تأخّر قرار الحكومة المصرية بالسماح بانخفاض جديد في قيمة العملة المحلية استجابة لضغوط المقرضين، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي والمستثمرون الأجانب، وسط توقعات بأن يستمر استقرار سعر صرف الجنيه حتى نهاية السنة المالية الحالية في 30 يونيو/ حزيران المقبل.
وبعد أن توقعت عدد من بنوك الاستثمار الدولية أن تقوم الحكومة بتخفيض الجنيه قبل نهاية السنة المالية الحالية، صدرت توقعات مخالفة من بنوك أخرى بأن الحكومة لن تستجيب للضغوط حتى لا تواجه ارتفاعاً في التضخم وزيادة عجز الموازنة في حالة الخفض.
تأجيل الخفض
وتوقع بنكا "بي إن بي باريبا" و"سيتي غروب"، الأسبوع الماضي، ألا يشهد سعر صرف الجنيه المصري انخفاضاً حاداً قبل نهاية العام المالي الحالي نهاية يونيو المقبل.
وأرجع البنكان السبب في ذلك إلى رغبة الحكومة في السيطرة على تكاليف الاقتراض والتضخم، في الوقت الذي تنتظر فيه البلاد تأمين مزيد من تدفقات العملات الأجنبية من الخارج.
ويدور سعر صرف العملة المصرية حالياً حول 30.95 جنيهاً للدولار منذ مارس/ آذار الماضي، وبعد ثلاثة تخفيضات منذ مارس 2022.
وتوقع "بي إن باريبيا" أن تخفض مصر الجنيه بعد ضمان الحصول على تدفقات دولارية خلال الأشهر المقبلة، متمثلة في الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد والاستثمارات الأجنبية، من خلال بيع حصص من أصول الدولة وبيع سندات. كما ينتظر البنك المركزي المصري، وفقاً لـ"سيتي غروب"، ارتفاع عائدات السياحة إلى نحو 14 مليار دولار.
أما الدافع المهم، وفقاً للبنك الأميركي، فهو نجاح عملية شركة باكين التي اشترتها شركة إماراتية، حيث كان دافع الأرباح المتوقعة من الصفقة أكبر من انتظار خفض قيمة الجنيه.
ويمكن أن يسري ذلك على عمليات أخرى لبيع الأصول، منها عملية بيع 10% من الشركة المصرية للاتصالات التي جرت يوم الأحد 14 مايو/ أيار.
يضاف إلى ذلك أن تقليص الواردات، ومن ثم العجز التجاري، أدى إلى تقليل الضغط على عمليات سحب النقد الأجنبي في البلاد، وهو ما يدعم العملة المحلية. كما أن المزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه سيؤدي إلى رفع فاتورة الدين العام، ورفع عجز الموازنة، وهو ما يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني للبلاد.
ووصل سعر الصرف في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة شهر واحد إلى نحو 32.90 جنيهاً يوم الخميس الماضي، من أعلى مستوى قياسي له عند 35.30 جنيهاً في 25 إبريل/نيسان، بينما يجري تداول العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة 12 شهراً عند 43.30 جنيهاً للدولار، وهو ما يشير، وفقاً لنشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية يوم الأحد، إلى أن المستثمرين يرون أن الجنيه لا يزال أمامه المزيد من الانخفاض أمام الدولار خلال العام المقبل.
ضغوط المقرضين
من جهة أخرى، تضغط المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، على مصر للسماح بمزيد من خفض قيمة الجنيه، والذي يعد أحد شروط قرض الصندوق المقدر بنحو 3 مليارات دولار على 4 سنوات، والذي حصلت مصر منه على دفعة واحدة فقط منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتنتظر مصر صرف الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد بقيمة 347 مليون دولار، بعد الانتهاء من المراجعة الأولى لخبراء الصندوق بشأن برنامجها للإصلاح الاقتصادي، ضمن الاتفاق الذي يتيح أيضا تمويلاً تحفيزياً إضافياً بحوالي 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين.
وقال مدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في الصندوق توبياس آدريان، الشهر الماضي، إن تعديل سعر صرف الجنيه هو عامل أساسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر.
وقالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا، الشهر الماضي، إن برنامج التمويل الذي أقرّه الصندوق مع مصر يرتكز على 3 محددات رئيسية، هي تحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه)، ومنح الفرصة للقطاع الخاص لقيادة الاقتصاد، ومراقبة الإنفاق على المشاريع الضخمة طويلة الأجل.
وتوقع بنك "سوسييتيه جنرال" الفرنسي، في فبراير/شباط الماضي، توجه مصر لتخفيض قيمة الجنيه مجدداً "في المستقبل القريب".
كما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، عن مستثمرين سعوديين وخليجيين، تحذيراً، في أبريل الماضي، من أن أي خطة إنقاذ مالية لمصر ستعتمد على تخفيض العملة، وتعيين مسؤولين جدد لإدارة اقتصادها.
وقال بنك "غولدمان ساكس" الشهر الماضي أيضاً، إن "خيارات التمويل في مصر تقلصت إلى حد كبير". وأضاف أنه "من المرجح أن يشهد التحرك نحو عملة مرنة تقارباً في سعر الصرف الرسمي مع سعر السوق الموازي، وسيصاحب ذلك ارتفاع الأسعار، وهو قرار صعب على خلفية التضخم المرتفع بالفعل والنمو المنخفض".
(الدولار = 30.95 جنيهاً تقريباً)