصرافة في ناطحات السحاب بحي المال في العاصمة الروسية، مشيراً إلى أنّه يمكنه بيع كمية غير محدودة من الروبل بالدولار، دون طرح أي أسئلة. وقال إنه يقتطع 10% من سعر الصرف الرسمي كعمولة من الزبائن، لكنه يرى أنّ الفائدة تكمن في إخراج أمواله من روسيا.
ووفق "وول ستريت جورنال"، زادت ودائع الأسر الروسية في البنوك الأجنبية بأكثر من الضعف منذ بداية الحرب إلى 5.4 تريليونات روبل اعتباراً من إبريل/ نيسان؛ أي ما يعادل 67.3 مليار دولار. وتخطى التدفق الشهري للروبل إلى حسابات العملات الأجنبية في الخارج خمسة أضعاف مستويات ما قبل الحرب.
واستشهدت الصحيفة بقصة ستيبان إرماكوف، المستثمر والمدون المالي الذي يعيش في مدينة سانت بطرسبرغ ويقضي جزءاً من وقته في الخارج، إذ بدأت مطاردة إخراج مدخراته من البنوك الروسية في 24 فبراير/ شباط 2022، وهو اليوم الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا.
ويقول إرماكوف إنه قام بمطاردة أجهزة الصراف الآلي التي كانت تتم تعبئتها ليلاً في سانت بطرسبرغ لسحب الدولار، حتى فرض البنك المركزي الروسي قيوداً على سحوبات العملات الصعبة من البنوك، ولكنه لم يوقف تحويل الدولارات للخارج.
وأشار إرماكوف إلى أنّه يحوّل الدولار الأميركي من حسابه الروسي في بنك Raiffeisen الدولي النمساوي إلى حساب وساطة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى حسابات بنكية في أرمينيا وجورجيا. وقال إنّ الدولار الأميركي أكثر استقراراً من الروبل. وقال إرماكوف: "إذا كان لدي 1000 دولار، يمكنني دائمًا شراء آيفون. الاحتفاظ بكل شيء بالروبل أمر خطير".