لم تتردد بلدان غربية في الفترة الأخيرة في السعي إلى منع مقاطعة البضائع الإسرائيلية، سواء عبر حملات ضد المقاطعين أو تجريم مبادراتهم، غير أن ذلك لم ينل من إصرار حركة المقاطعة التي تتخذ أبعادا اقتصادية وسياسية وثقافية.
وتخاض منذ 2005 حملة دولية تحت اسم BDS، تنادي بالمقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والسياسية لإسرائيل.
وكان المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي كان يتزعمه الراحل نيلسون مانديلا، قد دعا إلى حملة مقاطعة دولية ضد نظام الأبارتايد بجنوب أفريقيا اعتبارا من 1958. وهذا السلاح كان فعالا ضد العنصرية في ذلك البلد. ولعل أشهر عمليات المقاطعة بعد ظهور ذلك الوصف، هي تلك التي قادها الزعيم الهندي غاندي، الذي أطلق العصيان المدني والكف عن العمل لفائدة الإنكليز أو شراء منتجاتهم أو استعمال خدماتهم بين 1912 و1922.
وفي الفترة الأخيرة، عاد مواطنون في البلدان العربية والإسلامية لإشهار سلاح المقاطعة ردا على جريمة حرق نسخة من المصحف في السويد والدنمارك. انتشرت دعوات تحث على مقاطعة منتجات وخدمات ذلك البلد الذي تضخ شركاته منتجاتها في السوقين العربية والإسلامية.
وكان نشطاء قد دعوا في السابق عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، احتجاجا على ما اعتبروه توجها سلطويا وقمعيا يستهدف المسلمين بعد العملية الإرهابية المقترفة ضد أستاذ التاريخ صامويل باتي. وقبل أربعة أعوام، انتشرت دعوة لمقاطعة المنتجات الصينية من أجل دعم الأقلية المسلمة الأويغور، حيث اعتبرت المقاطعة سلوكا حضاريا ونوعا من المقاومة السلمية وتعبيرا عن الرفض لممارسات تنال من حقوق وكرامة المسلمين في الصين.
تسربت كلمة BOYCOTT إلى اللغات الأخرى من اللغة الإنكليزية، في ظل حملة مقاطعة انطلقت في القرن التاسع عشر في مقاطعة "مايو" بغرب أيرلندا ضد شارلز كوننغهام بويكوت Charles Cunningham Boycott.
يخلد ذلك الاسم ذكرى الإنكليزي بويكوت، الذي قوطع من قبل السكان بعدما قرر زيادة أسعار إيجار الأراضي الزراعية، وتسببه في طرد العديد من الأسر الريفية. ويعرف الباحثان إنغريد نيستروم وباتريسيا فاندرامين، في كتاب صدر لهما في 2015، تحت اسم LE BOYCOTT، بأنه سلوك إرادي منظم، يفضي إلى رفض مواصلة علاقة تجارية أو سياسية أو ثقافية أو رياضية أو ديبلوماسية أو أكاديمية، مع طرف ثان، قد يكون شركة أو دولة، بهدف ممارسة الضغط.
ولد بويكوت في عام 1832، وخدم في الجيش الإنكليزي، إذ بمجرد التحاقه به، نقل إلى بلفاست، ثم دبلن، وعندما عاد إلى الحياة المدنية، قرر البقاء بأيرلندا، حيث قاده مقامه هناك إلى منطقة مايو بغرب أيرلندا. تولى في تلك المنطقة إدارة أراض لحساب اللورد إيرن، غير أنه اعتباراً من 1879، انخفضت المحاصيل بطريقة أضرت بالمزارعين الذين طالبوا بخفض إيجارات الأراضي، علما أن البلد كان قد شرع بالتعافي من ذكرى مجاعة كبرى، دفعت الكثيرين إلى الهجرة نحو الولايات المتحدة.
دفع انهيار المحاصيل المزارعين إلى عرض اللورد إيرن بخفض الإيجارات بنسبة 10 في المائة، غير أن المزارعين طالبوا بـ25 في المائة، حيث وحّدهم وراء هذا المطلب المحامي شارل بارنيل، رئيس العصبة الزراعية، الذي كان يتطلع إلى تحرر أيرلندا من الوصاية البريطانية. تولى الوكيل بويكوت، الذي كان في السابق قبطانا في الجيش الإنكليزي، طرد المزارعين الذين لم يؤدوا إيجاراتهم، غير أن السكان اتحدوا ضده.
كانت استراتيجيتهم تقوم على عزل الوكيل البريطاني وقطع علاقاتهم الاجتماعية معه، كما قرروا عدم التعامل معه تجاريا، ورفض التحدث إليه أو الاقتراب منه والحيلولة دون تلقيه رسائل، بل إنهم حملوا خدمه في البيت على عدم الاستجابة لطلباته. لقد كان ذلك أول شكل للمقاطعة.
أربكت المقاطعة بويكوت، وعبأت السلطات الإنكليزية حوالي سبعة آلاف فرد من قوات الجيش والأمن من أجل حماية بويكوت، بالنظر لاعتقاد السلطات الإنكليزية أنه يتصدى للعصبة الزراعية الطامحة للتخلص من الوصاية.
ربح المزارعون والعصبة معركة الرأي العام، بينما اضطر الوكيل إلى حذف عبارة "بويكوت" من اسمه، حيث اكتفى بشارلز كوننغهام، قبل أن يتوفى في 1897، حيث ساعده عمره المديد على متابعة التطورات التي لحقت بكنيته التي أصبحت رمزاً للمقاومة المدنية.