- العلاقات بين ألمانيا والصين معقدة بسبب القيود التجارية والتوترات الجيوسياسية، لكن الصين تظل سوقًا رئيسيًا للمنتجات الألمانية وموردًا مهمًا.
- زيارة شولتز تأتي في وقت حرج بالنسبة للاقتصادين الألماني والصيني، مع إمكانية تقديم بكين تنازلات لتحسين العلاقات التجارية وفتح فرص جديدة للشركات الألمانية.
يحط المستشار الألماني أولاف شولتز يوم السبت المقبل في بكين، في زيارة أقل ما يقال فيها إنها تأتي لرأب الصدع مع التنين الصيني، المستمر في سياسة التضييق على الشركات الألمانية وإغراق الأسواق الأوروبية بالبضائع. فهل يتمكن شولتز من معالجة هذه المخاوف وتحقيق معادلة تكافؤ الفرص؟
أهمية الصين لألمانيا
أمام هذا الواقع، أكد عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الألمانية في شرق الصين ماكسيمليان بوتيك، وفق ما نقلته شبكة "أن تي" الإخبارية مساء أمس، أن الزيارة التي ستشمل 3 مدن رئيسية بينها شنغهاي، تعد علامة قوية على تطبيع العلاقات مع الصين، خاصة وأن عدداً كبيراً من رجال الأعمال وممثلي أكبر الشركات الألمانية مثل "سيمنز" و"باير" و"مرسيدس بنز" و"دي أتش أل" سيكون ضمن الوفد المرافق.
واعتبر المدير الإداري في غرفة التجارة والصناعة الألمانية مارتن فانسليبن أن الصين الشريك التجاري الأكثر أهمية لبلاده، وأنها تعد موردا مهما للعديد من المنتجات الوسيطة والمواد الخام، فضلا عن أنها أيضا سوق أساسي لمبيعات المنتجات الألمانية.
ولفت فانسليبن إلى أن الشركات الألمانية تنظر إلى النزعة الحمائية المتزايدة في جميع أنحاء العالم بقلق بالغ، خاصة في الصين، أكثر من أي بلد آخر.
منافسة غير عادلة
وفي السياق، تشكو الشركات الألمانية من القيود المفروضة على محاولة الوصول إلى الأسواق، والمنافسة غير العادلة، في الصين، ما جعلها تبحث عن أسواق شراء ومبيعات جديدة في دول أخرى للاستثمار فيها، رغم اهتمامها بممارسة الأعمال التجارية في بكين.
ووفقا لعضو مجلس إدارة رابطة الأعمال الألمانية لآسيا والمحيط الهادئ دانييل ماريك، فإن حال ممثلي الشركات يتراوح حاليا بين القيود على الوصول إلى الأسواق في الصين، والمخاوف بشأن التصعيد السياسي مع تايوان، واتهامات بالمنافسة غير العادلة في أسواق ثالثة. وتتمثل الخلفية في المخاوف من احتمال قيام الصين بضم تايوان بالقوة، حيث تنظر بكين إليها كإقليم انفصالي.
وشكّل الوضع الجيوسياسي والتوترات مع الولايات المتحدة عاملا من عوامل عدم اليقين بالنسبة للشركات، حيث أفاد تحليل حديث لإدارة الأبحاث التابعة لـ"كومرتس بنك" بأن زيادة الإنتاج المحلي في الصين هي على وجه التحديد السبب الرئيسي وراء انخفاض الصادرات الألمانية إليها.
وفي سياق آخر، تبرز أيضا سرقة الملكية الفكرية وطوفان براءات الاختراع التي يصعب على الشركات الأجنبية إدارتها وتُعتبر من المشاكل في السوق الصينية، رغم وجود ظواهر جديدة. ونقلت الشبكة عن مصادرها أن الجانب الصيني أصبح "أكثر فاعلية في إغلاق الأسواق".
وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، نفذت الصين ما وعدت به وقلصت العديد من الحواجز الرسمية، من أجل تحقيق أهدافها، كما أحدثت ثورة في مجالي التجارة والاقتصاد، رغم استمرار وجود مشاكل متزايدة للشركات الأجنبية في ما يتعلق بالموافقة على المنتج، حيث يتم تأخيرها في بعض الأحيان من أجل منح المنافسين الصينيين السبق.
انفتاح صيني
وفي خضم ذلك، أشار معهد الاقتصاد الألماني، اليوم الأربعاء، إلى أن الزيارة تأتي في وقت يضعف اقتصادا البلدين، فالاقتصادان في أزمة بفعل الحرب في أوكرانيا، ووضع تايوان يضع ضغوطا على العلاقة بينهما، ومن المرجح أن تكون بكين على استعداد لتقديم بعض التنازلات، ومنها وضع حد لتدفق السلع الصينية.
ويشدد المعهد على أن التعامل مع عملاق الشرق الأقصى يماثل "العمل على حبل مشدود، لأن البلاد أكبر من أن تتمكن من الانفصال عن أوروبا، كما أن التعاون في مجالات مثل حماية المناخ هو أمر بالغ الأهمية".
ويرى المعهد أن المستشار شولتز يجب أن "يوجه نفسه في المناقشات حول ثالوث الشريك والمنافس والتوجه المنافس للنظام، وهذه ليست بالمهمة السهلة".
وتغمر الصينُ السوقَ الأوروبية فعليا بالعديد من السلع والمنتجات، وفي مقدمِها تلك المرتبطة بالطاقة المتجددة، حتى أن وفرة الصادرات الصينية باتت تهدد الصناعات في العديد من دول الاتحاد الأوروبي.
من جهة ثانية، أبرز المعهد أن الصين بحاجة أيضا إلى ألمانيا بشكل خاص لأن اقتصاد بكين يتباطأ مع تعثر الاستثمارات الأجنبية فيه، وعلى ما يبدو فإن التوجه الحالي هو الانفتاح على الشركات الأوروبية، وهو ما يدفع بكين إلى تحسين ظروف الأعمال المحلية للشركات الألمانية.
وقال المعهد إنه "يتعين على شولتز أن يستفيد من الرغبة في التفاوض لدى الجانب الصيني، وأن يحدد الأولويات الصحيحة، والتي يأتي في مقدمتها خفض القدرات الفائضة للصين ووقف تخمة الصادرات، وهو ما سيكون من شأنه أن يفيد الاقتصاد الألماني ككل.
وبحسب البنك المركزي الألماني بلغت الأرباح التي حققتها الشركات الألمانية في الصين نحو 19 مليار يورو عام 2022، وأعيد استثمار نصف هذا المبلغ هناك.