استجابت حكومة النظام السوري لمطالب شركات تصنيع الأدوية، بعد وقف المستودعات توزيع الأدوية على الصيدليات واستمرار نقصها، ما دفع وزارة الصحة، أول من أمس، لرفع أسعارها بنسبة 50% بعد زيادة المصرف المركزي سعر الدولار الرسمي، مطلع العام الجاري، من 3015 إلى 4522 ليرة سورية، وتعديل سعر دولار الحوالات المستمر ليتوازى مع سعر السوق السوداء.
وأصدرت مديرية الشؤون الصيدلانية في الوزارة قائمة بتعديل أسعار المنتج محلياً، ما أدى إلى ارتفاعات بأسعار نحو 12826 دواء، مبررة السبب بارتفاع التكاليف بعد زيادة أسعار المشتقات النفطية وزيادة سعر الصرف، وفق بيانات رسمية.
وقال رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية نبيل القصير، خلال تصريحات إذاعية، إن نسبة رفع أسعار الأدوية وصلت إلى 50 بالمئة لجميع الأصناف الدوائية، وذلك حسب نسبة ارتفاع سعر الصرف، معتبراً أن الزيادة غير كافية لسد الفجوة الموجودة بين التكاليف والأسعار.
شح رغم الغلاء
زادت معاناة المرضى، خلال الفترة الأخيرة، بين مطالبة أصحاب المنشآت الدوائية والتجار، وتريّث حكومة دمشق برفع أسعار الأدوية، لتكون النتيجة، حسب تاجر الأدوية أحمد الصمودي، خلو رفوف الصيدليات من الأدوية، بما فيها المعالجة للأمراض الخطرة.
الصمودي الذي يرى بمطالبة الحكومة برفع أسعار الأدوية "حق للمعامل والتجار"، يشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن تسعير الأدوية، والتي تعتمد بتصنيعها على مواد أولية مستوردة خاصة، تتم وفق سعر الدولار القديم (4522 ليرة)، ما يكبّد التجار والمنشآت خسائر فادحة، بعد رفع سعر دولار الحوالات المتتالي من المصرف المركزي، ليصل اليوم إلى 9500 ليرة للدولار، في حين يحاسب أصحاب معامل الأدوية وفق السعر الرسمي للدولار.
ويرى أن رفع الأسعار 50% غير كاف وغير عادل، إذ تتفاوت نسبة التكاليف بين دواء وآخر كما تختلف نسبة المواد الأولية المستوردة، لكن الزيادة جاءت موحدة رغم المطالبة برفع الأسعار 100%.
وعانت الصيدليات، حسب مصادر من العاصمة السورية دمشق، من شح كبير بالأدوية لمدة شهر، ما أفرغ الرفوف من أصناف أدوية الأمراض الخطرة (قلب، سكر، كلى وضغط)، ودفع السوريين إلى السوق السوداء للأدوية المهربة من المستودعات السورية ومن لبنان والعراق. وتوقع تاجر الأدوية السوري أن تبدأ المستودعات تسليم الأدوية المحلية للصيدليات، ولكن لم يستبعد رفعا جديدا لسعر الدواء.
المشافي خالية من الدواء
زادت معاناة المرضى السوريين جراء نفاد الأدوية من الصيدليات وارتفاع أسعار الأدوية المهربة، ما دفع رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة حسن ديروان للتحذير من انقطاع بعض أصناف الأدوية، مشيراً خلال تصريحات إلى مخاطبة النقابة المركزية ووزارة الصحة لتدارك حدوث أي أزمة دوائية في الفترة القادمة، بحسب ما نقلت صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري.
وخلال تأكيده على أن وزارة الصحة تدرس تعديل أسعار بعض أصناف الأدوية حتى لا يكون هناك انقطاع لهذه الأصناف، يقول رئيس فرع نقابة الصيادلة بدمشق إن هناك تقنيناً في بيع بعض الأدوية من المعامل للمستودعات ومن ثم للصيدليات، حتى لا ينفد مخزون تلك المعامل بسرعة، وبالتالي هذا يؤدي إلى أزمة دوائية.
هذا التصريح رأى فيه نقابي سابق بمحافظة دمشق، فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، "حق يراد به باطل"، لأن المعامل والتجار رفعوا الأسعار حتى قبل صدور قرارات وزارة الصحة.
عانت الصيدليات، حسب مصادر من العاصمة السورية دمشق، من شح كبير بالأدوية لمدة شهر
ويضيف النقابي من منطقة دمّر بدمشق خلال اتصال مع "العربي الجديد"، أن شح الدواء لم يقتصر على الأمراض الخطرة التي نشط بيعها بالأسواق، بل طاول حليب الأطفال والأدوية المنتجة بمواد أولية محلية، مثل المسكنات مثلاً. ويكشف النقابي السوري عن خلو المستوصفات والمشافي الحكومية من معظم الأدوية.
أزمات الصناعة
الصناعي السوري في مجال الأدوية محمد طيب العلو وسّع دائرة معاناة أصحاب معامل الأدوية، مدخلاً انقطاع الكهرباء المستمر وشح المشتقات النفطية وغلاء أجور الأيدي العاملة، فضلاً عن المواد الأولية والمستوردة منها على وجه التحديد، الأمر الذي أوقع برأيه أصحاب معامل الأدوية بدوامة الخسائر، جراء إبقاء تسعير الدولار من دون تعديل، رغم رفعه خمس مرات خلال شهرين لشركات الحوالة والتصريف بالأسواق.
وحول رفع وزارة الصحة بحكومة الأسد أسعار الأدوية ثلاث مرات خلال عام، قال العلو: "رغم الرفع المتكرر للنظام لأسعار الأدوية، إلا أن ذلك لا يتناسب أبداً مع تهاوي سعر الليرة أمام الدولار والتي فقدت نحو 40% من قيمتها خلال العام الجاري بعد خسارة 50% العام الماضي".
ويلفت العلو خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن واقع الصناعة بشكل عام "في الحضيض" بما في ذلك معامل الدواء، مشيراً إلى إغلاق نحو 34 منشأة لصناعة الأدوية من أصل نحو 100 مرخصة وكانت تعمل عام 2012 وتغطي أكثر من 90% من حاجة السوق المحلية.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وثقت مقتل 857 من الكوادر الطبية واعتقال وإخفاء 3353 آخرين منذ آذار/ مارس 2011 حتى العام الجاري. وبيّن تقرير الشبكة استهداف 862 مركزا طبيا 88% منها من قبل النظام وحليفيه الروسي والإيراني منذ عام 2011 فضلاً عن تراجع عدد الأطباء المسجلين بالنقابة من نحو 35 ألف طبيب إلى نحو 12 ألفاً.