خريطة اقتصادية جديدة بين السعودية والصين... تعرف عليها

24 سبتمبر 2024
السعودية تزيد وارداتها من السيارات الصينية (Getty)
+ الخط -

"لم أشهد مثل هذا الإقبال سابقاً"... هكذا عبر محمد السعدي، الموظف بشركة استيراد سيارات في الرياض، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن دهشته من تزاحم العملاء على شراء أحدث موديلات السيارات الصينية، مشيرا إلى "تحول ملحوظ في تفضيلات المستهلكين السعوديين".
ويعكس هذا المشهد واقعاً جديداً كشفت عنه الأرقام الرسمية، حيث بلغت قيمة واردات السعودية من السيارات والمنتجات ذات الصلة من الصين 4.12 مليارات دولار خلال عام 2023، وفقاً لما أعلنه السفير الصيني في الرياض، تشانغ هوا، في 17 سبتمبر/ أيلول الجاري.
وإزاء ذلك، تتبنى السعودية استراتيجية أوسع لتنويع الاستثمارات وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين، إذ يعتزم صندوق الاستثمارات العامة (السيادي)، فتح مكاتب له في ثلاث مدن صينية كبرى، تزامناً مع تأسيس ثماني شركات صينية للسيارات فروعاً لها في المملكة، حسب السفير الصيني.
ويأتي هذا التوجه في سياق العلاقات الاقتصادية المتنامية بين السعودية والصين، والتي تشمل تبادلاً تجارياً ضخماً يصل إلى نحو 110 مليارات دولار، وفقاً لما أوردته صحيفة الاقتصادية السعودية في 17 سبتمبر الجاري.

وفي مطلع الشهر، بدأ وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف جولة اقتصادية في شرق آسيا شملت الصين، حيث التقى مسؤولي الشركات العالمية الرائدة في قطاعات متنوعة، بما فيها صناعة السيارات والأتمتة والحلول التكنولوجية، وهو ما يؤكد عمق التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

مزايا خاصة

يشير الخبير في الاقتصاد الدولي رائد المصري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، في هذا الصدد، إلى التوقعات الإيجابية لنمو الاقتصاد الصيني، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 5% هذا العام، مؤكداً أنً الاتجاه العام للتنمية الاقتصادية في الصين يتسم بالجودة العالية والثبات على المديين المتوسط والطويل.
ويضيف المصري أنّ الصين تحتل مكانة اقتصادية بارزة باعتبارها أكبر دولة في العالم من حيث تجارة السلع، ولكونها الشريك التجاري الرئيسي لحوالي 140 دولة حول العالم، كما يتمتع اقتصادها بما سماها "مزايا اقتصاد السوق الاشتراكية"، التي تجمع بين العرض والطلب بكفاءة عالية على عدة مستويات، ومن هذا المنطلق تسعى السعودية إلى تنويع استثماراتها في الصين، إذ وقعت 50 مذكرة تفاهم، تضمنت إنشاء ثلاثة مكاتب لصندوقها السيادي في مدن كبرى. ويلفت المصري إلى أن حجم استيراد السيارات من الصين إلى السعودية تجاوز أربعة مليارات دولار، مع زيادة ملحوظة في انتشار السيارات الكهربائية والصينية في الأسواق السعودية، مشيراً إلى وجود مناقشات جادة حول إقامة صناعات محلية داخل المملكة بالتعاون مع الشركات الصينية.
ويرى المصري أن هذا التعاون الاقتصادي مع الصين يعزز استقرار التجارة الدولية بين البلدين، ويؤكد أن توجه السعودية نحو الصين يهدف إلى ضمان استقرار أكبر في الاقتصاد، خصوصاً بعد الأزمات المالية العالمية واضطراب سلاسل التوريد، إذ تسعى السعودية لأن تكون تجارتها واستثماراتها آمنة، وترى في الصين شريكاً موثوقاً على أكثر من مستوى.

كما أن قرب المسافة بين السعودية والصين يلعب دوراً مهماً في تعزيز هذا التعاون، خصوصاً في ظل التهديدات التي تواجه سلاسل التوريد العالمية، ما دفع السعودية لإنشاء مكاتب اقتصادية كبرى وتوجيه صناديقها للاستثمار في الصين، مستندة إلى الثقة الكبيرة في قوة الاقتصاد الصيني، حسب المصري.

القطاع المصرفي

وفي السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الناير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن فتح الصندوق السيادي السعودي مكاتب في ثلاث مدن صينية دفعة واحدة يعد خطوة متطورة تعزز العلاقات التجارية بين الرياض وبكين، لافتاً إلى أن هذه العلاقات شهدت تزايداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، بخاصة بعد انضمام السعودية إلى مجموعة بريكس، ما يفتح المجال لتعاون اقتصادي أكبر بين البلدين.
ويدعم تعاون كهذا سعي السعودية، باعتبارها واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط، إلى تطوير علاقاتها مع الصين، والتي تعد أحد أكبر المستهلكين لهذه السلعة، وسط تصاعد الحديث حول فك ارتباط النفط بالدولار، حسب الناير.
ويركز الصندوق السيادي السعودي، من خلال وجوده في الصين وتوقيعه اتفاقيات تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار، على القطاع المصرفي الصيني بشكل خاص، بما في ذلك البنوك المتخصصة في الزراعة والصناعة والقطاعات الأخرى، حسبما يرى الناير.
ويلفت إلى أنّ انضمام السعودية إلى بريكس يمثل خطوة حاسمة، ويؤكد أهمية التعاون الاقتصادي داخل هذه المجموعة التي تمثل أحد أهم التكتلات الاقتصادية العالمية في المستقبل القريب، معتبراً أنّ هذه الخطوة ستفيد العديد من القطاعات في البلدين، بخاصة أنّ الصين تتمتع بتكنولوجيا متقدمة في العديد من المجالات، ولديها مشاريع مشتركة مع المملكة.

المساهمون