يخضع الآلاف من البريطانيين إلى قروض عقارية بفوائد عالية من شركات غير نشطة منذ ما قبل الأزمة المالية العالمية، التي انطلقت في عام 2008.
هؤلاء، محاصرون بسداد أقساط شهرية مرتفعة، غير قادرين على الاقتراض من جديد بفوائد أقل، بسبب تشديد قواعد الاستدانة، ولا يستطيعون الفكاك من قروضهم السارية. يُطلق على هذه الفئة من البريطانيين صفة "سجناء الرهن العقاري".
ومع انتشار فيروس كورونا، وازدياد الأزمات المعيشية المرتبطة بتداعيات الفيروس، تصاعدت حملات تدعو الحكومة البريطانية إلى فرض سقف متغير الفائدة للمقترضين من شركات غير نشطة.
يعتقد مطلقو الحملات أنّ فرض هذا السقف، سيحرّر 100 في المائة من سجناء الرهن العقاري البالغ عددهم حوالى 250 ألف شخص في البلاد. وفي التفاصيل، اقترض سجناء الرهن العقاري من شركات لم تعد نشطة في السوق، وبيعت قروضهم، التي تعرف باسم قروض "الكتب المغلقة"، إلى مستثمرين آخرين، بعد الأزمة المالية العالمية.
وبما أنّ العديد من هؤلاء المستثمرين، ليسوا مقرضين للرهن العقاري ولا يقدمون قروضًا عقارية جديدة، فإنّ المقترضين عالقون في رهن عقاري أكثر تكلفة من بقية القروض الموجودة في السوق. ويواجه العديد منهم صعوبة أو استحالة في الحصول على قروض جديدة مع مقرضين نشطين، لأنّهم لا يستوفون معايير الإقراض الحالية الأكثر صرامة.
فبعد الأزمة المالية، أمر المنظّم المالي في المملكة المتحدة، بإجراء مراجعة لتشديد قواعد الإقراض العقاري. وكانت الأزمة المالية العالمية السبب الرئيسي في ظهور أول موجة كبيرة من سجناء الرهن العقاري. قبل ذلك، كانت البنوك مستعدة لتقديم قروض عقارية أكبر بكثير، بعضها يصل إلى 125 في المائة من قيمة العقار، وكانت حريصة على جذب أكبر قدر من العملاء.
تواصلت "العربي الجديد" مع أوليفيا سيللي، محامية، في شركة هاركوس باركر للمحاماة والمتخصصة في رفع الدعاوى المعقدة والدفاع عنها، التي غالبًا ما تشمل مجموعات كبيرة من المطالبين، وقد استلمت دعاوى سجناء الرهن العقاري ورفعتها إلى القضاء.
تقول أوليفيا إنّ سجناء الرهن العقاري مقترضون غير قادرين على إعادة تجديد الرهن العقاري، وليس لديهم خيار سوى دفع معدلات الفائدة المرتفعة التي حددها المقرض.
وكان العديد منهم قد أخذوا قروضهم من بنك نورثرن روك، قبل الأزمة المالية العالمية في عام 2008، التي تسببت في إفلاسه، فحُوّلت قروضهم العقارية إلى مقرضين غير نشطين، أي المقرضين الذين لا يقدمون صفقات رهن عقاري جديدة.
وغالبًا ما يكون سجناء الرهن العقاري غير قادرين على الحصول على رهن أفضل مع مقدمي خدمات آخرين، على الرغم من أنهم كانوا مؤهلين في السابق للحصول عليها، إلا أنهم اليوم يفشلون في اجتياز متطلبات او اختبارات القدرة الراهنة على تحمل التكاليف الأكثر صرامة، التي فرضتها هيئة الخدمات المالية (FCA)، في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
تتابع أوليفيا موضحة، لقد رفعوا دعوى جماعية، هدفها استعادة قيمة الفرق بين الفائدة المرتفعة التي يدفعها المقترضون على رهونهم العقارية، والفائدة التي كانوا سيدفعونها لو كان المقرض قد حدد نسبة الفائدة عند مستوى "عادل" أقل.
وتلفت إلى أنها لم تتقاض أي مبالغ مالية مقابل رفع هذه الدعوى، لأنّها وشركتها يعملون على أساس أنه لا توجد رسوم سيتم تحصيلها في حال خسارة القضية، وذلك تحت مبدأ: "لا ربح، لا عمولة". وتقول إنّ المطلب الأساس يتعلّق بانتهاك القاعدة التي تنص على أنه لا ينبغي للمقرض أن يمارس سلطته التقديرية لتعيين أو تغيير سعر الفائدة بطريقة غير نزيهة، أو لغرض غير لائق، أو بشكل متقلب، أو تعسفي. لافتة إلى أنّهم أرسلوا حتى الآن خطابات تطالب بذلك إلى "لاندمارك مورتاج" (شركة بريطانية قابضة لإدارة أصول تم فصلها عن بنك نورثرن روك في عام 2010) وإلى مصرف TSB.
وتدعو أوليفيا "الأشخاص الذين أخذوا قروضا عقارية من هؤلاء المقرضين والأشخاص الذين لديهم رهن عقاري مع مقرضين آخرين، ممن يمكن وضعهم في خانة سجناء الرهن العقاري، للتسجيل في هذه الدعوى".
