الشيء الوحيد الذي يجمع بين فلسطين المحتلة ودولة الاحتلال الإسرائيلي هو الخسائر الفادحة التي أصابت اقتصاد الطرفين المتحاربين، وفي الوقت الذي تظهر فيه مؤشرات نمو الاقتصاد الفلسطيني تراجعه إلى 0.5% خلال الربع الثالث من العام الجاري، يواصل الاقتصاد الإسرائيلي تلقي ضربات موجعة بسبب عدوانه الأخير على قطاع غزة، ولم تتجاوز نسبة نموه خلال الربع الثالث 1.9%، في حين كان يستهدف معدل نمو يبلغ 3.8%.
ومن جانبه كشف مصدر مطلع في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، لـ "العربي الجديد" أن نسبة النمو الاقتصادي خلال الربع الثالث من العام الجاري في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، لن تتجاوز حاجز 0.5%.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن أرقام البطالة والنمو والتضخم، والتي لم يعلن عنها رسمياً بعد، تظهر حجم التدهور وتراجع الاقتصاد الفلسطيني، منذ بداية الربع الثالث من العام الجاري.
وعزا التراجع إلى الأوضاع السياسية والأمنية التي عانت منها الأراضي الفلسطينية، منذ اختفاء ثلاثة مستوطنين في شهر يونيو/حزيران الماضي، في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وما تبعه من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، "حتى الاقتصاد الإسرائيلي تكبد خسائر وتراجعاً في معدلات نموه منذ ذلك الحين".
وقال إن نسبة البطالة التي سيعلن عنها جهاز الإحصاء الفلسطيني خلال أسبوعين، تظهر أن عدد العاطلين عن العمل في غزة يبلغ 260 ألفاً، بنسبة بطالة تبلغ 60%، مقابل 20% بالضفة الغربية.
وحسب محللين "بدأت مرحلة من التباطؤ والركود، تشهدها أسواق الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وأسواق الاحتلال عقب أرقام وصفت بالمتفائلة خلال الربع الأول من العام الجاري، في الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي".
وبلغت نسبة النمو الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، في الربع الأول من 2014 نحو 7.1%، لتتراجع إلى 5.6% في الربع الثاني، ويتوقع أن تنخفض إلى 0.5% في الربع الثالث.
بينما يرى رئيس اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية، جمال جوابرة، أن حالة من الركود سيطرت على أسواق الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ النصف الثاني من العام الجاري، رافقه ارتفاع في نسب التضخم.
وعزا جوابرة هذا الركود، والتراجع في القوة الشرائية بنسبة 20% مقارنة مع الفترة المناظرة من العام الماضي، إلى أسباب سياسية مرتبطة بانعدام الأفق السياسي، وأخرى اقتصادية مرتبطة بارتفاع قيمة صرف الدولار أمام الشيكل، والذي رفع من أسعار السلع.
بينما وصف مدير بعثة البنك الدولي في الأراضي الفلسطينية، ستين يورغنسن، مستوى الاستثمار لمؤسسات القطاع الخاص، دون المستوى المطلوب، حتى وإن كانت فلسطين تقع تحت احتلال إسرائيلي.
وأضاف يورغنسن، خلال عرضه لنتائج دراسة حول تقييم مناخ الاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة، نفذها البنك الدولي ومعهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية - ماس (مؤسسة فلسطينية خاصة).
وما يزال الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم، يتلقى ضربات اقتصادية موجعة، بسبب عدوانه العسكري الأخير على غزة، والذي استمر 51 يوماً، وأفضى إلى تدمير كلي في اقتصاد قطاع غزة، وإحداث تراجع في المؤشرات الاقتصادية، بسبب صواريخ المقاومة التي ضربت اقتصاد الاحتلال.
وعلى الرغم من توقعات إسرائيل مطلع العام الجاري، عبر وزير المالية المقال يئير لبيد، بنمو اقتصادي يبلغ 3.8%، إلا أن أرقام الأرباع الثلاثة الأولى من العام الجاري، أشارت إلى أن نسبة النمو لم تتجاوز 1.9%.
يقول الباحث في الاقتصاد الإسرائيلي أنطوان شلحت، إن أكبر المتشائمين لأرقام النمو الاقتصادي لدى الاحتلال خلال العام الجاري، لم يكن يتوقع أن تشهد نسب التضخم والنمو تراجعاً لم تسبق وأن حصلت منذ عام 2009.
وأضاف خلال اتصال هاتفي مع مراسل "العربي الجديد"، "ربما كانت هنالك توقعات بعدوان إسرائيلي على قطاع غزة، لكن لا أن تصل نسب النمو إلى الحضيض، كما حصل في الربع الثالث حينما أعلن مكتب الإحصاء لدى الاحتلال أن النمو استقر عند 0.4%".
وتابع، "لقد كان التوقف المؤقت لميناء أسدود، ومطار اللد (بن غوريون) ووصول صواريخ المقاومة إلى عمق مدن الاحتلال، من أبرز المفاجآت التي هَوَت بالاقتصاد المحلي داخل الاحتلال.
وبحسب أحدث الأرقام الصادرة عن وزارة المالية الإسرائيلية، فإن تكلفة العدوان العسكري على قطاع غزة، بلغت 21 مليار شيكل (5.8 مليارات دولار).
وأدت صواريخ المقاومة التي سقطت على مستوطنات ومدن الاحتلال، إلى توقف الناتج المحلي بشكل كلي عن المدن الجنوبية، التي دفعت أصحاب المنشآت الاقتصادية والعاملين فيها إلى التزام منازلهم لأكثر من شهر خلال فترة العدوان.
وكان من أبرز التطورات التي طرأت على اقتصاد الاحتلال، ما هو مرتبط بخفض نسب الفائدة من 0.75% في شهر يوليو/تموز الماضي، إلى 0.25% في سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب تداعيات العدوان الإسرائيلي على القطاع.
بينما تراجعت صناعة السياحة الإسرائيلية، التي تعرضت إلى ضربة قوية خلال العام الجاري، وتراجع عدد السياح بنسبة 18%، منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول، مقارنة مع الفترة المناظرة من العام الماضي.
فيما تراجعت القوة الشرائية داخل الاحتلال الإسرائيلي، بنسبة 6% خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري، بحسب الإحصاء الإسرائيلي، ما أدى إلى إحداث ركود في الأسواق، رافقه ارتفاع في التضخم، بسبب الازدياد في قوة الدولار، وتراجع قيمة الشيكل.
وتوالت الضربات على الاقتصاد الإسرائيلي، والتي كان آخرها، ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الشيكل الإسرائيلي، بنسبة كبيرة حيث عزا الخبير المالي د. عدنان أبو الحمص تراجع الشيكل، إلى أسباب مرتبطة باقتصادات كل من الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية سوية، وبلغ سعر الدولار، أول أمس، نحو 3.9 شيكلات بينما كان يبلغ قبل نحو 6 شهور، نحو 3.4 شيكلات.