دفعت جائحة كورونا المملكة المغربية إلى أولى مراحل ركودها الاقتصادي منذ عام 1995، وأسهم تقلص الإنتاج وتراجع معدلات التصدير مع انهيار القطاع السياحي والجفاف الذي وجه ضربة قاصمة للقطاع الزراعي، كل ذلك أسهم في تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7% في عام 2020.
وانضمت الآثار الناجمة عن الجائحة، بحسب دراسة حديثة لـ "معهد دراسات السياسة الدولية" بميلانو الإيطالية، إلى العديد من التحديات الاجتماعية-الاقتصادية التي لم تواجهها المؤسسات العامة المغربية بالشكل اللائق، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر، الذي انتقل مؤشره من 1.7% إلى 11.7% بين عامي 2019 و2020، وعدم المساواة الاجتماعية والقصور في الخدمات الصحية والمنظومة التعليمية والفجوة الكبيرة بين المناطق الحضرية والريفية إضافة إلى ارتفاع حجم الدين العام.
وتابعت الدراسة أن الاقتصاد غير الرسمي في المغرب، الذي يمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، كان في قلب اهتمام الحكومة المغربية في الأشهر الأولى من الجائحة.
وبحسب الدراسة فإنه على الرغم من ذلك، فإن ثمة مؤشرات مشجعة قادمة من القطاع الصناعي وتحديداً قطاعي الفوسفات والسيارات، اللذين يعتبران من المصادر الرئيسية للتصدير في البلاد.
والمغرب هو المنتج الرئيسي للسيارات في أفريقيا بحجم إنتاج يتجاوز 700 ألف سيارة سنوياً. أمّا أزمة السياحة، التي تراجعت إيراداتها بنحو 65%، فقد أدت إلى زيادة مطردة في أعداد المواطنين المغاربة المغادرين إلى جزر الكناري، التي عادت في عام 2020 لتكون البوابة الأولى لنفاذ المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا نتيجة للتدفق المتنامي من السواحل الجنوبية للمغرب ومن الصحراء المغربية.
وأشارت الدراسة إلى أنه ليس من الممكن، في هذا السياق، تجاهل أثر قرار إغلاق المنافذ الحدودية مع مدينتي سبتة ومليلية (المحتلتين) الذي أفضى إلى انهيار الأنشطة الاقتصادية الرسمية وغير الرسمية (بما فيها التهريب)، ومن ثم إلى تعميق أكبر للأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية.
وعلى الجانب المقابل، ثمة رؤية مغايرة تنظر إلى النصف المملوء من الكوب معتبرة المغرب سوقاً يشهد مشروعاً صناعياً في أوج إيقاعه المتسارع، هذا المشروع يتميز برسوخ قوي لقطاع المواد الأولية وبدرجة متسعة من الانفتاح على المبادلات الدولية.
رسوخ اقتصادي
وذكر تقرير نُشر في عدد أكتوبر/تشرين الأول من دورية "الدبلوماسية الاقتصادية الإيطالية"، التي تصدرها وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية، تحت عنوان "رسوخ اقتصاد المغرب يواصل جذبه للشركات الإيطالية" أن العناصر التي قام عليها تمركز المغرب على خارطة التجارة العالمية، علاوة على قطاعاته الاقتصادية ذات الجاذبية البارزة: المنتجات الزراعية-الغذائية والطاقة المتجددة والبنى التحتية والسيارات، تتمثل بصفة أساسية في الموقع الجغرافي المتميز والاستثمارات في البنى التحتية والربط بين أوروبا وأفريقيا إلى جانب الرغبة الملكية في جعل البلاد قبلة رئيسية للاستثمارات الدولية.
وأوضح التقرير أن الآفاق المستقبلية لنمو الاقتصاد المغربي تبدو إيجابية، على الرغم من تراجع الأنشطة الاقتصادية في عام 2020 بسبب جائحة كورونا.
وشكلت النتائج التي حققها القطاع الزراعي وإعادة انفتاح البلاد على السياحة وانتعاش الإنتاج الصناعي وثقة المستهلكين، القاطرة الرئيسية للمسار الإيجابي لمعدل النمو والذي قدره صندوق النقد الدولي في إبريل/نيسان الماضي بـ4.5%.
