لم يكن الملياردير الفرنسي من أصول لبنانية رودولف سعادة، الرئيس التنفيذي لشركة النقل البحري العالمية "CMA CGM" يتحصل على أرباح سنوية تتجاوز خانات عشرات ملايين الدولارات في المعتاد في أحسن الأحوال في سنوات ماضية، لكن عام 2022 الذي شهد تحولات اقتصادية عالمية غيّرت موازين النفوذ المالي في مختلف أنحاء المعمورة، كان فارقاً بالنسبة له بشكل غير متوقع.
فقد أضاف سعادة إلى ثروته 10.9 مليارات دولار خلال العام الماضي، لتصبح 16.9 مليار دولار، ويرتقي إلى المركز الـ88 في قائمة أثرى أثرياء العالم، وفقاً لمؤشر بلومبيرغ للمليارديرات حول العالم.
يتربع منذ خمس سنوات على رأس شركة النقل البحري والحاويات التي تصنف في الترتيب الثالث عالمياً، والتي تعرضت لأزمة حادة خلال سنوات قليلة ماضية، لكنها استطاعت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تحقيق قفزات كبيرة مستفيدة في ذلك من ارتفاع الطلب على الشحن البحري، ولا سيما بعد انتعاش الأسواق، عقب الخروج من الإغلاق الذي تسببت فيه جائحة فيروس كورونا، وكذلك عام 2022 الذي سجل قفزات في تكاليف النقل بفعل تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، وأسعار الطاقة والتضخم الجامح عالمياً.
في الأعوام الثلاثة الماضية، تضاعفت ثروة سعادة خمس مرات، وتشير التقديرات إلى أنّ عائلته حصلت على حصة من أرباح الشركة في العام الماضي، بلغت نحو ملياري يورو (2.1 مليار دولار)، بينما لم تكن تتلقى في الأعوام الماضية سوى خمسين مليون يورو في العام.
متكتم لا تستهويه الأضواء كثيراً. ويمتلك مع أخته تانيا سعادة، التي تشغل منصب مديرة عامة منتدبة في شركة "CMA CGM" وأخيه جونيور 73% من أسهم الشركة. من قبل، لم تكن الصحة المالية للشركة على ما يرام قبل تفشي فيروس كورونا. ففي عام 2019 تكبدت خسائر بنحو 229 مليون يورو، بعدما وصلت تلك الخسائر في 2016 إلى 452 مليون يورو.
وحصلت الشركة في ظل التداعيات الأولى للوباء على قرض بقيمة 1.05 مليار يورو، مضمون من قبل الدولة الفرنسية، التي سعت إلى مساعدة شركة النقل البحري والحاويات لتمويل حاملات الحاويات الجديدة التي جُمعت في آسيا، والاستحواذ على شركة اللوجستيات السويسرية Ceva Logistics.
وبعد هذه المساندة الحكومية تبدل حال الشركة في غضون أشهر قليلة، مستفيدة من ظروف عالمية مغايرة لما كان سائداً من قبل. فقد شرعت الشركة في تحقيق أرباح قياسية، ما دفع البعض إلى الدعوة إلى فرض ضريبة عليها، كما كل المجموعات الكبيرة التي حققت أرباحاً قياسية اعتباراً من العام ما قبل المنصرم.
ساهم الطلب على خدمات الشركة التي تنشط في 160 بلداً في الأعوام الثلاثة الأخيرة، في رفع الثروة الشخصية لرئيسها التنفيذي ومالكها رودولف سعادة وعائلته أيضاً، حسب بيانات منشورة في موقع فوربس الأميركي من 7 مليارات يورو إلى 41.1 مليار يورو.
بين 2020 و2022، أضحى الرجل وحده صاحب ثالث ثروة في فرنسا، بفضل الطلب على خدمات شركات الشحن البحري، عبر العالم.
وعندما مثل أمام لجنة استماع بالبرلمان الفرنسي في سبتمبر/أيلول الماضي حول الأرباح المرتفعة، اعتبر أنه ليس ضد الضريبة على الأرباح المرتفعة، غير أنّه أكد أنّ فرض ضريبة خاصة سيضعف تنافسية الشركات الفرنسية في مواجهة الشركات العالمية.
وقال إنّ 90% من أرباح الشركة يعاد استثمارها، بينما يوزع الباقي على المساهمين، مشدداً على أنّ فرض ضريبة إضافية سيقلص هامش الاستثمار للمجموعة ويضعفها في قطاع مهم لاقتصاد وسيادة فرنسا، وفق تعبيره.
يعود الفضل في ثروة رودولف، البالغ من العمر 52 عاماً، إلى والده جاك سعادة، الذي رأى النور في العاصمة اللبنانية بيروت في عام 1937، وترعرع في سورية قبل أن يلتحق بالدراسة في بريطانيا في London School of Economics، وينتقل بعد ذلك إلى الولايات المتحدة.
وفي عام 1958 عاد الوالد جاك إلى سورية من أجل مواصلة نشاط العائلة الاقتصادي القائم على التبغ والقطن، غير أنّ سلسلة التأميمات التي قررها الرئيس الراحل حافظ الأسد، أفقدت الأسرة ثروتها، ما دفعها إلى مغادرة البلد والاستقرار في بيروت، غير أنّ الحرب الأهلية في لبنان (1975 ـ 1990)، اضطرت الأسرة للهجرة إلى فرنسا، وتأسيس شركة CMA المتخصصة في النقل البحري، إذ بدأ جاك سعادة بباخرة واحدة تربط مارسيليا ببيروت.
ويحسب له أنه كان سباقاً في المراهنة على الصين وآسيا، غير أن القفزة القوية التي شهدتها الشركة عندما اشترت شركة النقل البحري CGM في عام 1996 في سياق خصخصتها، قبل أن تستحوذ على شركة Delmas في 2005، أفضت إلى وضع الشركة ضمن الخمسة الكبار في العالم في ذلك القطاع.
وسلم جاك سعادة قيادة الشركة إلى نجله رودولف في 2017، قبل أن يغادر الحياة بعام. وبعد 44 عاماً من العمل، تستحوذ الشركة على المركز الثالث عالمياً بـ 580 باخرة حاملة للحاويات، إذ تتقدم عليها فقط شركتا "MSC" الإيطالية و"ميرسك" الدنماركية.