سر بقاء الاقتصاد الكوري على قوته رغم الاضطرابات السياسية وعزل الرئيس

01 يناير 2025
برلمان كوريا الجنوبية يعزل هان داك-سو (كيم هونغ جي/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت كوريا الجنوبية اضطرابات سياسية بعد محاولة الرئيس يون سوك-يول فرض الأحكام العرفية، مما أدى إلى عزله، لكن الاقتصاد بقي مستقراً بفضل قوته والديمقراطية المستقرة.
- تراجعت قيمة الوون الكوري بسبب عوامل خارجية مثل فوز ترامب وقرارات بنك الاحتياط الفيدرالي، وليس بسبب الأزمة السياسية، حيث انخفض مؤشر الأسهم بأقل من 4%.
- تضررت ثقة المستهلكين والشركات بشكل كبير، لكن التحديات الأكبر تأتي من السياسات الاقتصادية الأميركية وتأثيرها على الصادرات الكورية، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.

من مفارقات كوريا الجنوبية، التي شهدت اضطرابات سياسية عقب محاولة الرئيس يون سوك-يول فرض الأحكام العرفية، أدت إلى غرق البلاد في أزمة سياسية خطيرة، وتبعها عزل البرلمان للرئيس، أن الاقتصاد الكوري لم يتأثر، وأن عملتها بقيت مستقرة، وكذا سوق الأوراق المالية.

وعزل أعضاء البرلمان المنتخبون الرئيس يول الذي عطل الدستور يوم 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ثم عزلوا الرئيس المؤقت الذي حل محله، هان داك سو، يوم 27 ديسمبر، ورغم المخاوف من أن يؤدي عزل الرئيسين إلى مخاطر السمعة في الساحة الدولية، لم يتأثر الاقتصاد الكوري الجنوبي كثيراً.

وأظهرت التقارير الاقتصادية المحلية والدولية أنه رغم كل هذا الاضطراب السياسي، ظلت البلاد، التي تُعَدّ مركزاً لأبرز الصناعات العالمية الكبرى، تعمل بصورة طبيعية، والمصانع والبورصة والعملة مستقرة، حيث تأكد أن الاقتصاد الكوري القوي كان كلمة السر لإجهاض انقلاب الرئيس.

وأكد خبراء قدرة الاقتصاد الكوري على الصمود رغم الاضطرابات التي وقعت، وعزل رئيسين ومحاكمة الرئيس يول، واندلاع مظاهرات، وتدخل الجيش ثم تراجعه "بسبب قوة الاقتصاد واستناد البلاد إلى أساس ديمقراطي سليم". وقال بارك سانغ إن، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيول الوطنية، لـ "وكالة الأنباء الفرنسية" قبل يومين، إنه "رغم أن إجراءات الرئيس المعزول يول كانت غير متوقعة، فإن الديمقراطية الكورية أثبتت قدرتها على مواجهة التحديات".

وأوضح أن المجتمع الكوري كان ناضجاً سياسياً بما فيه الكفاية للتعامل مع هذه الأزمة، لذا فإنها لم تؤثر في اقتصاد البلاد كثيراً، عكس دول أخرى كان من الممكن أن يحدث فيها العكس. وأضاف: "كان المجتمع الكوري ناضجاً بما يكفي لمواجهة أفعال الرئيس المجنون". وأرجع بارك سانغ هذا الصمود للاقتصاد إلى أن "كوريا الجنوبية تطورت من دولة غير متقدمة إلى واحدة من أكثر الاقتصادات ديناميكية ونمواً في العالم، لذا لم تؤثر أفعال الرئيس الذي عزله البرلمان في مسار هذا النمو، وظلت ثانوية".

وأرجع خبراء اقتصاديون آخرون صمود الاقتصاد واستقراره إلى "المرونة الديمقراطية"، و"قدرة الديمقراطية على الصمود"، ما جعل الاقتصاد الكوري الجنوبي ينجح حتى الآن في تجاوز الفوضى، وفق صحف أميركية. وقال تشوي سانغ-موك، وهو وزير المالية الذي عُيِّن ثانيَ رئيس مؤقت وقائماً بأعمال رئيس كوريا الجنوبية، بعد عزل الرئيس الأصلي (يول) ثم بديله المؤقت الأول (سول)، إن "نظامنا الاقتصادي القوي والمرن ضمن الاستقرار السريع رغم التحديات غير المتوقعة".

العملة لم تتأثر

يوم 4 ديسمبر الجاري، وبعد المحاولة الفاشلة للرئيس يون صوك يول لفرض الأحكام العرفية، تدهورت قيمة عملة كوريا الجنوبية (وون) إلى 1,440 وون مقابل الدولار، ثم تراجعت مجدداً يوم 19 إلى مستوى 1,450 وون للدولار لأول مرة منذ 15 عاماً، وتراجعت مرة أخرى يوم 27 إلى مستوى 1,470 وون مقابل الدولار، لتسجل أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2009.

لكن هذا التراجع كانت له أسباب أخرى خارجية، لا علاقة لها بالأزمة السياسية الداخلية، فقبل وبعد الاضطرابات وعزل الرئيس، ظل سعر العملة مقابل الدولار كما هو بمعدل 1,450 وون للدولار، ولم يتغير، وفق إذاعة "KBS" الكورية. وبدأ تراجع سعرها إلى 1,440 منذ فوز "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وظل السعر ثابتاً 1,440 حتى تاريخ الأزمة السياسية وعزل الرئيس يومي 3 و4 ديسمبر الجاري.

وحين انخفضت العملة إلى مستوى 1,445، جاء هذا الانخفاض بفعل سبب خارجي أيضاً، وهو قرار تخفيض سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي، الذي أثّر بعملات دولية كثيرة. 

