بواقع لهاثها للحصول على القطع الأجنبي، صدرت حكومة بشار الأسد خلال الشهر الماضي 97 ألف طن من الفوسفات الخام، بحسب معاون مدير شركة الفوسفات والمناجم بشير منصور، الذي أشار إلى أن الاحتياطي الجيولوجي من الفوسفات الرطب القابل للاستثمار في مناجم فوسفات الشرقية ببادية تدمر يبلغ نحو مليار و800 مليون طن، وفي مناجم فوسفات خنيفيس نحو 150 مليون طن.
ويضيف منصور، خلال تصريحات صحافية، أمس، أن شركة الفوسفات الحكومية صدرت خلال الشهر الأول من العام الجاري كمية تقدر بنحو 74 ألف طن من الفوسفات الرطب، إضافة إلى نحو 23 ألف طن من الفوسفات الجاف إلى خارج القطر بعد إعادة تأهيل وحدة التجفيف في معمل غسل الفوسفات بمناجم الشرقية، معلناً بالوقت ذاته عن نقل كمية 45 ألف طن من الفوسفات الرطب إلى معمل السماد الآزوتي بمدينة حمص، وسط سورية، ومن ثم إلى ميناء طرطوس.
وحول تصنيع الفوسفات ونفاياته، أشار معاون المدير إلى أنه يتم نقل الفوسفات ونفاياته إلى مدينة حسياء الصناعية وإلى معمل الرافدين في مدينة عدرا الصناعية لتصنيع الأسمدة الآزوتية، كاشفاً عن إعادة تأهيل 4 معامل للفوسفات في مناجم الشرقية ومعمل واحد في مناجم خنيفيس من أجل عودة كل أنواع أصناف الفوسفات المنتجة سابقاً (المغسول والجاف والمخلوط والرطب)، ما يساهم في عودة التنافس بشدة على الخريطة التسويقية العالمية، وخاصة أن الفوسفات السوري يعتبر من أجود أنواع الفوسفات بالعالم، حسب وصف منصور.
وفي حين لم تكشف حكومة بشار الأسد وجهات تصدير الفوسفات، يقول المتخصص جمال علاوي لـ"العربي الجديد"، إن سورية عاودت تصدير الفوسفات منذ أربعة أعوام وليس الشهر الماضي فقط، بل وبلغت ذروة الصادرات عام 2018 بنحو 300 ألف طن، لكن هذه الكمية قليلة بالنسبة للإنتاج الذي يتجاوز 3 ملايين طن.
ويضيف المتخصص علاوي أن سورية كانت قبل عام 2011 تصدر نحو 3.2 ملايين طن، لكنه فوسفات خام "ومغسول، أي رطب"، وهذا النوع مطلوب عالمياً.
وحول وجهات التصدير، يكشف المتخصص السوري أن لبنان وإيران أهم وجهات التصدير اليوم، وفي السابق كان الفوسفات السوري يصدر إلى روسيا والهند واليونان ورومانيا، وكانت سورية خامس أكبر مصدر للفوسفات بالعالم.
وسبق لنظام بشار الأسد أن منح إيران وروسيا ومن ثم صربيا، عقود استخراج الفوسفات بسورية التي تمتلك ثلاثة مليارات طن، بحسب تصريح سابق لوزير النفط بسام طعمة.
ودخلت شركة "وومكو أسوشيتس دوو" الصربية على خط المنافسة مع إيران وروسيا، نهاية العام الماضي، بعد حصولها على عقد استخراج الفوسفات من الأراضي السورية، لتوفر سورية القطع الأجنبي لتأمين احتياجات ومستلزمات المواطنين، كما أكد طعمة سابقاً، وبين أن حصة سورية 30% بشكل صاف من العقد.
وكان نظام بشار الأسد قد اتفق عام 2016 مع إيران لتأسيس شركة مشتركة لاستخراج وتصدير الفوسفات، قبل أن تدخل روسيا على الخط، فتستحوذ على الفوسفات السوري، فتوقع في مارس/ آذار عام 2018 مع حكومة الأسد عقدي استخراج وتصدير الفوسفات لأكبر حقلين بسورية (خنيفيس والشرقية)، بعد ثلاثة عقود مع شركتي "ميركوري" و"فيلادا" الروسيتين، للتنقيب عن النفط في المناطق الأغنى بالنفط (ريف دمشق ودير الزور والحسكة)، وقبلها اتفاقات سابقة مع شركات روسية عدة، منها شركة "سيوزنفتا غاز إيست ميد" الروسية، من أجل التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية.
