سباق بين المرجان الجزائرية والنوتيلا في ميدان المقاطعة

24 سبتمبر 2024
حملات مقاطعة ستاربكس في باريس بفرنسا، 30 مارس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

منذ بدء حملة مقاطعة منتجات الشركات الغربية الداعمة لحرب الإبادة التي يشنُّها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة، انطلق المستهلكون في عدّة دول، من بينهم المغتربون في أوروبا، في رحلة البحث عن منتجات بديلة تغنيهم عن استخدام المنتجات الغربية وتقيهم الإحساس بذنب مساندة داعمي الاحتلال الصهيوني، وراح المؤثِّرون والمؤثِّرات على مواقع التواصل الاجتماعي يروِّجون لشوكولاته الدهن الجزائرية "المرجان"، ويعبِّرون بكلّ حماسة عن دهشتهم وانبهارهم الشديد بذوقها الذي يوقظ حواسهم ويغنيهم، على حدِّ قولهم، عن استهلاك النوتيلا وباقي الكريمات القابلة للدهن وحتى "الكيندر بوينو".

ونتيجة لذلك اكتسبت "المرجان" الجزائرية شهرة واسعة لم تكن في الحسبان وانتشاراً غير مسبوق بالمجَّان في الأسواق الأوروبية عامّة والفرنسية خاصّة التي تحتدّ فيها المنافسة إلى أبعد حدّ وتمكَّنت، بشكل غير مدروس وغير مخطَّط له مسبقاً، من إرباك عمالقة صناعة الشوكولاته الأوروبيين وتهديدهم في عقر دارهم.

بعد انتشار "المرجان" كالنار في الهشيم الذي جذب اهتمام أشهر القنوات والصحف الفرنسية، شهدت المحلّات والمتاجر الفرنسية الكبرى طوابير طويلة من الزبائن، الأمر الذي دفعها إلى تسقيف الكمية المشتراة منها بعلبتين فقط لكل شخص. فقد أدَّى اشتداد الطلب على شوكولاته "المرجان" إلى وصول سعرها في السوق السوداء إلى 22 يورو (24.5 دولاراً)، أي ما يعادل أربعة أضعاف سعرها الأصلي، وكذا سعر منافستها الإيطالية الشهيرة "نوتيلا" في الأسواق الفرنسية.

وصل الأمر إلى إعلان سلسلة المتاجر الفرنسية العملاقة "كارفور" الداعمة للكيان الصهيوني طرح كل منتجات "المرجان" وليس فقط الشوكولاته وكريمة البندق القابلة للدهن.

لكن سرعان ما سبَّبت الحمّى الشرائية التي خلَّفتها "المرجان" الجزائرية صُداعاً للسلطات الفرنسية التي سارعت، حفاظاً على عرش المنتجات الأوروبية، إلى حظرها بدعوى مخالفتها للمعايير الأوروبية واحتوائها على الحليب، مستغلَّة في ذلك المادة 20، وتحديداً الفقرة الثالثة، من لائحة الاتِّحاد الأوروبي رقم 2202/2292 التي تضفي طابعاً رسمياً وقانونياً لحظر هذا المنتج الجزائري الذي أصبح يشكِّل تهديداً حقيقياً، ليس فقط لشركة فيريرو الإيطالية التي طرحت منتج "نوتيلا" في الأسواق عام 1964، بل لكل المصنِّعين الأوروبيين للشوكولاته والكريمات القابلة للدهن؛ فقد تمكَّنت السلطات الفرنسية من إحباط ملايين المستهلكين الفرنسيين للمرجان الجزائرية بحجّة أنّ الجزائر لا تطبِّق خطط رقابة صارمة خلال كلّ مراحل إنتاج ومعالجة وتوزيع الحليب ومنتجات الألبان التي قد تحمل أمراضاً معدية.

من جانبها، تدخَّلت وزارة الزراعة الفرنسية، وأكَّدت أنّ شوكولاته "المرجان" الجزائرية محظورة ليس فقط في فرنسا، بل في الاتِّحاد الأوروبي كله بسبب عدم استيفاء الجزائر جميع الشروط اللازمة، المتعلِّقة بالصحة الحيوانية وسلامة الغذاء، التي تؤهِّلها للانضمام إلى مصاف الدول المسموح لها بتصدير سلع، تحتوي على الحليب ومشتقاته وموجَّهة إلى الاستهلاك البشري، إلى الاتِّحاد الأوروبي؛ وشدَّدت أيضاً على سريان التحقيق بخصوص الأسباب الكامنة وراء استمرار توفُّر شوكولاته "المرجان" الجزائرية في السوق الفرنسية.

