أصبح رجل الأعمال المصري سميح ساويرس حديث الساعة، على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، يتلقى نيراناً صديقة وأخرى غاضبة، منذ أن أطلق تصريحاته النارية حول تجميد استثماراته الجديدة، في مصر، مقابل دراسته إقامة مشروعات عدة في السعودية والمغرب، خلال الأيام المقبلة.
اعتاد الابن الثالث لأبيه الراحل أنسي ساويرس، مؤسس إمبراطورية عائلية، قدّرت مجلة فوربس، المتابعة لثروات أغنياء العالم، ثرواتها العام الماضي، بنحو 11 مليار دولار، ألا يخوض في السياسة، كي يفلت من عقوبات السلطة التي وضعت أخاه الأكبر ذات يوم رهن التحقيق والمنع من السفر عام 2013، ونالته قذائف صاروخية من كتائب النظام الإلكترونية، منذ 3 أشهر، لرفضه هيمنة شركات الجيش على الاقتصاد، جعلته، يتقاعد من رئاسة شركاته لصالح نجله.
لم تكن تصريحات سميح ساويرس مخالفة عما يذكره رجال الأعمال والخبراء المصريون في جلساتهم المغلقة وكتاباتهم التي بدأت تظهر على الملأ، عندما وصف الاقتصاد بأنه "مخنوق" و"في أزمة"، ظهرت بعد خروج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من البلاد، في مارس/ آذار 2022، أعقبها شح خطير في الدولار وفرض الحكومة قيوداً على الواردات، أدت إلى تعطل الإنتاج.
كرر ساويرس تحذيرات رجال الأعمال، ومؤسسات التمويل الدولية، التي تدعو الحكومة إلى تطبيق سعر صرف مرن للجنيه، لوقف تعدد سعر الصرف للدولار ما بين الأسواق الرسمية والموازية.
بدأت قذائف اللهب، عندما قال بملء فيه، بمقابلة تلفزيونية، الثلاثاء الماضي 2 مايو/ أيار، إنّه توقف عن الاستثمار في مشاريع جديدة بمصر، لـ"أنني لا أعرف ما إذا كانت المشروعات التي سأقيمها ستنجح أم تفشل، ولا أقدر على إجراء دراسات جدوى، في ظل سعر دولار لا نعرف قيمته، هل هو 42 جنيهاً مثل السوق الدولية، أو 36 جنيهاً في السوق السوداء، بينما تتمسك الحكومة بتثبيت سعره عند 31 جنيهاً بالبنوك".
وأضاف ساويرس أنّ هذا في حد ذاته قاتل لأي توقع من حيث الربحية والجدوى لأي مشروع، مستدركاً بأنه يخطط لمقابلة مسؤولين في السعودية، لأن كل شيء في المملكة أصبح أكثر حداثة، بعد أن أشعلت "ثورة" للتطوير وليس ثورة تفسد الاستثمارات.
عرج ساويرس إلى تراجع دور الاستثمار الخاص في مصر خلال السنوات العشر الماضية من 62% من إجمالي الناتج المحلي، إلى 21%، وفقاً للتقديرات الرسمية.
بدا ساويرس، خريج جامعة برلين للتكنولوجيا، متشككاً في أرقام الحكومة المتفائلة، ومركزاً على أنّ الحكومة التي صنعت أزمة اقتصادية لا تعرف الآن طريقاً للخروج منها، من دون أن تدفع الشركات إلى مزيد من الأعطال والتخبط، بينما يمكنها في رأيه أن تتعامل بواقعية مع سعر الدولار، وتتجه إلى رفع مخصصات الدعم، وأن تبتعد الجهات الأمنية عن إدارة الاقتصاد.
انتشرت أقوال ساويرس كالنار في الهشيم، التقطتها القنوات العربية والدولية، معتبرة ذلك دعماً لرؤية صندوق النقد الدولي ودول الخليج، التي أحجمت عن الاستثمار في مصر إلى حين حلّ الحكومة معضلة سعر الصرف، وخروج الجيش والجهات الحكومية من الاقتصاد.
وصفت صحف ومواقع مدعومة من الجهات الأمنية، ما قاله بأنه "خيانة وتحريض ضد الدولة". طالب نائب البرلمان مصطفى بكري، المقرب من الأجهزة السيادية، ساويرس بالرحيل عن البلاد، لأنه تحدث عن "ضبابية الوضع الاقتصادي، وصعوبة فرص الاستثمار"، ولم يذكر أنّ الأزمة الاقتصادية سائدة في العالم.