وفي ديسمبر الجاري، تراجعت قيمة عملة وون عموماً بنسبة 5.2% مقابل الدولار، وهو أكبر انخفاض شهري في 22 شهراً، ضمن عملية انخفاض بدأت قبل الأزمة السياسية الأخيرة، وفق موقع "The Straits Times "31. أيضاً رغم الأزمة، انخفض مؤشر الأسهم بأقل من 4%، ما يعكس مقاومة الأسواق الكورية الجنوبية للاضطرابات السياسية.

وأكد خبراء أن المستثمرين لا ينبغي أن يقلقوا بشأن الاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد، حيث يتمتع الاقتصاد الكوري الجنوبي بقدرة فريدة على التكيف مع الأزمات، بحسب شبكة "يورو نيوز". ومنذ إعلان الأحكام العرفية، هبطت أسهم كوريا الجنوبية وعملة البلاد، قبل أن تستعيد بعض العافية مع إعادة التعافي للحياة السياسية والديمقراطية، وفق تقارير غربية.

ووعد وزير المالية الكوري الجنوبي، ومحافظ البنك المركزي وكبار المسؤولين التنظيميين، بتقديم دعم "غير محدود" للأسواق، وتعهدوا بعقد اجتماعات "طارئة" كل صباح حتى تستقر الظروف. وفي تصريحات لهم، قالوا إن المستثمرين لا ينبغي لهم أن "يشعروا بالقلق المفرط"، مؤكدين أن ظروف السوق "مستقرة عموماً".

الاقتصاد الكوري وثقة المستهلكين والشركات 

ومع هذا "تعرضت ثقة المستهلكين والشركات للتدهور" في رابع أكبر اقتصاد في آسيا لأكبر ضربة منذ بداية جائحة كوفيد-19، وفقاً لبيانات المصرف المركزي الكوري الجنوبي. وأرجع المصرف ذلك إلى "التداعيات السياسية التي بدأت بمحاولة الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية وإرسال قوات عسكرية إلى البرلمان، قبل أن يتراجع عن قراره بعد ساعات قليلة".

ويقول "غاريث ليذر"، وهو خبير اقتصادي أول في فريق آسيا في "كابيتال إيكونوميكس"، إن "هناك بالفعل علامات على تأثير الأزمة بالاقتصاد، في صورة تراجع ثقة المستهلكين والشركات". وأشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لكوريا من المتوقع أن ينمو بنسبة 2% فقط هذا العام، ولكن هذا أيضاً سيكون متأثراً بالتباطؤ العالمي في الطلب على أشباه الموصلات، أحد أعمدة الاقتصاد الكوري الجنوبي، لا بالأزمة السياسية التي تغلب عليها البرلمان المنتخب والشعب، ولم تعرقل الاقتصاد.

وحذر تحليل "كابيتال إيكونوميكس" من أن "الاستقطاب السياسي وعدم اليقين الناتج منه قد يعرقلان الاستثمار على المدى البعيد"، مستشهداً بحالة تايلاند التي يعاني اقتصادها من ركود منذ الانقلاب العسكري عام 2014.

ترامب سبب الأزمة

ويقول محللون اقتصاديون كوريون جنوبيون وأميركيون إن سبب أزمة الاقتصاد الكوري ليس مرتبطاً بالأزمة السياسية الأخيرة التي تغلب عليها الكوريون عبر نظامهم الديمقراطي المستقر، ولكن بعوامل خارجية، أبرزها فوز الرئيس المنتخب ترامب، وتعهده بقرارات اقتصادية وجمارك ستضر اقتصاد سيول.

وأوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" في 6 ديسمبر الجاري أنه رغم أن الاضطرابات السياسية تزيد من حدة المشاكل الاقتصادية في كوريا الجنوبية، "فقد كان الاقتصاد يواجه آفاقاً قاتمة، حتى قبل أزمة إعلان الأحكام العرفية والأزمة الأخيرة". 

وأرجعت الصحيفة سبب المشاكل الاقتصادية الأساسية التي تعاني منها كوريا الجنوبية، سواء قبل أزمتها الأخيرة أو بعدها، لانتخاب دونالد ترامب، وتعهده بفرض تعريفات جمركية شاملة، ما أقلق كبار المصدرين في كوريا الجنوبية، الذين يدعمون الاقتصاد.

وأقلق الأمر سيول، لأن كوريا الجنوبية تبيع الآن للولايات المتحدة أكثر من الصين لأول مرة منذ أكثر من عقدين من الزمان، نتيجة لضوابط التصدير التي تفرضها واشنطن، والتي تحدّ من مبيعات أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات تصنيع الرقائق للشركات الصينية. ولذلك خفض البنك المركزي في كوريا الجنوبية أسعار الفائدة بشكل غير متوقع، بسبب "شكوك متزايدة حول النمو والتضخم، مدفوعة بسياسات الإدارة الأميركية الجديدة".

وأوضحت "نيويورك تايمز" في تحليل لتوابع الأزمة، أن "اقتصاد كوريا الجنوبية كان يتأرجح بالفعل بسبب تباطؤ النمو والمخاوف بشأن الضرر الذي قد يلحق بالصادرات نتيجة للتحول في السياسة التجارية الأميركية"، وهي عوامل خارجية، ظهرت قبل أن تندلع الأزمة الداخلية الحالية. وأكدت الصحيفة أنه "حتى قبل الاضطرابات السياسية، كان اقتصاد كوريا الجنوبية يواجه آفاقاً قاتمة، فسوق الأوراق المالية في البلاد واحدة من أسوأ الأسواق أداءً في العالم هذا العام، كذلك ضعفت قيمة عملتها أمام الدولار، وأصيب الاقتصاد بالركود إلى حد كبير".

المساهمون