أدى غلاء أسعار الأعلاف، خاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، إلى تدهور الثروة الحيوانية في سورية، بعد أن ساهمت سنوات الحرب الممتدة منذ 11 عاماً، بتقليل عدد القطعان، ليأتي قرار حكومة بشار الأسد أخيراً بالسماح بتصدير الأغنام، فصلاً مكملا لتهاوي تلك الثروة.
وفي هذا السياق، يقول المهندس الزراعي، يحيى تناري، إن تنوع طبيعة بلاده كانت مناخاً ملائماً لتربية الأغنام والماعز على وجه التحديد، وكانت اللحوم السورية الأكثر طلباً والأغلى سعراً بالمنطقة، لكن ما وصفها بسياسة التهديم التي أعلنتها حكومة الأسد، طاولت الثروة الحيوانية وهبطت بأعداد القطعان بنسب كبيرة.
ويضيف تناري لـ"العربي الجديد" أن اللهاث وراء دولار التصدير وانسحاب الحكومة من دعم المربين وخاصة في ما يتعلق بالأعلاف والقروض، من أسباب تراجع عديد القطعان، إذ تعدى عدد الأبقار في سورية 1.2 مليون رأس عام 2011 في حين لا يزيد اليوم عن 700 ألف رأس، مشككاً في بيانات وزارة الزراعة التي تقول إنها تبلغ 800 ألف رأس، لأن ارتفاع أسعار الأعلاف دفع بكثير من المربين لبيع بعض أبقارهم للذبح ليستمروا في تربية القسم الآخر.
كما تراجع عدد الأغنام في سورية من نحو 18 مليون رأس إلى نحو 13 مليوناً، كما تم إغلاق أكثر من 70% من المزارع.
تصدير وتهريب
لا ينكر مربي وتاجر الأغنام بريف دمشق، رضوان محمد، استمرار تهريب الأغنام إلى دول الجوار "إلى لبنان من ريف دمشق وإلى العراق من منطقة الجزيرة السورية وإلى الأردن من محافظة درعا"، لأن السعر مضاعف بدول الجوار، نظراً للطلب الخليجي على اللحوم السورية "العواس" خاصة بعد تهاوي العملة السورية إلى نحو 5150 ليرة مقابل الدولار.
ويشير محمد خلال اتصال مع "العربي الجديد" إلى أن مهنة تربية وتسمين الأغنام والأبقار "باتت خاسرة في سورية" لأن ارتفاع أسعار الأعلاف وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، بعد أن تعدى كيلو لحم الخروف 35 ألف ليرة، دفعا كثيرا من المربين إلى ترك المهنة وبيع ممتلكاتهم.
وكان مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بحكومة النظام السوري، أسامة حمود، قد قال مؤخرا، إن تهريب الثروة الحيوانية إلى الدول المجاورة كالعراق والأردن ومنها إلى دول الخليج التي تطلب لحم الغنم العواس بكثرة، يحدث بسبب الحدود المفتوحة مع تلك الدول، مضيفاً خلال تصريح صحافي أن أكثر التهريب يتم من المدن الشرقية "الحسكة، دير الزور والرقة" الخارجة عن سيطرة الدولة، كاشفاً أن نسبة خسارة الثروة الحيوانية تراوحت بين 30 و50%.
ولكن لقرار وزارة الاقتصاد بحكومة الأسد "السماح بالتصدير" السبب المهم بتبديد الثروة الغنمية برأي تناري. ويكشف تناري أن عائد التصدير لم ينعكس على أسعار الأعلاف، كما تذرعت الوزارة بقرار التصدير.
ضربة الأعلاف
ارتفعت أسعار الأعلاف بسورية أكثر من 50% منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي بحسب تجار لحوم، أكدوا أن حكومة الأسد لا توزع الأعلاف بالسعر المدعوم "1100 ليرة للكيلو" إلا بنسب قليلة لا تزيد عن 20% من حاجة المربين ولبعض "المقربين ودافعي الرشى".
وعن سعر الذرة الصفراء التي قلما تنتج في سورية وكانت تستوردها سابقاً من أوكرانيا، يشير تاجر سوري إلى أن سعر الذرة الصفراء سجل ارتفاعاً كبيراً بعد أن قفز سعر الطن إلى 1.7 مليون ليرة في السوق، فيما ارتفع سعر كسبة فول الصويا ليصل سعر الطن لنحو ثلاثة ملايين ليرة.
وأدى تراجع الثروة الحيوانية بسورية إلى ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، ليسجل سعر الكيلو، بحسب مصادر من العاصمة السورية دمشق 40 ألف ليرة.
وبحسب مصادر "العربي الجديد" فقد سجل سعر كيلو الحليب 2900 ليرة وتجاوز سعر كيلو جبنة الحلوم 19 ألف ليرة سورية.
ويقول عضو مجلس إدارة الجمعية الحرفية للألبان والأجبان في دمشق، أحمد السواس: لقد تراجع استهلاك العاصمة من الألبان والأجبان بنسبة تتراوح بين 30 و35%، تزامناً مع انخفاض كمية استهلاك الحليب التي تراوحت بين 50 و60 طناً يومياً، مشيراً إلى أن 25% من الورش العاملة بهذا القطاع أغلقت أبوابها.
وفي المقابل، تشير مصادر من دمشق إلى خروج اللحوم عن قوائم السوريين الشرائية، ويتم استبدالها لدى الشريحة الأوسع بمكثفات "ماجي" أو شراء لحوم مجهولة المصدر "لبعض المقتدرين" لأن أولويات السوريين بواقع ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الأجور الشرائية، تنحصر بالخبز وتدبر مواد التدفئة.