يربط مراقبون بين تراجع سعر صرف العملة السورية أكثر من 200% من قيمتها عام 2020 وبين المرسومين "3 و4" اللذين أصدرهما رئيس النظام بشار الأسد، مطلع العام الماضي، بحبس وتغريم كل من يتعامل بغير الليرة، ما ساهم بتصعيد أزمة العملات الصعبة في السوق المحلية، فتهاوى سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار من نحو 950 ليرة إلى أكثر من 2900 ليرة حاليا.
ويرى اقتصاديون أن إلزام صرف الحوالات المالية للمغتربين بالسعر الرسمي للدولار، أثر على حجم التحويلات وفاقم معيشة السوريين الذين يعتمدون بشكل رئيسي على تحويلات الأبناء والأقرباء من الخارج.
ويبلغ متوسط أجور السوريين نحو 60 ألف ليرة، في حين أن متوسط كلفة معيشة أسرة مكونة من خمسة أشخاص يبلغ نحو 730 ألف ليرة، بحسب آخر تقديرات مركز "قاسيون" من دمشق.
ويكشف المحلل المالي نوار طالب أن الحوالات تفقد نحو 57% من قيمتها، لأن نظام الأسد يلزم السوريين بالتحويل عبر شركات الصيرفة المرخصة، وذلك وفق التسعيرة التي يصدرها المصرف المركزي بدمشق.
ويبيّن المحلل المالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سعر صرف الدولار بالسوق الهامشية "السوداء" بدمشق حاليا يقدر بنحو 2910 ليرات، في حين تسلم شركات التحويل التحويلات للسوريين بالداخل وفق سعر المصرف المركزي المحدد بـ1256 ليرة، ويمنع على شركات التحويل أن تسلم السوريين مستحقاتهم بالدولار، لأن حيازته والتعامل به يوصلان للسجن والغرامة.
ويشير طالب إلى أن مراسيم رئيس النظام السوري حرمت سورية من أكثر من مليوني دولار يومياً، مقدراً حجم التحويل الخارجي اليومي قبل مراسيم عام 2020 بنحو 4 ملايين دولار، لكنها انخفضت للنصف حاليا.
وفي المقابل، أثر عام كورونا سلباً على حجم تحويلات اللاجئين والمغتربين السوريين لذويهم بالداخل، بحسب الاقتصادي السوري أيهم حسن، الذي يؤكد خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن صعوبة تنقل المغتربين خلال عام كورونا، وتراجع دخلهم بعد الإغلاق وتعطل الأعمال، أثر على حجم المساعدات للداخل السوري، سواء للأهل بشكل مباشر، أو حتى للجمعيات الإنسانية والمنظمات الإغاثية التي أنشأها سوريون بدول أوروبا.
وتشتت السوريون بعد الحرب على ثورتهم عام 2011 باتجاه نحو 44 بلداً حول العالم، واحتل نظام الأسد عام 2020 المرتبة الأولى بنسبة التهجير، محققاً 8.25% من عدد المهجرين حول العالم بعدما هجّر نصف سكان سورية، وكانت تركيا الموطن الأكثر استقبالاً لهم بنحو 3.627 ملايين لاجئ، وفق آخر الإحصاءات التركية الرسمية.
ويقول الأكاديمي عبد الناصر الجاسم إنه يتم تحويل ما لا يقل عن مليون دولار شهرياً من تركيا إلى سورية، ولكن معظمها إلى الشمال السوري المحرر والمخيمات، لأن السوريين في تركيا معظمهم معارضون لنظام الأسد وهم من المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، "ولكن توجد تحويلات كثيرة لمناطق النظام تتم عبر الدول المجاورة".
ويضيف الجاسم، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن التحويل يتم عادة عبر مكاتب وشركات بلبنان أو الأردن، كما تستقبل المكاتب بتركيا تحويلات من أوروبا، ولكنها جميعا تحولها إلى الداخل السوري عبر عملاء وبالليرة السورية، ولكن وفق سعر السوق وليس سعر المصرف المركزي.
وزار "العربي الجديد" مكتب "الإحسان" للتحويل بحي الفاتح بإسطنبول، لمعرفة أساليب التحويل التي وصفها مدير المكتب "محمد" بالمعقدة، لأنها تتم إلى الداخل السوري الواقع تحت سيطرة النظام عبر "شركاء سريين" يتم الاتصال بهم لإعطاء قيمة الحوالة بالليرة السورية وفق سعر السوق، أو يتم التحويل إلى شركات في لبنان "نتعامل معها" وهي تتكفل بإيصال الحوالة إلى الداخل السوري. وأما في مناطق سيطرة المعارضة، فيتم التحويل بالدولار أو الليرة التركية حسب ما يريد صاحب التحويل، ولا مشاكل بذلك، حسب مدير المكتب.
وفي حين تتضارب الأرقام حول كتلة التحويلات السنوية للداخل السوري، يقدر المحلل نوار طالب الأموال المحولة سنوياً حتى ما قبل عام 2020 بنحو 1.6 مليار دولار سنويا، وهو رقم يقارب تقديرات البنك الدولي لعام 2018.
يذكر أن مصرف سورية المركزي رفع في نهاية شهر مارس/ آذار من العام الماضي، سعر الصرف الرسمي للدولار والحوالات من 434 ليرة إلى 700 ليرة، ثم رفعه في نهاية العام الماضي إلى 1256 ليرة.