يتباهى ساويرس، المتزوج من أجنبية، ويقيم لفترات طويلة بالخارج، بأنّه لا يحمل جنسية أخرى، رغم منحه منذ أشهر، الجنسية الشرفية من سويسرا، لإقامته مشروعات سكنية فاخرة على جبال الألب على مدار 16 عاماً، وامتلاكه نادياً رياضياً يلعب بالدوري السويسري، تقدر قيمته بنحو 1.3 مليار دولار.
سبق كلامه الملتهب وعوداً بإعادة تمويله مهرجان الجونة السينمائي الدولي الذي يرعاه بمشروعه الفندقي الفاخر، على ساحل البحر الأحمر، بعد وقفه لمدة عام، عقب إثارته موجة غضب شعبي ترفض مشاركة إسرائيليين في المسابقة، وارتكاب تصرفات غير لائقة من فنانين يتباهون بالتحول الديني والملابس الخليعة، في نظر الجمهور.
تفتخر عائلة ساويرس بكونها أسرة قبطية مسيحية محافظة دينياً، بينما تبدي معارضة شديدة لأي كيانات سياسية أو توجهات إسلامية، ما جعلها محط مواجهة ساخنة مع جماعة الإخوان المسلمين، عامي 2012 و2013، مقابل تحالف قوي مع المجلس العسكري تخطى الدعم المالي إلى السياسي لنظام ما بعد 30 يونيو.
أكدت رئاسة الجمهورية حصول شركات "آل ساويرس" على مشروعات بقيمة 75 مليار جنيه على مدار السنوات العشر الماضية، بمشاركتها الجيش والحكومة في بناء مشروعات البنية الأساسية بالدولة، تشمل الطرق والجسور والأنفاق ومشروعات القطارات والمونوريل والإسكان، مشيرة إلى نقدهم هذه المشروعات لمجرد مرروها بأزمة مالية تعمل على تجاوزها بسلام.
يتباهى ساويرس، المتزوج من أجنبية، ويقيم لفترات طويلة بالخارج، بأنّه لا يحمل جنسية أخرى، رغم منحه منذ أشهر، الجنسية الشرفية من سويسرا
أفلت سميح ساويرس بصَمته، من مواجهات سابقة مع النظام، ولكن المهندس المخضرم (65 عاماً) تحول إلى متهم أمام الإعلام الرسمي بأنه هاجم الحكومة، في توقيت خطأ.
وبعد أن استردت من شركاته أراضي سكنية بمنطقة 6 أكتوبر غرب العاصمة، وفشل في تنفيذ مشروعاته العقارية بها، وفقاً للجدول الزمني المتفق عليه، مع هيئة المجتمعات العمرانية، رأت الهيئة منح الأراضي المسحوبة لمستثمرين آخرين أكثر مالاً وجدية بالتنفيذ.
يعتبر المهاجمون سميح وشقيقيه، بإمبراطورية العائلة، محترفي مكاسب من أزمات الدول، مستشهدين بما حدث في العراق، حيث حصلوا على حق إنشاء شبكة محمول "عراقنا"، وبناء السفارة الأميركية، وتطوير المنطقة الخضراء ببغداد، وإقامة محطات الكهرباء والهواتف بإربيل، رغم عدم الاستقرار الأمني والسياسي، بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وأنشأ آل ساويرس شبكتي اتصالات أخرى في باكستان وكوريا الشمالية.
ومع تعرض آل ساويرس لخسائر مالية خلال الأسابيع الماضية، جراء انهيار بنك سيلكون فالي، وتأثر استثماراته العقارية في سويسرا بالانهيار المالي لبنوك كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة، اتجهوا إلى التوسع في الاستثمار بمناجم الذهب والعقارات بالسعودية، وبناء فندق كبير بالمغرب، في وقت يجاهر فيه بالتشكيك بقدرة النظام المصري على الخروج من الأزمة الاقتصادية التي صنعها بيده.
يسعى ساويرس إلى تسليم المرحلة الأولى لعملائه بمشروعه السكني الفاخر غرب العاصمة، خلال أيام، واستكمال المشروع ببطء، خوفاً من تقلب سريع في قيمة الجنيه، وبينما تنتشر شائعات حول خروجه من البلاد، خوفاً من القبض عليه، يفضل الابتعاد عن وسائل الإعلام، بعد أن أوصل رسالته النارية، مع التزام كثير من الإعلاميين وثيقي الصلة بإمبراطورية أخيه الاقتصادية والإعلامية بالدفاع عن موقفه.