شركات العراق الصناعية الخاسرة: أعباء كبيرة وحلول صعبة

06 ديسمبر 2022
الصناعة المحلية تواجه عقبات عديدة (Getty)
+ الخط -

تؤكد وزارة الصناعة العراقية أن شركة واحدة من 31 شركة عامة لإنتاج الصناعات المختلفة، قادرة على تغطية رواتب موظفيها، وهي الشركة العامة للأسمدة الجنوبية، بينما تتولى الحكومة دفع مرتبات موظفي باقي الشركات، وعددها عشرات الآلاف، دون أن يكون هناك أي إنتاج لتلك الشركات منذ سنوات طويلة، عقب الغزو الأميركي للبلاد، والدمار الذي لحق بها.

وزير الصناعة الجديد، خالد بتال، أشار في حديث تلفزيوني مطول مطلع الأسبوع الحالي، إلى أن هناك شركات يمكن تطويرها والنهوض بها خلال مدة قصيرة، والشركات الأخرى مشاكلها تتعلق بعدد العاملين، حيث تضم إحدى الشركات 5 آلاف موظف، بينما الحاجة الفعلية لا تتجاوز 2000، أي أنَّ 3 آلاف موظف يمثلون زيادة في هذه الشركة فقط.

وأكد أن هناك عملاً متواصلاً لوضع خطط وسياسات تتعلق بطبيعة عمل هذه الشركات والجدوى الاقتصادية منها، فضلاً عن إعادة النظر في بعض الشركات والمشاريع.

ووصف بتال بعض المفاصل في وزارته بأنها أشبه بشبكة الرعاية الاجتماعية، وهناك توجه نحو إغلاق عدد من المصانع، فضلاً عن سعي وزارته إلى وضع خطة عمل على المدى القصير والمتوسط والبعيد لتطوير وزيادة الإنتاج، وتعظيم العائدات المالية، وإعادة النظر في بعض الشركات والمشاريع الصناعية، والتفكير في جدواها الاقتصادية، واستحداث معامل ومكائن بتكنولوجيا متقدمة، ومغادرة المكائن المتقادمة.

وشدّد على أنه من بين 31 شركة إنتاج صناعي واحدة منها فقط تغطي رواتب موظفيها.

مسؤول بوزارة الصناعة العراقية قال لـ"العربي الجديد"، إن التحدي الحالي هو كيفية التعامل مع موظفي المعامل والشركات المتوقفة عن العمل، إذ يبلغ مجموعهم عشرات الآلاف، وكانوا بطبيعة الحال قبل الغزو الأميركي من الأيدي المنتجة.

وتابع المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه: "هناك شركات مدمرة بالكامل وأخرى تحتاج إلى صيانة وحماية منتج، وفكرة تحويل موظفي تلك الشركات إلى وزارات أخرى قريبة من تخصصهم مطروحة، لأن تسريحهم أو منحهم التقاعد المبكر غير وارد، ويسبب مشكلة اجتماعية كبيرة".

من جهته، أكد المستشار الاقتصادي، سمير النصيري، أن عجز الشركات الصناعية الحكومية عن تغطية رواتب موظفيها، يشكل عبئاً على الاقتصاد العراقي والموازنة العامة للدولة.

وأوضح النصيري لـ"العربي الجديد"، أن المعامل الإنتاجية التابعة لوزارة الصناعة العراقية هي 227 شركة، منها 140 شركة إنتاجية متوقفة عن العمل بشكل كامل، وتتحمل وزارة المالية تغطية رواتب موظفيها بشكل كامل.

وأضاف النصيري لـ"العربي الجديد" أن جميع الشركات الإنتاجية والصناعية كانت تعمل بشكل كلي قبل غزو العراق سنة 2003، وتغطي نفقات إنتاجها وتغطي رواتب موظفيها عن طريق تمويلها الذاتي، إلا أن الفترة التي أعقبت غزو العراق تسببت بإيقاف عدد كبير من هذه المصانع.

وشدد على أن غياب الرؤية الوطنية والإرادة الكاملة خلّف مشاكل اقتصادية كبيرة، في مقدمتها تعطيل الصناعة والإنتاج، مما يتطلب إعداد دراسة جدوى اقتصادية شاملة للقطاعات الإنتاجية لإعادتها إلى مسارها الصحيح.

وأشار إلى أنه على الدولة العمل الجاد على إعادة تأهيل هذه المصانع، ودعم إنتاجها بالشراكة مع القطاع الخاص الذي يمتلك أدواته وسياساته الاقتصادية في إدارة هذه الشركات في سبيل تحقيق تنمية مستدامة.

مسؤول بوزارة الصناعة العراقية قال لـ"العربي الجديد"، إن التحدي الحالي هو كيفية التعامل مع موظفي المعامل والشركات المتوقفة عن العمل


وفي السياق، أكد الباحث الاقتصادي، نبيل العلي، أن شركات وزارة الصناعة تشكل أعباء كبيرة على الحكومات المتعاقبة، لأن بياناتها السنوية تشير إلى خسائرها الدائمة دون تغطية تكاليف الإنتاج.

وأشار العلي لـ"العربي الجديد"، إلى أن محاولات الحكومات السابقة إنعاش هذه الشركات بائت جميعها بالفشل، من خلال عوامل عديدة، منها ما يتعلق بطريقة إدارة تلك الشركات، والقوانين النافذة، أو ما يتعلق بالمحاصصة الحزبية في إدارة الوزارة والشركات من قبل أطراف حزبية، ووضع شخصيات غير كفؤة.

وأضاف أن من بين الأسباب الأخرى ما يتعلق بالفساد المستشري في مفاصل الدولة وانتشاره في تلك الشركات، فضلاً عن أسباب أخرى تتعلق بكفاءة الموظفين والعاملين في تلك الشركات، ومدى قدرتهم على تحقيق إنتاج ينافس الإنتاج المستورد، مع غياب حماية الدولة للمنتج المحلي.

ويرى الباحث الاقتصادي، علي عواد، أن الشركات الإنتاجية التابعة لوزارة الصناعة تشكل عائقاً كبيراً أمام تقدم عجلة الاقتصاد العراقي في جوانب متعددة، مما يتطلب العمل على أن تمول تلك الشركات ذاتياً من خلال ما تقدمه من عمليات إنتاجية للسوق داخلياً وخارجياً.

وأوضح عواد لـ"العربي الجديد"، أن تحويل الشركات الصناعية من التمويل المركزي إلى التمويل الذاتي ينبغي أن يجري وفق معايير ومتطلبات اقتصاد السوق حالياً.

وأشار إلى أنه طوال مدة العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على العراق قبل الغزو، كانت موازنة الدولة تفتقر إلى الإيرادات النفطية القادرة على تحمل أعباء الإنفاق، وأولوية ذلك انحصرت بشكل خاص في تلبية متطلبات الحاجات الأساسية للسكان، وليس التنمية الصناعية.