وتابع أن المغرب حل، بفضل إطلاق الديناميات الاقتصادية، في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري في المركز السادس من بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المستقبلة للصادرات الإيطالية.
ومن ناحية أخرى، فقد تُرجم انتعاش القطاعات-القاطرة للاقتصاد المغربي على مستوى الطلب الداخلي، حيث عادت معدلات الأسرة المغربية للنمو ما أتاح توفير 215 ألف فرصة عمل وزيادة التحويلات المصرفية.
وثمة انتعاش ملحوظ أيضاً على مستوى الاستثمارات والإنتاج الصناعي مع إعادة إطلاق واردات السلع الأساسية وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وكذا مع وجود العديد من الشركات الجديدة الجاهزة للدخول إلى السوق.
وهنا تجدر الإشارة، وفقاً لتقرير صادر في يناير/كانون الثاني الماضي عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، إلى أن المغرب كان البلد الوحيد في المنطقة الذي حافظ في عام 2020 على تدفق متواصل للاستثمارات الأجنبية المباشرة مقارنة بالعام السابق (1.6 مليار دولار).
علاوة على ذلك، فإن بيانات التجارة الخارجية المحدثة حتى نهاية يوليو/تموز 2021 تظهر مساراً إيجابياً تمثل في زيادة الصادرات بنسبة 23.2% (أعلى مما سجل في الفترة ذاتها على مدار السنوات الخمس الأخيرة) وكذا في الواردات بنسبة 21%.
حضور إيطالي
وفي حديث خاص للدورية، أوضح أرماندو باروكّو السفير الإيطالي لدى المغرب أن ثمة حضوراً قوياً للغاية لإيطاليا في مجال مكونات السيارات وخاصة في المنطقتين الصناعيتين في طنجة والدار البيضاء.
ورأى باروكّو أن الاستثمار في المملكة من الممكن أيضاً أن يمثل الخطوة الأولى من أجل تشكيل مثلث تجاري نحو باقي القارة الأفريقية، وذلك انطلاقاً من قاعدة لوجستية طليعية تتمثل في شبكة الموانئ والبنى التحتية التي تعتبر درة تاج سياسات الاستثمار العام.
وأضاف أن الطاقة المتجددة تمثل، في هذا السياق، أهم القطاعات الرائدة الواعدة في المغرب وذلك بالنظر إلى الإمكانيات الاستثنائية لطاقة الشمس والرياح، وثمة أيضاً الهيدروجين الأخضر: بوابة طاقة المستقبل.
ووفقاً للسفير الإيطالي، فإن اهتمام دوائر الصناعة والأعمال الإيطالية بالمغرب آخذ في الزيادة سواء على مستوى المجموعات الصناعية الكبرى مثل "إيني" و"إينيل غرين باور" و"سنام" و"سايبيم" أو الشركات الصغيرة والمتوسطة، ليس من قبيل المصادفة، بل لأنه يلقى دعماً قوياً من جانب مؤسسات مالية إيطالية بارزة مثل صندوق الودائع والقروض الذي عزز مؤخراً اتصالاته الخصبة مع نظيره المغربي من أجل إطلاق خطوط تعاون جديدة وتمويل في المستقبل.
وأوضح أن الشركات الإيطالية يمكنها تحقيق استفادة من الانتعاش الاقتصادي للمغرب عبر المشاركة في المشروعات العامة والخاصة التي سوف تنطلق الحكومة من خلالها نحو الانتعاش.
ولفت إلى أن قطاع السيارات يعد من أبرز أوجه التعاون مع المغرب، حيث تمثل السيارات 45.3% من إجمالي واردات إيطاليا من المملكة، علاوة على الاستثمارات المهمة التي تنفذها هناك شركات إيطالية بارزة، فإلى جانب مجموعة "ستيلانتيس" هناك عدد من الشركات العاملة في مجال مكونات السيارات مثل: "مانيتي ماريللي" و"بروما"و"سيغيت" و"ماكّفيرّي".
ورأى أن دور المغرب في قطاع السيارات سوف يواصل نموه في السنوات المقبلة، وذلك بفضل الاستثمارات القوية لبناء نظم بيئية مدمجة وإدماج البلاد في سلاسل عالمية رفيعة المستوى والدعم المقدم لتأسيس شركات دولية بارزة وتقديم تسهيلات في تدريب العمالة المحلية.