ويبقى التركيز الأساس للدعوى على المقرضين غير النشطين. وتشرح راشيل نيل، رئيسة حملة "سجناء الرهن العقاري في المملكة المتحدة" في حديثها إلى "العربي الجديد" قائلة: "أنا سجينة رهن عقاري منذ أكثر من عشر سنوات ".
وتوضح أنّه بعد رفع سعر الفائدة بشكل كبير على القروض العقارية، عانى الكثيرون من سجناء الرهن العقاري حتى وصل حال بعضهم إلى الفقر والتشرّد. ذلك لأسباب مختلفة منها عجزهم عن الانتقال إلى قرض عقاري آخر أو بسبب تبّدل قدرتهم على تسديد المبلغ أو نتيجة القوانين الجديدة للاقتراض التي فرضت العام الماضي.
وتكمل، هناك آلاف الأشخاص الذين لا يزالون يعانون، بينما لم تُوفّر المساعدة سوى لعدد ضئيل جدا منهم. تضيف راشيل، "أطلقت الحملة في عام 2018، وبدأت مجموعة "سجناء الرهن العقاري في المملكة المتحدة"، باتخاذ إجراءات قانونية في عام 2019، وهي تحمّل الحكومة مسؤولية معاناتهم.
ولا تزال راشيل على تواصل مع الحكومة في محاولة للتوصل إلى حل. مشيرة إلى ما جاء في آخر رسالة في 25 يناير/كانون الثاني هذا العام، إلى جون غلين، السكرتير الاقتصادي في وزارة الخزانة، التي تقول: "من المؤسف أن ترفض بعد كل هذه السنوات من محاولات التواصل بشكل مثمر معك، تقديم المساعدة، لأولئك الذين تضرروا بشدة من قرار وزارة الخزانة الكارثي. لقد قيدت حركتنا المالية ولم تتركنا خارج السوق السائدة فحسب، بل خلقت وضعًا يستحيل معه العودة إلى هذه السوق من دون تدخل الحكومة. ولا تزال جميع المراسلات والبيانات العامة حتى الآن، ترفض التعامل مع جوهر الموضوع، وهنا تكمن المشكلة التي أنشأتها الخزانة والتي تحتاج إلى تصحيح من قبل الخزانة، وليس السوق".
وتلفت الرسالة إلى أنّه تم توضيح القضايا المعقدة بوضوح في تقرير كلية لندن للاقتصاد حول هذا الملف. وأنّ المشكلة بدأت إلى حد كبير من خلال تصرفات الحكومات المتعاقبة، لذلك لا يجوز إلقاء اللوم على المقترضين. ومن أجل إيجاد حل لسجناء الرهن العقاري، تطالب المجموعة باعتراف وزارة الخزانة بالدور الذي لعبته في خلق هذا الوضع، واتخاذ خطوات لتصحيح هذا الموقف.
وفي هذا الإطار، تقول أوليفيا، "ناقشنا بإيجاز الرسالة الموجهة إلى وزارة الخزانة من قبل مجموعة سجناء الرهن العقاري في المملكة المتحدة". وتوضح أنّ المجموعة لا تشكّل جزءًا من شركة "هاركوس باركر" المستقلة التي تسعى إلى تغيير تنظيمي في سوق الرهن العقاري. وإنّ توجيه هذه الرسالة حصل بعد تصويت مجلس العموم، ضد عدد من التعديلات المقترحة على قانون الخدمات المالية في أوائل يناير/كانون الثاني.
وأحد التعديلات المطلوبة كان وضع حد أقصى على سعر الفائدة المتغير "SVR"، الذي قد يفرضه المقرضون غير النشطين. وبالتالي، فإن هذه الرسالة هي طلب لإعادة النظر في الأمر. في المقابل، اقترحت هيئة السلوك المالي "FCA"، في عام 2018، السماح لبعض هؤلاء المقترضين بالتحول إلى رهن عقاري أرخص مع المقرض الحالي ومن دون الخضوع لاختبارات القدرة على تحمل التكاليف الكاملة.
وفي أغسطس/آب 2018، وافقت مجموعة من 59 من المقرضين المعتمدين (الذين يمثلون 93 في المائة من سوق الرهن العقاري السكني في المملكة المتحدة) على مساعدة 10 آلاف من سجناء الرهن العقاري فقط، من بين أولئك الذين لديهم قروض عقارية مع مقرضين معتمدين. وتُظهر بيانات هيئة السلوك المالي، أن المقترضين من شركات غير نشطة، الذين يواكبون المدفوعات ولا يمكنهم التبديل، يدفعون في المتوسط 0.4 في المائة فقط أكثر من المقترضين المماثلين في السوق النشطة. بيد أنّ سجناء الرهن العقاري في المملكة المتحدة، يرفضون هذه البيانات ويرون أنّها غير دقيقة.
وتضم مجموعة الدفاع عن سجناء الرهن العقاري أكثر من أربعة آلاف عضو. تمكّن 14 عضواً فقط التبديل إلى صفقات أرخص. وتشير المجموعة إلى أنّ القول بأنه قد قُدِّمَت المساعدة لغاية الآن، لنحو 170 ألفاً من المتضررين، مجرد خيال. إذ يوجد أربعة مقرضين فقط في السوق يطبقون قواعد منصفة، بينما رفض آخرون لأسباب عديدة، منها العمر، وفترة الرهن العقاري الباقية المنخفضة للغاية، والتقاعد، والإعاقة، والطلاق، وكوفيد 19...