كما حصلت روسيا، العام الماضي، على عقد استثمار مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً واستثمار معمل الأسمدة بحمص، الذي يعتمد على الفوسفات، لمدة 40 عاماً.
وحول سكوت روسيا على دخول صربيا لـ"ملعبها" بعدما جمدّت اتفاق الأسد مع إيران، يقول الخبير النفطي عبد القادر عبد الحميد إن "الاحتمال الأكبر لسكوت الروس عن العقد الصربي هو عمق وصعوبة استخراج الفوسفات شرقي تدمر، وربما روسيا لم تجد إغراء نتيجة ارتفاع التكاليف، فضلاً عن توقيعها عقودا لنصف قرن، بأكبر خزانات الفوسفات وأكثرها احتياطاً، الشرقية وخنيفيس، بنحو 105 ملايين طن. طبقة الفوسفات بموقع خنيفيس على عمق بين 10 و12 متراً، في حين عمق الفوسفات بمواقع شرقي تدمر التي حصلت عليها الشركة الصربية يزيد عن 60 متراً".
وحول ما يقال عن امتلاك سورية ثروة هائلة من الفوسفات، يقول المتخصص عبد الحميد خلال تصريح سابق لـ"العربي الجديد": "درسنا وتعلمنا أن سورية تحتل المرتبة الرابعة عالمياً باحتياطي نحو 3 مليارات طن، ولم تكن هذه الثروة مستثمرة بشكل جيد قبل عام 2011، إذ لا تزيد كميات الإنتاج عن 3 ملايين طن سنوياً، لذا رأينا عيون شركاء الأسد على الفوسفات لتحصيل ديونهم، فضلاً عن استخدامات الفوسفات الكثيرة واحتوائه مواد مشعة، كاليورانيوم ووالثوريوم والموليبيديوم، وهي مواد تدخل بصناعة غازات الأعصاب وأسلحة التدمير الشامل".
ويبيّن عبد الحميد أن ثروة الفوسفات ببلاده تتوزع أولاً على ما يسمى السلسلة التدمرية (خنيفيس والشرقية والرخيم)، ومن ثم بهضبة الحماد ببادية الشام (الجفيفة والثليثاوات والسيجري والحباري)، "كما تم اكتشاف الفوسفات بالمنطقة الساحلية (حمام القراحلة وعين التينة وليون)، ولكن معظم الفوسفات وأجوده بمنطقتي خنيفيس والشرقية، فهو قريب من سطح الأرض، نحو 10 أمتار، ونسبة خامس أكسيد الفوسفور فيه عالية نحو 35%. الفوسفات السوري من أجود الأنواع العالمية لاحتوائه على اليورانيوم، ولم تستخرج سورية حتى الآن أكثر من 0.17% من احتياطها الكبير".
ويختم الخبير السوري بأن الثروات الباطنية من نفط وغاز وفوسفات، "هي من حصة روسيا، ولن تتنازل عنها لإيران أو صربيا، ولكن قد تغض النظر عن الاستثمارات ذات الجدوى والربح القليل. والقصة ليست لاسترداد الديون، كما يقال، بل للسيطرة على الغاز، والأهم طرق الإمداد والتوصيل".
وكان نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين، خلال زيارته إلى سورية في نهاية 2017، قد أكد أن روسيا الدولة الوحيدة التي ستعمل في قطاع الطاقة السورية وإعادة بناء منشآت الطاقة، مشيراً إلى أن "في سورية يوجد أكبر حقل فوسفات يمكن الاستثمار فيه، ومنتجاته مطلوبة في العديد من البلدان مثل الأسمدة”.
وأشار وقتذاك إلى أن موسكو ودمشق ستعملان على إنشاء شركة مشتركة لاستغلال المخزون السوري من الفوسفات تشرف عليه روسيا، وقال: "نحن نعمل على الحقل والنقل وتسليم الفوسفات المعالج إلى دول أخرى تنتظر هذه المنتجات".