دخل المتصارعون على السلطة في ليبيا في سباق إصدار قرارات ووعود، وصفها محللون بـ"الشعبوبة"، من دون مراعاة الصعوبات المالية والاقتصادية للبلاد، وذلك بإعلان حكومة الوحدة الوطنية زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 900 دينار (200 دولار) ليرد عليها مجلس النواب (البرلمان) الداعم حكومة فتحي باشاغا برفعه إلى 1000 دينار.
كما يطاول الصراع تغيير سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية، ما يمثل ضربة جديدة للمؤسسات المالية التي دخلت معترك الانقسام أيضا، حيث اتخذ أعضاء في مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي في بنغازي، في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قراراً بتعديل سعر الصرف في غياب محافظ المصرف الصديق الكبير، الذي رفض تنفيذ القرار وشدد على أنه باطلاً من الناحية القانونية.
سباق على الوعود الشعبوية
يقول المحلل الاقتصادي الليبي محمد الشيباني، لـ"العربي الجديد"، إن حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب دخلا في سباق على الوعود الشعبوية، من خلال إعلان كل منهما زيادة الرواتب على حساب الإنفاق العشوائي في البلاد.
وقبل قرار الزيادة من الجانبين، كان الحد الأدنى للأجور يبلغ 450 ديناراً. وتشكل الأجور، في آخر بيان صادر عن مصرف ليبيا المركزي بنهاية أغسطس/آب الماضي، ما نسبته 42% من حجم الإنفاق العام، مع زيادة عدد الأشخاص في القوى العاملة بمعدلات أعلى.
وبلغ عدد العاملين في القطاع العام 2.3 مليون موظف حكومي في مختلف أنحاء البلاد حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي، أو ما يشكل 31% من عدد سكان ليبيا، البالغ 7.4 ملايين نسمة بنهاية عام 2019.
وارتفعت فاتورة الرواتب من 8 مليارات دينار عام 2010 إلى 21.8 مليار دينار عام 2020. وأرجع ديوان المحاسبة، عبر تقريره السنوي العام 2021، هذه القفزة إلى التعيينات الجديدة وزيادات الرواتب.
وقال عضو اللجنة المالية في مجلس النواب عبد المنعم بالكور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن رفع الحد الأدنى للرواتب وفق الزيادة التي أقرها المجلس سيزيد بند الرواتب والأجور إلى 70.5 مليار دينار.
ويرى محللون أن خطوة زيادة الحد الأدنى للأجور ستزيد من حدة الصراع على تغيير سعر الصرف في ليبيا، إذ يأتي جزء من المواد من عائدات بيع الدولار في الأسواق، وهو ما يمثل رافداً لطرفي الصراع.
وقال خبير الاقتصاد أحمد المبروك إن ما يقوم به مجلس النواب "عبارة عن وعود شعبوية فقط يقوم بها من أجل كسب تأييد بسطاء العوام فقط، وهناك مشكلة تتمثل في إضافة نقود جديدة لتغطية الالتزامات المالية لجيش العاملين، وبالتالي مزيداً من فقد الدينار قيمته".
وبالتزامن مع إعلان مجلس النواب زيادة الحد الأدنى للرواتب، اتخذ أعضاء في مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي في بنغازي قراراً، نص على تعديل سعر صرف الدينار في مقابل سلة العملات الأجنبية، ليصل إلى 4.25 دنانير بدلاً من 4.48 للدولار الواحد اعتباراً من 16 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
سياسة صرف النقد الأجنبي
وأشار القرار إلى أن "هذا السعر سيسري على جميع الأغراض والأوجه والعمليات التي يستعمل فيها النقد الأجنبي لكل الأفراد والجهات الاعتبارية والعامة والخاصة الوطنية وغير الوطنية".
وقوبل القرار برفض محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير. وقال مصدر مسؤول في المصرف لـ"العربي الجديد" إن تعديل سعر الصرف بالخفض يتطلب تخفيض الإنفاق العام واتخاذ سياسات مالية واقتصادية مصاحبة، من أجل إحداث تحسن اقتصادي.
لكن مراجع غيث، عضو مجلس إدارة المصرف المركزي، قال لـ"العربي الجديد" إن تخفيض قيمة الدولار لا تتعدى 15% فقط لخفض الأسعار، لأن التضخم مستورد ولتقوية القوة الشرائية للعملة الليبية.
في المقابل، رأى محللون أن زيادة قيمة العملة الليبية مقابل الدولار تأتي أيضا في إطار السياسات الشعبوبة من جانب مجلس النواب. لكن الخبير الاقتصادي محمد معيوف له رأي آخر، مشيرا إلى أن تعديل سعر صرف الدينار مطلب أساسي مع التضخم والغلاء وقلة الحيلة للطبقة الوسطى التي بدأت تتلاشى.
ويدعم صعود عائدات النفط تبريرات رفع قيمة الدينار. وذكر مصرف ليبيا المركزي، في تقرير قبل أيام، أن الإيرادات النفطية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري وصلت إلى 18.5 مليار دولار، مع تحقيق فائض مالي بقيمة 4.5 مليارات دولار بين المصروفات والإيرادات، وفائض بميزان المدفوعات بـ600 مليون دولار.
وكانت الدولة قد خفضت سعر صرف الدولار مطلع العام الماضي 2021، بنحو 70% من 1.5 دينار إلى 4.83 دنانير، وفق خطة زمنية لمدة 3 سنوات في إطار صعوبات مالية واجهتها في خضم أزمة جائحة كورونا.
وتشهد ليبيا منذ مارس/ آذار الماضي صراعاً حول السلطة بين الحكومتين، حيث تسيطر حكومة الدبيبة على العاصمة ومؤسسات الدولة السيادية والمالية، وترفض تسليم السلطة إلا بعد إجراء الانتخابات، وتقابلها حكومة فتحي باشاغا المدعومة من جانب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والمقبولة في مناطق اللواء المتقاعد خليفة حفتر، شرقيّ البلاد وجنوبيها، والتي تطالب بدخول طرابلس، وحاولت ذلك في ثلاث مناسبات، فيما تتخذ الآن من مدينة سرت مقراً مؤقتاً لها.