صحيح أنه، ليس بعد قتل مليون سوري وتهجير نصف السكان من ذنب، لكن آثاماً كبيرة مدمرة، لم تزل تمارس بحق السوريين الذين فاضوا عن آلة الحرب الروسية الأسدية والإيرانية، تعدت التهجير والتفقير والتغيير الديمغرافي، لتصل، وفق آخر القرارات المتزامنة وإفلاس نظام بشار الأسد، حتى بتأمين جزء من موازنة، تورّط بإقرارها من دون موارد، إلى مصادرة الممتلكات نهائياً ونقل ملكيتها واستثمارها من الغير.
في الأمس، وبواقع انشغال العالم بالحرب "العالمية على غزة" أقر مجلس الشعب السوري، وبالأكثرية، مشروع قانون يتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم، ليتحوّل المشروع إلى قانون تتولى وزارة المال، بموجبه، استثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من لم يوافق على حرب بشار الأسد على الشعب وتطلعاته، ويترك استثمار الأراضي لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.
ولإعطاء لبوس قانوني، منح القانون صلاحية التحكم المطلق، لرئيس السلطة التنفيذية "رئيس مجلس الوزراء" لنقل ملكية الأموال المصادرة إلى الجهات العامة ذات الطابع الإداري دون مقابل بناء على طلب الوزير المختص، دون أن يترتب على ذلك أي ضريبة أو رسم، وبمقابل مالي، لم يحدده القانون، يؤول إلى الخزينة العامة في حال نقل الملكية إلى الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي.
ليكون بالقانون الجديد بسورية الأسد، سابقة على مستوى العالم، بعد أن تعدى المتعارف عليه بحالات الإرهاب والخيانة من مصادرات وحجز احتياطي، إلى استباحة الأموال والممتلكات ونقلها واستثمارها بطريقة مافياوية فوق دستورية، لم تخرج عن النهب العلاني والمنظم، بعد أن أسس لهذي السرقة ومهّد لها الأرضية، من خلال قوانين عدة أكثرها خرقاً وفجاجة القانون 10 لعام 2018.
قصارى القول: نهج نظام بشار الأسد، منذ عام 2012، مسلك سرقة أموال المعارضين، كإحدى طرق القصاص، معتمداً وعبر التدرج، بعد قرارات محاكم صورية، على الاستيلاء بالقوة العسكرية والأمنية لمنازل وممتلكات الثوار، بعد تصفيتهم أو تهجيرهم، قبل أن يذهب إلى تزوير الوثاثق ونقل الملكية من قيود السجلات العقارية والمدنية للمتوفين أو الهاربين من حمم الموت.
ليستقر به المطاف عند الحلول القانونية التي بدأها بالقانون 66 لعام 2012 بذريعة تنظيم المناطق وهندسة المساكن، من ثم بالقانون 23 لعام 2015 عبر استملاك الأراضي والممتلكات وأتبعه بالقانون 10 لعام 2018 "إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر في المناطق التي دمرتها الحرب"، وقت شرعن السيطرة على الملكيات وتحويلها لمشاع أي خلطها ببعضها وتحويلها للمحافظات أو البلديات.
لتكتمل حالة الاستباحة بمنح استصدار التعليمات التنفيذية لهاتيك القوانين وتطبيقها لجهات أمنية، كما حدث بعد صدور القانون 10 وإيلاء التنفيذ للجان الأمنية في المحافظات.. والذريعة المشجب على الدوام، هي الإرهاب والتآمر على الدولة.
على الأرجح، إن الأسباب الاقتصادية ومحاولات نظام الأسد تأمين إكسير بقائه، ولو بالحد الأدنى بعد انعدام الموارد وتخليه عن دور الدولة، هي الدوافع الأهم بنهج سرقة أموال السوريين واستباحة ممتلكاتهم، بيد أن أسباباً أخرى، أمنية واجتماعية، تأتي كمحرضات خفيّة وإن لم تتجلّ عقابيلها بعد، إن لجهة انعدام فرصة عودة السوريين لوطنهم أو تمليك الغرباء، شركاء الحرب، ثروات سورية وممتلكات شعبها، بجريمة نسف ديمغرافي لا تغيير فحسب.
نهاية القول أمران، الأول بطلان مساعي الأسد وفق ما يسمى دولياً بالقواعد الآمرة، أي القوانين والقرارات التي تنتهك حقوق الإنسان وتتعدى على ملكيته، بيد أن أمر هذا القانون، وللأسف، موجع أكثر مما لو أنه لم يكن، إذ اختبر السوريون عبر رحلتهم التحررية الممتدة منذ عام 2011، زيف القانون الدولي ونشاز عزفه على حسب المنطقة والمصالح وصفقات الاستقواء.
وأما الأمر الأشد خطراً، فهو استحالة عودة السوريين بعد توثيق بيع ممتلكاتهم بصلاحية القانون وإشراف رئيس الوزراء، لتكون القطبة المخفية هنا، هي إيران.
فمن يتفكّر بتاريخ صدور القانون ومطالبات طهران بديونها البالغة أكثر من 50 مليار دولار، ويستقصِ ما تؤول إليه الملكيات، عقارية سكنية كانت أو منشآت، فسيتأكد ربما، أن بشار الأسد لم يعد "مختار حي المهاجرين" كما يصفه السوريون، بل منفذ ليس إلا لمن أبقوه على كرسي أبيه، تارة حين النظر إلى سطوة روسيا على مصادر الطاقة والمنافذ الجوية والبحرية.. وأخرى حين تفجّع بتمدد "المشروع الفارسي" على الأرض والقرارات وصيرورة الأحداث.
ليبقى، من منطلق ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، خلاص السوريين بزوال نظام بشار الأسد، فهو صفر سورية ولن يبدأ العد التصاعدي ومشوار الأمل، لطالما هو على كرسي الوراثة... وإن طريق ما بعد الأسد سيكون محفوفاً بأشواك المحتلين وسرقات من آثر دوام الحال، لنسف الجغرافيا وتزوير التاريح وحلب أكثر ما يمكن، مالا ودماً ومستقبلاً، من بقرة سورية "الطايحة".