يؤشر استمرار أزمة الهجمات العسكرية بالبحر الأحمر إلى ارتفاع كبير في حصة النقل الجوي التجاري كبديل عن النقل البحري، إذ سعت العديد من شركات الخدمات اللوجستية، خلال الأسابيع الماضية، إلى نقل منتجات الصناعات التحويلية جواً بعدما أجبرت الهجمات سفن الشحن البحرية على البحث عن طرق بديلة، ما تسبب في ارتفاع أسعار الشحن الجوي، المرتفع الكلفة أصلاً مقارنة بنظيره البحري.
وبعدما ظلت أسعار الشحن الجوي مستقرة نسبياً بسبب تزامن أزمة الشحن مع هدوء موسمي في الطلب، أظهرت بيانات منصة الحجز والدفع للشحن الدولي "فريتوس"، في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي، ارتفاعاً في أسعار الشحن من الصين إلى أوروبا بنحو 91% .
وتعزز تلك البيانات من نسبة مساهمة الشحن الجوي في حركة التجارة العالمية، التي لم تكن تتجاوز الـ 1% الشهر الماضي، وفق بيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا".
فالشحن الجوي بات خياراً جذّاباً في ظل طول مسافة الطرق البحرية البديلة لمسار مضيق باب المندب وقناة السويس مروراً بالبحر الأحمر، ما يعني خسارة مزيد من الوقت والكلفة.
زخم جديد
يؤكد الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أنّ النقل الجوي التجاري اكتسب زخماً بعد التوسع في التجارة الإلكترونية ويكتسب اليوم زخماً إضافياً مع أزمة البحر الأحمر، فهنالك زيادة في الشحن الجوي بواقع 6.4%.
ويوضح الشوبكي أن حصة الشحن الجوي من النقل التجاري العالمي 1% فقط، لكن هذه الحصة تمثل 35% من "قيمة" التجارة العالمية بواقع 6 تريليونات دولار سنوياً، مشيراً إلى أن دول الخليج تشهد نموّاً مطرداً في حصة الشحن الجوي، وهو ما يتعزز اليوم في ضوء مخاطر البحر الأحمر.
وللشحن الجوي الخليجي زخم خاص في هذا السياق، بحسب الشوبكي، موضحاً أن موقع دول الخليج المتوسط يمثل عامل جذب للشركات التي ترغب في تخفيف أزمة البحر الأحمر أو الالتفاف على مخاطرها، خاصة تلك التي تريد نقل منتجات يخشى على تلفها في المسافات البحرية الطويلة.
ولذا فهناك زيادة ملحوظة في الشحن الجوي التجاري بدول الخليج العربية بعد أزمة البحر الأحمر، ويتوقع الشوبكي أن تصل نسبة نموه إلى قرابة الـ 10% هذا العام، وأن تتضاعف قيمة الشحن الجوي الخليجي السنوية، البالغة حالياً قرابة 16 مليار دولار، بحلول عام 2030.
صناعة أزمة
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لا تستهدف الشحن البحري أو وصول السلع والمنتجات المختلفة المنقولة إلى الدول المختلفة في العالم باستثناء إسرائيل، حسبما أعلن الحوثيون، ومع ذلك خلقت الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها الغربيون، أزمة شحن عالمية بدلاً من التوجه لحل جذر الأزمة السياسي بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة كما يطالب الحوثيون.
وأدت المعالجة الأميركية للأزمة إلى حرمان العالم من منتجات، في إطار معاقبة الحوثيين على هجماتهم، بدلاً من الضغط على إسرائيل، وفي النتيجة تتجنب رحلات الشحن الذاهبة إلى إسرائيل مسار مضيق باب المندب، وهو ما اعتمدته أكثر من 500 سفينة تجارية حتى الأسبوع الماضي، بحسب عايش.
ومن شأن ذلك زيادة كلفة الشحن البحري إلى أكثر من 200% في بعض حالات التأمين، فضلاً عن خسارة رحلة الشحن الواحدة لأكثر من أسبوعين بالالتفاف حول قارة أفريقياً عبر طريق رأس الرجاء الصالح، بحسب عايش.
ويشير عايش إلى أن العالم اليوم يعيش حالة من عدم يقين يفاقمها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على غزة، ما يعزز من أهمية الشحن الجوي رغم أن كلفته تزيد على نظيره البحري بين 5 مرات إلى 15 مرة.
ولذا فإن قرار الانتقال إلى الشحن جواً يعتمد على حجم السلع المنقولة ونوعيتها والاحتياجات الخاصة بسلامتها وحساب تكاليفها، وهذه التكاليف قد تحدّ من الاتساع الكبير في النقل الجوي، لكنه سيظل خياراً مطروحاً، خاصة للمنتجات التي تحتاج إلى نقل سريع، حسبما يرى عايش.
ويلفت عايش إلى أن الدول الخليجية مستفيدة من استخدام الشحن الجوي في عمليات النقل الإقليمية والعالمية، مؤكداً في الوقت ذاته أن أغلب دول مجلس التعاون ليست متضررة بشكل واضح من أزمة باب المندب وبالتالي فهي ليست مضطرة إلى الشحن الجوي إلا لحسابات زيادة العوائد المالية، حسب تعبيره.