لم تقتصر التأثيرات السلبية لتصريحات رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، يوم الأربعاء، على مؤشرات الأسهم الأميركية، التي شهدت بعدها أكبر تراجع في ثلاثة أشهر، وإنما امتدت لتشمل السندات الأميركية، حيث طلب المستثمرون عوائد أعلى عند شرائهم تلك السندات، بما فيها الأنواع الأكثر أماناً، الصادرة عن الشركات الكبرى التي تبحث عن تمويلات جديدة، وهو ما تعتبره الأسواق عادة بمثابة إنذار بالاقتراب من الدخول في ركود.
ومع تراجع بيانات التضخم خلال الشهرين الماضيين، وما تبعه من تراجع ملحوظ في عوائد السندات، قال موقع فوكس للأعمال إن شركات كبرى بدأت العودة إلى طلب السيولة من الأسواق، وطرح المزيد من السندات.
وأعلنت شركة بركشاير هاثاواي، المملوكة للملياردير المعروف وارين بافيت، قبل ما يقرب من أسبوعين، عن طرح سندات بقيمة 115 مليار ين (842 مليون دولار)، هذا الشهر، كما تطرح شركة "ديوك إنرجي" للطاقة سندات جديدة بقيمة مليار دولار، وباعت أمازون سندات بقيمة 8.25 مليارات دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني.
وقال خبير أسواق السندات آدم قبيسي، لقناة فوكس للأعمال: "بدأت أسواق السندات بشكل عام تتصرف بطريقة تشير إلى الركود، حيث شهدنا للمرة الأولى هذا العام ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار السندات بينما تنخفض الأسهم، ويأتي هذا بعد شهر واحد فقط من بدء عمليات التسريح في مجال التكنولوجيا".
وأعلنت شركات "أمازون"، و"اتش بي"، و"ميتا" (فيسبوك)، و"ليفت" وغيرها من عمالقة شركات التكنولوجيا تخفيضات كبيرة في الوظائف، بعد التوسع الكبير ابتداءً من الربع الأخير من عام 2020، مع إعادة فتح الاقتصاد. كما أعلنت شركة شبكات "إيه أم سي" وضع خطط لخفض الوظائف على نطاق واسع الأسبوع الماضي، حيث تكافح أنشطة البث الخاصة بها للتنافس مع شركتي "نتفليكس" و"ديزني".
وفي الوقت نفسه، لا يزال الاقتصاد الأميركي يعاني بشكل عام من نقص في العمالة، وأظهرت تقارير وزارة العمل خلال الأسابيع الأخيرة استمرار اشتعال سوق العمل.
ورأى بعض المحللين أنّ هذا الأمر يُعَدّ إشارة إلى بنك الاحتياط الفيدرالي بأن تكاليف الاقتراض يجب أن تستمر في الارتفاع، حتى يمكن السيطرة على التضخم، وهو ما أشار إليه جيروم باول، رئيس البنك، خلال كلمته يوم الأربعاء الماضي.
ورفع البنك الفيدرالي معدلات الفائدة الأساسية يوم الأربعاء الماضي نصفاً بالمائة، ليصل بها إلى نطاق 4.25%-4.50%، بعد أن كانت قريبة من الصفر عند بداية العام، في محاولة لمكافحة أكبر تضخم تشهده البلاد في أكثر من أربعة عقود. وقال جيروم باول إن القضاء على التضخم لن يكون ممكنا الوصول إليه إلا بعد تهدئة سوق العمل المشتعلة.
وهذا الأسبوع، أشارت نشرة أخبار "كوبيسي ليتر" الأسبوعية، المتخصصة في أسواق الأسهم والسندات العالمية، إلى أن الشركات الأميركية سرحت خلال العام الحالي أكثر من إجمالي العدد الذي تم تسريحه خلال أزمة فقاعة الإنترنت، متوقعةً أن تبدأ الشركات الأميركية "الشعور بآلام الركود" اعتباراً من منتصف العام القادم.
وقالت النشرة: "مع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، وكفاح المستهلكين على جبهة الإنفاق، نتوقع المزيد من عمليات التسريح، وربما المزيد من إصدارات السندات ذات الدرجة الاستثمارية المرتفعة، لمساعدة الشركات على بناء وسادة أمان مع تفاقم الركود".
واعتبر مينا تادروس، الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط تادرس كابيتال، أن ما يحدث حالياً داخل هذه الشركات يبدو وكأنه محاولة "لتقليل الخسائر"، مشيراً إلى أن ذلك "بالتأكيد يعد مؤشراً إلى نظرة مستقبلية سلبية للأسواق والاقتصاد بشكل عام لعام 2023".
وأضاف في مقابلة مع قناة فوكس للأعمال: "بمجرد أن تبدأ إحدى الشركات في تسريح العمال، يكون من السهل على الآخرين اتباعها"، موضحاً أن ذلك الأمر أصبح "مقبولاً اجتماعياً تقريباً ويتفهمه الجميع".
وتمثل عوائد السندات المرتفعة فرصة جيدة للمستثمرين الراغبين في الابتعاد عن مخاطر أسهم الشركات، في وقت تتعالى فيه التحذيرات من دخول تلك الشركات في ركود، وهو ما ظهر في عودة مديري المحافظ إلى زيادة حصة السندات ضمن استثمارات العملاء.
ويقول آدم سولوف، مدير المحافظ في شركة سولوف للاستثمار: "نظرًا لارتفاع العائدات، خاصة للعملاء الذين يمنحون الأولوية للأمان والدخل، فقد قمنا بتخصيص أجزاء أكبر من محافظنا لسندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية، وكذلك السندات المعفاة من الضرائب لمن يقعون داخل شرائح ضريبية أعلى".
وبدأت الشركات ذات التصنيف الأعلى في اللجوء إلى سوق السندات في أغسطس/آب الماضي، عندما أصدرت كل من شركة ميتا (فيسبوك)، وآبل، وانتل، بإجمالي قيمة تجاوزت 21 مليار دولار. وتعد تلك المرة الأولى التي تلجأ فيها ميتا (أو فيسبوك) للاستدانة من خلال سوق السندات.
وبعد بضعة أشهر، أعلنت جميعها تسريح العمال أو تجميد التوظيف، حيث قالت وكالة بلومبيرغ إن شركة إنتل قامت بتسريح آلاف العمال في أكتوبر/تشرين الأول، وإن شركة آبل توقفت مؤقتاً عن التوظيف في نوفمبر/تشرين الثاني للعديد من الوظائف بخلاف المختصين بالبحث والتطوير، وإن شركة ميتا قلصت العمالة فيها بنسبة 13 بالمئة، أي ما يعادل 11 ألف موظف.
وأضافت الوكالة أن أمازون، التي باعت سندات الشهر الماضي، تخلصت مما يقرب من 20 ألفاً من العاملين لديها.
وتُظهر البيانات التي جمعتها وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن الشركات الأميركية، ذات التصنيف الاستثماري المرتفع، أصدرت هذا العام خمسة أضعاف السندات منخفضة التصنيف (الخردة)، حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث بلغت 439 مليار دولار مقابل 79 مليار دولار من الديون ذات العائد المرتفع.