يتظاهر موظفو مطعم للوجبات السريعة في مانهاتن من أجل الحصول على عشرين دولاراً في الساعة، وهو مطلب كان يعتبر غير معقول قبل جائحة فيروس كورونا، لكنه لم يعد مستغرباً في وقت تعرض الشركات زيادات كبيرة في الأجور لمعالجة النقص في العمالة ومواجهة الموظفين تداعيات الغلاء، بينما تفشل هذه الزيادات في مواجهة الفجوة بين المداخيل وتكاليف المعيشة.
ويأتي الضغط المرتبط بالأجور نتيجة عوامل عدة من بينها سوق العمالة الذي يشهد نقصا غير معهود وعدم رغبة الموظفين الذين قبلوا بأجور منخفضة على مدى سنوات في العودة إلى ظروف العمل التي كانت سائدة ما قبل كورونا، فضلا عن ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلى مستوى في أربعة عقود.
ولم يضطّر أرباب العمل لرفع الأجور فحسب، بل عرضوا في بعض الحالات تحسين وضع التأمين الصحي والحوافز.
وقال غريغوري داكو، كبير خبراء الاقتصاد لدى مؤسسة "إرنست آند يانغ" للاستشارات لفرانس برس، أمس، إن "أرباب العمل الرئيسيين في البلاد أدركوا أن عليهم رفع الأجور إلى حد مرضٍ إذا كانوا يرغبون بجذب عمال يمكنهم الاعتماد عليهم للمساعدة في مواجهة هذه الفترة التي تسودها ضبابية كبيرة".
وقبل أيام، أعلن "بنك أوف أميركا" أنه سيرفع الحد الأدنى للأجور إلى 22 دولاراً في الساعة، وهو رقم يتوقع أن يرتفع إلى 25 دولاراً بحلول العام 2025. وفي أنحاء الولايات المتحدة، منحت أكبر الزيادات في الأجور إلى بعض العمال الأقل أجراً، والذين ألحوا على مطالبهم في ظل الجائحة الصحية.
وفي صيف 2021 وبينما كانت تواجه نقصاً لافتاً في العمالة، رفعت العديد من كبريات الشركات الأجور الأساسية إلى أكثر من 15 دولاراً، أي أكثر من ضعف الحد الأدنى الفدرالي البالغ 7.25 دولارات الذي ظل ثابتاً منذ العام 2009، لكن سوق العمل تشهد زيادات مضطردة في الأجور منها بداية العام الجاري.
وقال ماهر رشيد، خبير الاقتصاد لدى مؤسسة "أكسفورد إيكونومكس" إنه "حتى مع المداخيل الجيدة، انخفضت الأجور في الواقع بالنسبة لمعظم المستهلكين" نظرا للارتفاع الكبير في الأسعار.
وبحسب تقديرات لبنك الاستثمار الأميركي "جيه بي مورغان"، أوردتها وكالة بلومبيرغ، فإن حجم ثروات العائلات الأميركية، انخفض بما لا يقل عن 5 تريليونات دولار منذ بداية عام 2022، ومن الممكن أن يبلغ هذا الرقم 9 تريليونات دولار بحلول نهاية العام الجاري.
ويأتي هذا التراجع رغم الآرقام التي كشفت عنها وزارة التجارة أخيراً والتي أظهرت أن الدخل الشخصي زاد بنسبة بلغت 0.4% خلال إبريل/ نيسان الماضي، مقارنة مع 0.5% في مارس/ آذار، و0.6% في فبراير/ شباط الماضيين.
في الأثناء، تراجعت أرباح الشركات خلال الربع الأول من العام الجاري بأعلى معدل في عامين، ولا يبدو أن أصحاب العمل على استعداد لدفع زيادات ضخمة على الأجور للإبقاء على المواهب أو جذبها، مع وجود اقتصاد آخذ في التباطؤ، وفق روبرت بيرجس محلل أسواق المال في وكالة بلومبيرغ.