الأمر الذي اعتبرته السلطات الجزائرية خطوة استفزازية وتعسُّفية تستدعي ردّاً مماثلاً تجاه العديد من المنتجات الفرنسية التي يُطلَق عليها بالعامية منتجات "الكابة" (أي الحقيبة، نسبة إلى جلبها في حقائب سفر الوافدين والزائرين والعائدين إلى الجزائر) التي تقتحم السوق بصفة غير رسمية وذلك لحماية المنتوج الجزائري.

حظر "المرجان" الجزائرية في السوق الفرنسية أعقبه إعلان مجموعة "كاستال" الفرنسية، المتخصِّصة في صناعة المشروبات، بيعَ جميع أصولها في الجزائر إلى شركة بريطانية متعدِّدة الجنسيات وذلك بعد منعها من الاستفادة من الإعفاءات الضريبية غير المبرَّرة، وتحديداً بعد اتِّخاذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موقفاً حازماً ضدّ الشركات الأجنبية لإجبارها على ضرورة احترام القوانين المحلية وعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للبلاد.

من أجل ضمان أكبر قدر من التوازن والموضوعية في هذا التحليل، ينبغي وضع الأصبع على سلوكات المنتجين الذين لا يلتزمون بخدمة متطلَّبات السوق المحلية والسوق الخارجية على حدٍّ سواء عند تحقيق منتجاتهم شهرة واسعة في الخارج، ففي الوقت الذي كانت تعمل فيه شركة "سيبون" المنتجة لشوكولاته "المرجان" على تلبية احتياجات زبائنها في فرنسا وامتلأت أرفف المحلّات الفرنسية بكل أصناف "المرجان"، خلت أرفف المحلّات في كل أنحاء الجزائر ليس فقط من شوكولاته وكريمة البندق "المرجان" القابلة للدهن، بل أيضاً من العسل الصناعي الذي يكثر عليه الطلب في مناسبة المولد النبوي الشريف وتحديداً لتحضير الحلوى الجزائرية التقليدية "الطَّمِّينة" التي تُعدّ أهمّ الطقوس الجزائرية العتيقة للاحتفال بهذه المناسبة الدينية. كما اضطرَّت العديد من الكافتيريات الجزائرية المتخصِّصة في "الكريب" إلى استخدام منتجات بديلة لشوكولاته "المرجان" بعد اندثارها من السوق المحلية.

وبمجرَّد صدور قرار الحظر في فرنسا، عادت شوكولاته "المرجان" بمختلف أصنافها، لكن بقوام أكثر سماكة من ذي قبل، لتملأ الفراغ الذي خلَّفته في المحلّات الجزائرية أثناء انتشار ترند تذوُّقها بقوّة على مواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا. الأمر لا يقتصر على شوكولاته "المرجان" فحسب، بل أيضاً على أنواع معيّنة من الفواكه والخضروات الطازجة عالية الجودة التي أصبحت مجرَّد ذكرى في أذهان الجزائريين الذين يتحسَّرون على اختفائها من الأسواق الأسبوعية.

أمّا في ما يخص قرار الحظر الفرنسي المتحجِّج بمخالفة الحليب المستخدم في منتج "المرجان" للمعايير الأوروبية، فيمكن تجاوزه من خلال فتح فرع للشركة في الأراضي الأوروبية، بحيث يصبح في مقدورها استخدام الحليب المطابق تماماً للمعايير الأوروبية، لكن عندئدٍ ينبغي لها الخضوع لشروط استبدال شعارها المتمثِّل في امرأة جزائرية ترتدي لباس الحايك (قماش أبيض يغطِّي جسم المرأة بالكامل) المعترف به في منظمة "اليونيسكو" بأنّه لباس تقليدي جزائري، خصوصاً لكون "الحايك" رمزاً لنضال ومقاومة المرأة الجزائرية وثوب الثورة الجزائرية الذي حاربه الاستعمار الفرنسي.

وفي ما يتعلَّق باستراتيجية ردّ الصاع صاعين من الجانب الجزائري، يمكن الجزم بأنّ سياسات خنق الاستيراد في الجزائر تسري على قدم وساق حتى قبل تفجُّر قضية حظر شوكولاته "المرجان" في الأسواق الفرنسية، فقد زاد الأمر عن حدِّه في ما يخصّ وقف الجزائر استيراد العديد من الأدوية الفرنسية التي ليس لها بديل محلِّي.

خلاصة القول، شوكولاته "المرجان" ما هي إلّا غيض من فيض الأمثلة الكثيرة عن المنتجات الجزائرية القادرة على غزو الأسواق الأوروبية وإغناء الجموع الغفيرة من المقاطعين عن استهلاك منتجات الشركات الغربية الداعمة للكيان الصهيوني.

المساهمون