سورية ترمم عجز القمح بالاستيراد وتربط تحسين المعيشة بالاستثمار والإنتاج

21 أكتوبر 2024
حقل قمح في زردينا بإدلب شمال غربي سورية، 3 يونيو 2024 (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

اجتمع نقص الطحين مع ارتفاع غلاء المحروقات، لترتفع أسعار القمح ورغيف السوريين ويعود الازدحام أمام الأفران في العاصمة السورية دمشق، التي تشهد نقصاً حاداً ببعض السلع الاستهلاكية وارتفاعاً بعموم أسعار المنتجات، تعدت نسبته 40% خلال شهر.

وتأتي زيادة معاناة السوريين بواقع خيبة أمل بثها رئيس حكومة بشار الأسد، محمد غازي الجلالي، أمس الأحد، عبر نفيه خطة زيادة الرواتب والأجور، رغم أنّ متوسط الأجور لا يكفي لسدّ مصاريف ثلاثة أيام أو يكفي لثمن الخبز، كما تقول مصادر لـ"العربي الجديد".

ويشير العامل في قطاع التجزئة أحمد الجوخدار من دمشق، إلى أنّ معروض الخبز في الأفران الحرة، تراجع خلال الفترة الأخيرة؛ بسبب تراجع مخصصات الطحين وزيادة تكاليف إنتاج الرغيف، بعد رفع أسعار المحروقات للأفران وتقليل المخصصات، وارتفاع سعر ليتر المازوت بالسوق الموازي إلى 20 ألف ليرة لليتر. (الدولار = 15 ألف ليرة سورية)

ويلفت الجوخدار إلى أنّ دخول مستهلكين "جدد" إلى دمشق، من لبنان، أثّر على السوق والأسعار، رغم تكتم الجهات الحكومية وادعاء عدم الآثار، لأنّ ذلك تجلى من خلال إيجارات المنازل وأسعار المنتجات الاستهلاكية، مقدّراً خلال اتصال مع" العربي الجديد" أنّ نحو 200 ألف من العائدين الجدد، سوريين ولبنانيين، يقيمون في العاصمة دمشق وريفها القريب، من أصل نحو 400 ألف عادوا ولجأوا منذ القصف الإسرائيلي على لبنان، بحسب تصريحات رسمية.

لكن الأهم، برأي الجوخدار، هو نقص مكونات الرغيف ورفع الحكومة، قبل أشهر، سعر الخبز ومازوت الأفران، وعدم زيادة مخصصات الأفران رغم زيادة الطلب، لافتاً إلى انتشار بيع الخبز أمام الأفران وعلى مرأى من الجميع، كاشفاً أن سعر ربطة الخبز حسب مخصصات البطاقة الذكية 400 ليرة لكن كيلو الخبز في الأفران يبلغ ثلاثة آلاف ليرة ويباع على الأرصفة بين أربعة وخمسة آلاف ليرة على حسب الطلب والمنطقة، مضيفاً "أمام أفران ابن العميد بدمشق سعر الربطة خمسة آلاف ليرة".

وكانت وزارة التجارة وحماية المستهلك السورية، قد أصدرت في مارس/آذار الماضي، قراراً يقضي برفع سعر ربطة زنة 1100 غرام ليصبح 400 ليرة بحسب البطاقة الذكية، ورفع ربطة الخبز السياحي من خمسة إلى عشرة آلاف ليرة بالتوازي مع رفع سعر مبيع ليتر المازوت للأفران العامة والخاصة من 700 إلى ألفي ليرة سورية.

وبررت الوزارة سبب رفع السعر بارتفاع تكلفة تامين الرغيف يومياً بشكل غير مسبوق، حيث وصلت إلى ما يزيد عن سبعة آلاف ليرة سورية للربطة، نتيجة عوامل تتعلّق بـ"الحصار" وخروج مساحات من الأراضي المخصصة لزراعة القمح وآبار إنتاج النفط عن السيطرة، وارتفاع فاتورة ترميم المنشآت والمخابز والبنية التحتية الخاصة بإنتاج الخبز.

وتبقى أزمة تراجع إنتاج سورية من القمح، في مقدمة أسباب رفع أسعار الخبز، بحسب مدير مؤسسة الحبوب في الحكومة السورية المعارضة، حسان محمد، الذي أكد لـ"العربي الجديد" تراجع إنتاج الموسم السابق إلى أقل من نصف التوقعات. ويضيف محمد أنّ توقعات وزارة الزراعة في حكومة بشار الأسد للموسم السابق بلغت مليونَي طن قمح، لكنها لم تستلم سوى 700 ألف طن، وهي أقل من نصف الحاجة للمناطق التي يسيطر عليها النظام.

