استمع إلى الملخص
- الانقسام المالي يظهر في اختلاف سعر صرف العملة بين مناطق الحوثيين والحكومة الشرعية، حيث أدى نقل البنك المركزي إلى عدن وطباعة نقود جديدة إلى تفاقم الأزمة، بينما منع الحوثيون تداول العملة الجديدة.
- إنقاذ الاقتصاد يتطلب توحيد البنك المركزي وتوريد الإيرادات إليه، مع دعم دولي مثل وديعة مالية. جهود المبعوث الأممي تهدف إلى تعيين شخصية توافقية لإدارة البنك المركزي وتوحيد العملة.
باتت عملية الإصلاحات الاقتصادية مطلباً ملحاً للأطراف اليمنية المختلفة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد اليمني المتدهور، والذي يعاني من الانقسام المالي والمصرفي نتيجة وجود بنكين أحدهما في صنعاء تابع لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وآخر في عدن تابع للحكومة المعترف بها دولياً. وأكدت القوى السياسية اليمنية خلال لقاءاتها بالمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في الأيام الماضية، أن الإصلاحات الاقتصادية تعد بوابة الوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة اليمنية، حيث تأخذ هذه الإصلاحات منحاها عبر توحيد العملة وتشكيل إدارة موحدة للبنك المركزي اليمني، واستئناف تصدير النفط والغاز لدعم الخزينة العامة، وصرف رواتب الموظفين المقطوعة منذ سبتمبر/أيلول 2016. وشدد ممثلو الأحزاب اليمنية على أن توحيد البنك المركزي يعد خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وأن التعافي الافتصادي والاستجابة الإنسانية يمثلان أولويات ملحّة للشعب اليمني.
وأشار مسؤول في مكتب غروندبرغ إلى استمرار المشاورات والنقاشات مع مسؤولي البنك المركزي في صنعاء وعدن لإيجاد حلول تقنية مستدامة، تهدف إلى تفادي انهيار أعمق يصيب الاقتصاد اليمني، بما في ذلك تقييم العرض النقدي الأمثل وتوحيد سعر الصرف على مستوى البلاد.
وأدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بسبب الانقسام المالي والمصرفي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف، وتوقف عوائد النفط والغاز بسبب التوقف عن تصديره إثر الهجمات الحوثية على ميناء الضبة النفطي بمحافظة حضرموت في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بالإضافة إلى تزايد معدلات البطالة، وازدياد الفقر في أوساط السكان، حيث بات أكثر من 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات غذائية، بحسب تقارير دولية.
وتبدو مظاهر الانقسام المالي والمصرفي في اختلاف سعر صرف العملة في مناطق سيطرة الحوثيين عما هو عليه في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، حيث يبلغ سعر صرف الدولار الواحد في مناطق الشرعية 2032 ريالا للدولار، فيما يبلغ في مناطق سيطرة الحوثيين 535 ريالا للدولار الواحد. وبدأ الاختلاف في سعر صرف العملة مع قيام الحكومة الشرعية في 2016 باتخاذ قرار يقضي بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وطباعة كمية كبيرة من النقود تقدر بنحو 2.5 تريليون ريال، ليرد الحوثيون على ذلك بقرار منع تداول العملة الجديدة في مناطق سيطرتهم.
كما أصدر الحوثيون قانونا يحظر التعاملات الربوية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في مارس/آذار 2023، وهو ما تسبب بشلّ عمليات البنوك التجارية والإسلامية ومؤسسات التمويل الأصغر، ودفع عدداً من البنوك إلى حافة الإفلاس. أضف لذلك أن الحوثيين أصدروا عملة معدنية من فئة 100 ريال، وهي عملة غير قانونية يتم التعامل بها في مناطق سيطرتهم تعويضا عن العملة التالفة، وهو ما ساهم في زيادة الفجوة بين العملتين وضاعف حالة الانقسام المالي في البلاد.
حالة الانقسام المالي والمصرفي أدت إلى تهاوي الاقتصاد اليمني الذي يرزح تحت وطأة الحرب والتشظي، ما جعل حل الملف الاقتصادي للأزمة اليمنية حاجة ملحة باعتباره مقدمة لأي حل سياسي، لكن الشروع في حلحلة هذا الملف ما زال محاطا بالكثير من التعقيدات، حيث إن توحيد العملة يقتضي توحيد البنك المركزي تحت إدارة موحدة وإنهاء حالة الانقسام.
إنقاذ الاقتصاد اليمني ضرورة
عبد الناصر راوح، مدير فرع بنك الإنشاء والتعمير بتعز، قال لـ"العربي الجديد"، إنه لا يمكن توحيد العملة الوطنية إلا بوجود إدارة موحدة للبنك المركزي اليمني، وهذا أهم عامل يجب تنفيذه لاستقرار سعر صرف العملة ومن ثم توحيدها، وتفعيل مؤسسات الدولة، وصب إيرادات كل المؤسسات في هذا البنك".
وأضاف أنه في ظل الانقسام النقدي الحاصل بالبلاد، وكل بنك له عملته وسعره الخاص، وفي ظل استمرار تعنت الحوثيين ورفضهم الجلوس على طاولة الحوار، وما يحدث من تصعيد عسكري في البحر الأحمر، فإنه لا توجد أي مؤشرات أو بوادر على توحيد العملة، بل بالعكس كل يوم تنهار العملة وتزيد الفجوة أكثر في سعر الصرف بين مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ومناطق سيطرة الحوثيين".
وأشار راوح إلى أنه "بالنسبة لسعر الصرف الحقيقي في حال توحيد العملة تحت بنك مركزي موحد، والقيام بتصدير النفط والغاز، ورفد البنك المركزي بالعملة الصعبة، وتوريد كل إيرادات وموارد الدولة إلى البنك المركزي، فإن سعر الصرف لن يزيد بتقديري عن 700 ريال للدولار الواحد".
من جانبه، قال الصحافي الاقتصادي محمد الشرعبي لـ"العربي الجديد"، إن إنقاذ الاقتصاد اليمني يقتضي توحيد العملة، وهذا يقتضي توحيد إدارة البنك، ويمكن لجهود المبعوث الأممي توحيد البنك عبر الضغط على الحكومة الشرعية وحكومة الحوثيين لتقديم تنازلات في هذا الجانب، والتوافق على شخصية اقتصادية توافقية لتعيينها محافظاً للبنك المركزي، والتوافق على مجلس إدارة البنك، ويمكن أن تكون إدارة البنك في أي دولة غير اليمن بحيث يتم استئناف تصدير النفط والغاز وتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي الذي يجب عليه دفع رواتب الموظفين والقيام بالإصلاحات الاقتصادية".
وأضاف أن الوضع الاقتصادي المنهار في اليمن يستدعي قيام التحالف العربي بدعم البنك المركزي بوديعة مالية بحدود خمسة مليارات دولار من أجل تحسين سعر الصرف الذي سيتم توحيده بعد إلغاء كل القرارات التي تسببت بالانقسام النقدي".