ويكشف مدير مؤسسة الحبوب أنّ إنتاج سورية من القمح تراجع من نحو أربعة ملايين طن قبل عام 2011 إلى نحو 1.8 مليون طن، معظمه في مناطق "الإدارة الذاتية" التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" إضافة إلى نحو 300 ألف طن في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، شمال غربي سورية، في حين أنّ استهلاك مناطق سيطرة النظام يصل لنحو مليونَي طن.

ويحاول مدير عام المؤسسة العامة السورية للحبوب في حكومة الأسد، سامي هليل، طمأنة المستهلكين بعد تراجع كمية استلام القمح لهذا العام، وتراجع إنتاج سورية مؤكداً، في تصريحات صحافية، اليوم الاثنين، أنّ المخزون من مادة القمح "جيد جداً ويكفي لأشهر والمؤسسة تبذل جهوداً كبيرة لتأمين مادة الدقيق اللازمة لصناعة رغيف الخبز في كل محافظات القطر، ولا خوف على رغيف الخبز".

وكشف هليل عن وجود سبع سفن حالياً محمّلة بالقمح المستورد في وقت واحد في مرفأي اللاذقية وطرطوس يتم تفريغهما وشحنهما عبر القطار وسيارات المؤسسة إلى المحافظات، لافتاً إلى أنّ "المؤسسة تعمل على تأمين مخزون استراتيجي من مادة القمح خاصة في ظل الظروف الراهنة"، مبيناً أنّ "السفن المحملة بالقمح المستورد موجودة في المرافئ دائماً باعتبار أنّ المؤسسة وضعت برنامجاً لشحن القمح حيث يوجد دائماً ما بين ست إلى ثماني سفن محملة بالقمح المستورد في المرافئ".

وأشار مدير مؤسسة الحبوب في حكومة بشار الأسد إلى أنه من ضمن خطة المؤسسة حالياً العمل على وضع مخزون استراتيجي من مادة الدقيق في المحافظات حيث وُضِع مخزون استراتيجي مؤخراً في دمشق يكفي لعدة أيام، إضافة إلى محافظات درعا وحمص؛ لأن المؤسسة تقوم بشحن الدقيق يومياً لمحافظات مثل الرقة ودير الزور ودرعا ودمشق إضافة لشحن القمح، مبيناً أن المؤسسة تقوم يومياً بنقل القمح ودقيق يقدر بنحو 20 ألف طن من المرافئ والصوامع إلى المطاحن.

وتأتي أزمة الخبز اليوم، لتضاف إلى معاناة السوريين بلقمة عيشهم بعد أن تعدت نسبة الفقر 90% بواقع أجور لا تصل 300 ألف ليرة ومتوسط تكاليف معيشة للأسرة السورية، قدّرها "مركز قاسيون" في دمشق بنحو 13.6 مليون ليرة سورية، في وقتٍ بقي الحد الأدنى للأجور ثابتاً عند 278,910 ليرة شهرياً. ووفقاً لمؤشر المركز، فقد بلغ الحد الأدنى لتكاليف المعيشة 8.5 ملايين ليرة سورية، ما يضع الفجوة بين الأجور والتكاليف في ازدياد مستمر، ليزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطنين.

وفي حين عوّل السوريون على زيادة الأجور، بعد تعيين رئيس النظام السوري بشار الأسد حكومة جديدة، الشهر الماضي، جاءت تصريحات رئيس مجلس الوزراء محمد غازي الجلالي، مخيبة للآمال، إذ أكد، أمس الأحد، خلال تلاوة البيان الحكومي أمام مجلس الشعب، أنه "لن تكون هناك قدرةٌ على مضاعفة الرواتب والأجور أو زيادتِها إلى مستوياتٍ تلبي رغبات المواطنين ورغباتِنا العاطفيةِ والنفسيةِ، فالتمويل بالعجز ليس مصدراً آمناً ومستداماً لتمويل التنمية في مثل حالتنا".

وربط الجلالي تحسين معيشة السوريين بنموٍّ ملموسٍ في معدلات الاستثمار والإنتاج، وإلا "سيؤدي تراجع الإنتاج والاستثمارات إلى نتائجَ عكسيةٍ سنكون حريصين على عدم الانجرار إليها تحت أي ظرفٍ كان. فالحقيقة المرّة أسلمُ من الوهم المريح"، على حدّ قوله.

المساهمون